هجوم السلام الفلسطيني، الذي يقوده الرئيس ابو مازن يربك القيادة الاسرائيلية، ويحشرها في الزاوية. لا سيما انها غير جاهزة لدفع استحقاقات السلام، ولا في أي ملف من الملفات السبعة الأساسية: اللاجئين، القدس، الاستيطان، الحدود، الامن، المياه، اسرى الحرية. ليس هذا فحسب، بل ان التجاوب الايجابي من قبل القيادة الفلسطينية مع محددات خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 ضاعف من ازمة القيادات الاسرائيلية المتطرفة، وأزاح عنها ورقة التوت المهترئة، التي لم تعد منذ زمن بعيد تستر عورات دولة التطهير العرقي الاسرائيلية.
لذا شنت أبواق الائتلاف الحاكم الاقصوية حملة تحريض غير مسبوقة على الرئيس عباس، وروجت بعض منابر الاعلام الاسرائيلية، ان الحاكم الاسرائيلي نتنياهو، بات يبحث عن بدائل لرئيس منظمة التحرير. لعله يجد شخصا يقبل القسمة على مشروعه السياسي الاستعماري. متناسيا، هو ومن لف لفه من القيادات الاسرائيلية بمشاربها المختلفة، أن ما ثبته الرئيس الرمز ياسر عرفات، وما واصل السير عليه الرئيس محمود عباس، لن يستطيع كائن من كان، ان يتجاوز تلك الأسس والخطوط الوطنية الحمراء، التي هي أقصى حدود التنازل الفلسطينية المقبولة وطنيا، ودونها يصبح الأمر خارج معايير برنامج الاجماع، الذي اقرته منظمة التحرير، ولن تقبل به الجماهير الفلسطينية وقواها الحية. خاصة وان التنازل الفلسطيني تجاوز ما قررته الشرعية الدولية في قرار التقسيم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947.
المرونة الفلسطينية العالية ضربت بحجرها أكثر من عصفور، الأول غطرسة واستعمارية القيادة الاسرائيلية، ورفضها للسلام؛ الثاني تزايد التأييد للسياسة الرسمية، التي يقودها الرئيس ابو مازن في المحافل الدولية، وبالتالي إتساع دائرة التأييد والدعم للحقوق الفلسطينية؛ الثالث اتساع نطاق العزلة للدولة الاسرائيلية، وخاصة بعد ضربات المقاطعة الدولية، وتداعيات ذلك على مناحي الحياة الاقتصادية الاسرائيلية؛ الرابع تعمق الهوة النسبية بين مواقف القيادتين الاسرائيلية والاميركية.
غير ان المرونة الفلسطينية تحتاج إلى ضوابط، حتى لا يفتح قادة إسرائيل اشداقهم على وسعها طمعا في تنازلات فلسطينية جديدة. خاصة وان القيادة وفريقها المفاوض، أدركوا عبر تجربة المفاوضات طيلة العقدين الماضيين، وقبولهم بالقرارات الدولية 242 و338، التي تقول بالدولة على حدود الرابع من حزيران 1967، فتح شهية التمساح الاسرائيلي ومن خلفه الادارات الاميركية المتعاقبة للمطالبة بتنازلات جديدة عبر بوابة "الحلول الوسط" بين الطرفين، على اعتبار ان ما تطالب به القيادة الفلسطينية، هو الحد الاقصى للحقوق الوطنية، وتناسى اولئك جميعا، ان حقوق الفلسطينيين، هي فلسطين التاريخية، وليس قرار التقسيم 181. ولكن شجاعة المفاوضين الفلسطينيين ومقداميتهم لصنع السلام، دعتهم لقبول الدولة الفلسطينية على اساس حدود الرابع من حزيران 1967. وبالتالي، الحديث من الآن عن إعطاء مهلة اولا لمدة ثلاث سنوات لانسحاب جيش الاحتلال ومؤسسات إسرائيل من اراضي الدولة الفلسطينية، ثم التدحرج إلى خمس سنوات، يعيد فتح الشهية الاسرائيلية مجددا للمطالبة بعشر سنوات او أكثر، فضلا عن المطالبة ببقاء جيشها في الاغوار لسنوات إضافية، الأمر الذي يقتل الأمل بتسوية سياسية حقيقية. ويبدد احلام الفلسطينيين بالاستقلال السياسي الناجز.
ثم ما هي الضمانة لانسحاب إسرائيل بعد تلك السنوات؟ وعلى فرض تواجدت قوات حلف الناتو او القوات الاميركية او الاردنية المغطاة بالقبعات الزرقاء، هل ستتمكن من إلزام إسرائيل بالانسحاب من اراضي دولة فلسطين؟ وما هي الضوابط الاميركية والاوروبية والعربية لفرض الانسحاب؟ وماذا إن تغيرت الحكومة الاسرائيلية، وجاءت حكومة أكثر تطرفا وعدوانية؟ وهل ستسمح إسرائيل بعودة اللاجئين ؟ كيف وعلى اي اساس؟
يا حبذا صانع القرار السياسي الفلسطيني لو تريث قليلا، ولا يتعجل نهائيا، لأن ذرائع إسرائيل تبدأ ولا تنتهي، والرئيس عباس يعلم علم اليقين هذه الحقيقة جيدا جدا.
خطر سياسة الدحرجة / بقلم عادل عبد الرحمن
15-02-2014
مشاهدة: 2194
عادل عبد الرحمن
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها