الذي ينفخ في نار الفتنة ستحرقه بإذن الله، والذي يقلّب الجمرَ سيطاله حيث أن بالأمة من الأوباش والحمقى والعيّارين والسخفاء والأنذال والسفهاء مَن إذا تكلم كأنه تقيأ، وإذا أراد أن يفيدك ضرّك، وإذا عمِل أساء، وإذا نصح لم يرشُد، وإذا تلفّظ أساء الأدب بل يتعمد أن يسيء الأدب ليجعل من الشأن أو الحدث أو الموضوع الفردي لشخص ما أو أشخاص موبوئين أو ساقطين أو منحرفين وكأنه حدث عام أو يعكسه على أهل القرية أو العشيرة أو البلد.
ما الفتنة إلا من مستصغر الشرر، وتحت الرماد وميضُ نار يوقدها "نتنياهو" منذ سنوات، عندما صرّح بتكرار مملّ ومخطّط ومقصود أنه والعرب على علاقة جيدة، أحيانا من تحت الطاولة وأحيانا من فوقها، ولن ينال مبتغاه بإذن الله وبهمّتنا.
فهذه أمتنا (ولا تجتمع أمتي على ضلالة) كما قال سيد الخلق، ونحن منها.
وهذه حضارتنا العربية الإسلامية-المسيحية الشرقية، ونحن الفلسطينيون قلبُها، ومهما احتوت على سفهاء بيننا وفيها فهم لا يمثلون إلّا زمرة السفهاء أو الأنذال فقط، ولا يُنسبون لبلد -أي بلد-أو لعشيرة أوجماعة محترمة.
دعني أقول ثانية لمن لم يفقَه القول: أن السفالة والنذالة والسقوط والسفاهة صفة إنسانية ذاتية أصيلة (فألهمها فجورها وتقواها)،ولا تلتصق بشعب أو قبيلة أو عائلة أو بلد مطلقا.
كان إعلان "نتنياهو" عن عشقه المزيّف للعرب -وهو العنصري ضد العرب والإرهابي بامتياز- إعلان لبداية الفتنة وبداية إحداث الشرخ، لا سيما أنّ ضِعاف العقول والسفهاء، ومعهم المتحاربين على جانبي جثة الأمة يتصارعون برماح الاتهامات المتبادلة، وكيف لا تكون القضية الفلسطينية أحد هذه الرميات؟
السفهاء والعيّارون أي الزعران من أوباش الأمة -وفي كل أمة- لابد أن يجدوا لهم متنفسّا عند الأعداء، فيعلنون غرامهم بأعدائهم أو مستعمريهم أو مستغلّيهم من طرف واحد، وهذا مرض معروف حيث الانبهار والسجود إلى درجة الانسحاق بالآخر.
فليس غريبا أن تصيب بارودة "نتنياهو" عددا من هؤلاء الأوباش في الأمة أكانوا سياسيين متخلّفين لا يفقهون معنى الأمن القومي من أمن مخدع نومهم، أو كانوا نجوما مزيّفين "فيسبوكيين" في تجارة معروفة يتم فيها استدراج أشباه الرجال ليقبّلوا الأقدام والأقفية معلنين أن قبلتهم تل أبيب.
وما هؤلاء -قلّوا أو تكاثروا- إلا غثاء كغثاء السيل سرعان ما يزِلّون ويزولون.
فتنة "نتنياهو" التي يعمل جاهدا لزرعها بين الأشقاء العرب، وبيننا وبين أمتنا بعربها وعجمها ومسلميها ومسيحييها فتنة مقدّر لها الفشل التام.
إنّ الحكماء فينا، وأن تاهوا أحيانا سيرجعون للحق، فنحن أمة الوسط ومجمل الجماهير صامدة قوية وأن سكَنَت فترة سرعان ما تنهض ملبيّة النداء، نداء الخالد ياسر عرفات الذي آمن فردد "على القدس رايحين شهداء بالملايين".
السفهاء موجودون في كل عصر وأوان، وستقابلون منهم على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير، أقابلوا "نتنياهو" وقبّلوا رجليه، أم قابلوا رئيس الكيان وركعوا تحت شعار الاحتلال، فهم موجودون.
يظلّ السفهاء قلّة أذلاء، ويظلّون نجومًا مزيفين وسفهاء أراذل لا يمثلون إلا زمرة الأوباش الفلسطينيين أو العرب.
لطالما كرّر بجهد كبير المفكر الفلسطيني العربي العظيم خالد الحسن أن نصرنا على محتلّينا لن يتم الا بتكامل واجتماع أمر الأمة، فالمحتل والعقل الاستعماري لم ولا يستهدف فلسطين وحدها، بل مجمل الأمة، لذلك فإن (القاطرة الفلسطينية لا تسير إلّا في القطار العربي) كما قال.
فلا يظن أحد أي كان هذا الشخص أو الجهة أن انهيار أور كوع أو انسحاق شخص أو زمرة يمثل دولة، أو بلدا من بلادنا العربية، فيتساوق مع فتنة "نتنياهو" عامدًا متعمّدًا أو جاهلاً متجاهلًا.
إن العربي الفلسطيني الذي احتفل بفوز الجزائر بكأس إفريقيا ببهجة، وسعِد بثورة الياسمين في تونس، واحتفل بتخطي السودان للفُرقة، هو ذاته الذي يسعَد بنجاحات مصر في التنمية الاقتصادية، وهو ذاته من أحب الشعب العربي الكويتي والبحريني والسعودي والإماراتي ويتشرف بالإنجازات العربية الخليجية، وبإكسبو ٢٠٢٠ كما يتشرف بإنجازات المغرب الكبير بعربه وبأمازيغه.
الفلسطيني صاحب عشق لا يزول فمن أحبّ العراق بعربه وكورده، أحب الشام بشماله وجنوبه، ولا يتمنى لهذا البلد إلّا تجاوز المحنة.
وهو العربي الفلسطيني الذي ظلّ مع الأردني قلبا واحدا في بلدين، ما يمكن أن نقوله بمنطق الجسد الواحد مهما بدت الجروح أو القروح ظاهرة في هذا الجسد الذي يجب أن نعمل معا على معافاته، وليس على سكب الملح في الجرح.