لفتَ نظري وأنا أعيد قراءة الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي أصدره المجلس الوطني عام 1968، ذلك الربط المبدع بين ما هو وطني وما هو قومي، لذلك أنصح كل فلسطيني وكل عربي بالعودة إلى أدبيات خمسينيات وستينيات القرن الماضي لنفهم أكثر لماذا يجري هذا الذي يجري اليوم!!
 ففي مادته الرابعة عشرة يقول الميثاق الوطني: "إنَّ مصير الأمة العربية، بل الوجود العربي ذاته رهن بمصير القضية الفلسطينية"، ومن هذا الربط ينطلق سعي الأمة العربية وجهودها لتحرير فلسطين، ويقوم الشعب الفلسطيني بدوره الطليعي لتحقيق هذا الهدف القومي المقدس.
كم هو مهم أن يقرأ العرب هذا النص، لأنّه لا يلخص فقط ما يجب على العرب والفلسطينيين عمله، بل لكونه يستشرف حال الأمة العربية عندما تبتعد عن قضيتها القومية المقدسة، قضية فلسطين ومهمة تحريرها.
أي متأمل اليوم للحال التي وصلت إليه الأوضاع العربية من تمزّق يدرك أنَّ السبب هو انحراف بوصلة النظام الرسمي العربي عن قضيته المركزية وعن مشروعه القومي، مشروع الوحدة والتضامن العربي.
وتقول المادة الخامسة عشرة من ميثاق المنظمة الوطني: "الوحدة العربية وتحرير فلسطين هدفان متكاملان يهيّئ الواحد منها تحقيق الآخر، فالوحدة العربية تؤدي إلى تحرير فلسطين، وتحرير فلسطين يؤدي للوحدة، والعمل لهما يسيران جنبا إلى جنب"، عندما كان النظام العربي يفكر بهذا النسق وضمن هذا المنهج كان هناك مشروع قومي تواجه به الأمة العربية الأطماع الخارجية الإقليمية منها والدولية، وكانت (إسرائيل) تحسب لها الحساب، وكان أمل الكيان الصهيوني في استباحة الأمة العربية بعيد المنال، غير أن الواقع اليوم لا يقول بهذا البعد!
ولعلَّ المادة الثانية عشرة هي الأبلغ في الربط الفلسطيني بين ما هو قومي ووطني، وتقول: "الشعب الفلسطيني يؤمن بالوحدة العربية، ولكي يؤدي دوره في تحقيقها، يجب عليه في هذه المرحلة من كفاحه الوطني أن يحافظ على شخصيته الوطنية ومقوّماتها وأن ينمي الوعي بوجودها وأن يناهض أيًّا من المشروعات التي من شأنها إذابتها".
نص هذه المادة هو ثمرة كفاح طويل للشعب الفلسطيني، ليؤكد من خلاله شخصيته الوطنية من خلال القومي، فالإبداع هنا أن الوطني، والذي هو مؤقت بسبب طبيعة القضية الفلسطينية وطبيعة المشروع الصهيوني الاستعماري، الذي يهدف لإلغاء الوجود الفلسطيني، هذه الوطنية هي في خدمة القومي استراتيجيا، وهذا ما لم يره النظام العربي الرسمي.
الربط الفلسطيني بين الوطني والقومي هو نموذج للربط المنتج الإيجابي، وهو يصلح لبناء العلاقات العربية على أساسه، من هنا أهمية العودة باستمرار إلى الوثائق، فهي ليست مجرد أوراق للتاريخ، بل هي دروس وعبر للحاضر والمستقبل، فالبشرية تكتب تاريخها لا لتدرسه في المدارس والجامعات، بل ليكون دليلها  لما هي عليه في الراهن  ولما قد تكونه في المستقبل.
نحنُ الفلسطينيين، ونحنُ العرب أحوج ما نكون اليوم لقراءة تاريخنا القريب لعلّ وعسى نفهم أسباب التمزّق والانحطاط، فالأمم التي لا مشروع لها لا مستقبل لها، فمواجهة مشاريع التوسع الإقليمية إسرائيلية أم غير إسرائيلية، لا تواجه بالاستنجاد بالخارج، وإنما بمشروع عربي، يتكامل به القومي والوطني وبوصلته القضية الفلسطينية، والوحدة العربية.