الخارطة السياسية العربية والاقليمية والدولية، تعيش تحولات معلنة وخافتة. لا ثابت فيها إلا مصالح الدول والقوى، التي تتماوج مع رياح التغيير صعودا وهبوطا وفق التقديرات الخاصة لكل منها. ولا يضيف المرء جديدا، إذا ما أكد ان اشكال واسماء وعناوين التحالفات تتغير كما يغير الناس ملابسهم. ولا تجد دولة او قوة ما غضاضة في الانتقال من تحالف لآخر، دفاعا عن الذات، وحماية لها.
واذا اخذ المراقب النموذج التركي، فانه سيجد، ان النظام السياسي في انقرة، لم يعد هو ذاته بعد إسقاط الطائرة الروسية في 24 نوفمبر الماضي. حيث أملت عليه تداعيات مغامرته، اعادة نظر في اولوياته تجاه دول الاقليم وقواها. وحتى يحمي رأسه، فرضت عليه الولايات المتحدة من موقع الحليف، الاندفاع نحو المصالحة مع إسرائيل، ودفع ثمن الاستحقاق بتجفيف العلاقة مع حركة حماس، مغادرة ممثليها الاراضي التركية، وإغلاق مؤسساتها التجارية، وحتى التضييق على قيادات التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، وإشعارهم بالبحث عن ملجأ آخر، والذي يبدو، انه قد يكون قطاع غزة.
رغم ان القيادة التركية، تدعي انها مصرة على رفع الحصار عن المحافظات الجنوبية. غير ان هذا المطلب ليس مقبولا إسرائيليا. وكل ما يمكن لحكومة نتنياهو تقديمه، هو الاعتذار، الذي أعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي 2013 بعد زيارة اوباما آنذاك لتل ابيب، وتقديم العشرين مليون دولار اميركي لضحايا إسطول الحرية، الذين سقطوا في مايو 2010. اما موضوع التسريب الاعلامي، بان انقرة تريد دورا في إدارة غزة، ليس سوى ترويج لبضاعة لا وجود لها في السوق الفلسطيني، حتى حركة حماس، لا تقبل لاردوغان بعد ان طردها من دياره شر طرد بأي دور. ولم يفكر نظام حزب العدالة والتنمية بذلك من اصله.
كما ان مصر العربية، ارسلت رسالة قوية لإسرائيل، حذرتها فيها من مغبة ارتكاب اي سياسات تسمح للنظام التركي بالاقتراب من محافظات الجنوب الفلسطينية. ووفق ما رشح في المنابر الاعلامية، فإن الحكومة الاسرائيلية، وعدت القاهرة بعدم التغيير في الواقع القائم. غير ان من السابق لأوانه، الجزم بأن حكومة نتنياهو ستفي بأي التزام تجاه مصر. لا سيما انها وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، تعمل على إغراق مصر بشكل متواصل في دوامة العنف والارهاب، وذلك لالهائها بهمومها الداخلية، وعدم تمكنها من الوقوف على قدميها، وللحؤول دون استعادة دورها المركزي في العالم العربي والاقليم.
ولعل ما يساعد المخطط الاميركي الاسرائيلي، ان جماعة الاخوان المسلمين في مصر وعلى المستوى الدولي، تعيش مخاضا، يشي بوجود تناقض بين تيارين، التيار القطبي (نسبة لسيد قطب) المتطرف، الذي يرى بضرورة تصفية الحساب مع كل الانظمة العربية وعلى رأسها مصر وايضا دول الاتحاد الاوروبي واميركا وروسيا من خلال القيام ودعم العمليات الارهابية باسماء وعناوين مختلفة، والتيار المعتدل، الذي ينادي بالعودة للخيار الدعوي دون التورط في استلام الحكم. انطلاقا من التجربة المريرة، التي عاشتها جماعة الاخوان في مصر، وإفلاس تجربتهم هناك. وما زال الصراع على اشده بين التيارين. ولم يحسم حتى اللحظة. لكن الادارة الاميركية وإسرائيل تسعى للاستفادة من التيار المتشدد لتعميق ازمة النظام في مصر. مع انها (إدارة اوباما وحكومة نتنياهو) بدأت تعيد النظر في علاقتها مع التنظيم الدولي للاخوان، في ضوء استشعار بريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها من اوروبا، انه شريك ومنتج للارهاب.
هناك خلط شديد للاوراق فيما بين الدول والقوى وبالتالي التحالفات. لم تعد اللوحة ذاتها القائمة منذ نهاية سبتمبر/ ايلول الماضي. الساحة الفلسطينية ليست بعيدة عن التحولات الجارية، والتي قد يطالها قسط من تأثيراتها لاحقا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها