جاءت مخرجات قمة الظهران العربية يوم السبت الماضي فلسطينية بامتياز. حيث أطلق الملك سلمان بن عبد العزيز عليها قمة القدس، كما تبنت القمة كل التوجهات الفلسطينية السياسية، وتبرع خادم الحرمين الشريفين بـ 200 مليون دولار، منها 150 مليونا لصندوق القدس، و50 مليونا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا". كما أكدت القمة على أولوية القضية الفلسطينية، وأعادت تثبيت مركزيتها بالنسبة للعرب، ورفضت بشكل قاطع اعتراف الرئيس الأميركي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعادت تثبيت أولويات مبادرة السلام العربية كما تبنتها قمة بيروت عام 2002، ورفضت صفقة القرن أو أية مخططات ومشاريع سياسية تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، وأيدت الدعوة لمؤتمر سلام دولي لحل المسألة الفلسطينية وفق جدول زمني محدد... إلخ.
ومن استمع لكلمات الملوك والرؤساء من رئيس القمة الحالي إلى الرئيس السابق إلى باقي الزعماء العرب، وإن تباينت مفردات كلماتهم، فإنهم جميعاً أكدوا على ضرورة حل المسألة الفلسطينية، وضرورة منح الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية وفق ما تضمنته مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 2334 الصادر نهاية 2016.
نعم كانت قمة الظهران العربية، قمة فلسطينية بامتياز، ولم تشوش عليها الأحداث والتطورات الجارية في المنطقة والإقليم والعالم. وقطعت قراراتها الواضحة والجلية كل الشكوك والفرضيات والتأويلات المتناثرة هنا وهناك في أروقة المنابر الإعلامية والأمنية العربية والدولية. ووضعت حداً بائناً للتوجهات العربية، وهو ما يعزز دور ومكانة القضية والأهداف الوطنية ومنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وأمدت الرئيس محمود عباس والقيادة الشرعية عموما بالمزيد من عوامل القوة والدعم في مواجهة التحديات المنتصبة أمامها، وباركت خطواته في المضي قدما بعقد دورة المجلس الوطني القادمة، وحاصرت عملياً وبشكل مباشر حركة الانقلاب الحمساوية، التي ما زالت تناور، وهو ما يملي عليها إعادة نظر في سياساتها وأولوياتها للعودة لحاضنة الشرعية.
وما محاولات موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس الغمز من قناة خطاب الرئيس أبو مازن، أمام القمة إلا انعكاس للشعور بالإفلاس، وكشف الغطاء عن حركته الانقلابية وخياراتها التفتيتية التمردية المرفوضة من قبل النظام السياسي العربي الرسمي. وإذا أحسنت حركة حماس قراءة المؤشرات السياسية، التي أرسلتها قرارات القمة العربية، وقبلها كلمات الملوك والرؤساء العرب، فإنها ستعيد النظر بأوهامها ومراهناتها الساذجة على الأجندات الإقليمية والدولية، وبالتالي العودة إلى جادة الصواب وتوطين نفسها في المشروع الوطني، ولتتفضل للمشاركة في المجلس الوطني القادم، كدليل على استخلاصها الدروس والعبر من نتائج القمة العربية. لأنه لم يعد أمامها الكثير من الوقت للمناورة والتسويف والمماطلة، ولا أعتقد أن القيادة المصرية مستعدة لتحمل المزيد من إضاعة الوقت، وتبديد جهودها في رعاية المصالحة. لا سيما أن الرئيس أبو مازن قال كلمته بشكل واضح، وأبلغ الرئيس المشير عبد الفتاح السيسي بما خلص إليه، وكان ابلغ أيضا القائم بأعمال رئيس جهاز المخابرات المصرية أثناء لقائه به عشية القمة في رام الله.
مرة أخرى أرسلت القمة العربية الأخيرة رسائل عدة لكل الأقطاب والدول والمنابر الأممية والإقليمية والعربية وقبل الجميع لدولة الاستعمار الإسرائيلية. وأكدت بما لا يدع مجالا للشك لقيادتها السياسية والعسكرية، لا مكان للتطبيع إلا بعد انسحاب إسرائيل الكامل من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس، واستقلالها وسيادتها على أراضيها، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس مبادرة السلام العربية والقرار 194.
جاءت القمة العربية مستجيبة للطموحات والرغبات الفلسطينية، وانتصرت لفلسطين، والفضل للشعب الفلسطيني، الذي يواصل كفاحه الشعبي السلمي، وأيضا لحكمة الزعماء العرب، ولقيادة المملكة العربية السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين على إسهامهم في التبني الكامل للقرارات والتوجهات الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها