في خطوة تعتبر نقلة هامة في سياق تطور الرؤية السياسية في أوساط الحزب الديمقراطي الأميركي تجاه المسألة الفلسطينية، تمثلت في مخرجات مؤتمر الحزب في ولاية كارولينا الشمالية، الذي أنهى أعماله يوم الإثنين الموافق 20 حزيران الحالي، التي جاءت عاكسة لمدى التحول السياسي الإيجابي في التشخيص المسؤول والواقعي والمنسجم مع قرارات الشرعية الدولية ومعايير حقوق الإنسان الأممية، والتخلي عن التابوهات التقليدية العمياء في سياسات ومواقف الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

ومن أبرز القرارات التي تبناها المؤتمر، منها أولاً اتهام دولة إسرائيل بممارسة سياسة الفصل العنصري؛ ثانيًا مطالبة الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وبانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين، بما في ذلك حظر السفر، وتجميد الأصول المالية؛ ثالثًا ربط المساعدات المالية السنوية، والتي تقدر بـ3,8 مليار دولار أميركي لإسرائيل بمدى احترامها لحقوق الإنسان، وإنهاء سياسة الفصل العنصري، والتوقف عن اضطهاد الفلسطينيين؛ رابعًا اتهام دولة إسرائيل بنقل ملكية الممتلكات والأراضي من الفلسطينيين أصحابها الأصليين إلى الإسرائيليين عن طريق إزالة وهدم عشرات آلاف من المنازل والمجتمعات، ومصادرة الأراضي والممتلكات. كما قامت بإنشاء محميات منفصلة وجيتوهات للفلسطينيين، وحرمانهم من حقهم في السفر والعودة إلى بلادهم، وإنكار حقهم في الجنسية والهوية الوطنية، أي حرمانهم من حق إقامة دولتهم الوطنية المستقلة؛ خامسًا طالب الكونغرس بالاعتراف بيوم النكبة الفلسطينية في 15 أيار/ مايو من كل عام، وإحياء المناسبة، كونها كارثة بالغة قادت لطرد 750,000 فلسطيني، وتدمير 500 قرية وأحياء فلسطينية عام النكبة 1948؛ سادسا واتهم المؤسسات الإسرائيلية بالتمييز الفاضح من خلال حجب ورفض منح الموافقات للبناء في الأراضي الفلسطينية بذرائع وحجج واهية، وفي المقابل سمح للإسرائيليين بالبناء في الأراضي الفلسطينية في القدس وعموم الضفة الفلسطينية بترخيص ودون ترخيص ودون معايير؛ سابعًا فصل الضفة عن القدس، وفصل المحافظات الفلسطينية عن بعضها البعض بأكثر من 600 نقطة تفتيش ومراقبة وحاجز، لتكريس الكانتونات أو والجيتوهات، كما سمّاها تقرير المؤتمر. وأيضًا حرمان الفلسطينيين من آبار مياههم الجوفية ومن الكهرباء، في الوقت الذي تبيح استخدام المياه للمستعمرين الإسرائيليين دون أية قيود؛ ثامنا ولعل الأكثر تقييدًا، هو الحصار الظالم المفروض على الأكثر من مليوني إنسان فلسطيني في قطاع غزة، الذين لا يحصلون على الكهرباء إلا لأربع ساعات يوميًا، فضلاً عن أن 96% من المياه في غزة غير صالحة للاستهلاك البشري، ولا يسمح لأي شخص بدخول غزة أو الخروج منها إلا وفق معاييرهم العنصرية والإرهابية؛ تاسعًا طالب المؤتمر بتشكيل لجنة من قبل وزارة الخارجية، ومكتب التحقيق الفيدرالي، للتحقيق في اغتيال الصحافية الأميركية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي قتلت أثناء تغطيتها لهجوم إسرائيلي على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في جنين في 11 أيار/ مايو الماض... إلخ من القرارات ذات الصلة بالموضوع.

وأكدت رئيس الحزب، بوبي ريتشاردسون على القرارات بالقول، إن المؤتمرين الديمقراطيين في الولاية وافقوا بالإجماع على القرارات المذكورة. وهذه القرارات لا تعني أننا أعداء لليهود أو لإسرائيل. ولكنها جاءت متوافقة مع المعايير الدولية، وإنصافًا للفلسطينيين.

ومن القراءة السريعة للقرارات ولمحتواها السياسي والقانوني والاقتصادي والمالي والأمني نتلمس بوضوح شديد مدى تطور الخطاب في أوساط الحزب الديمقراطي بشكل خاص، وفي أوساط الرأي العام الأميركي عمومًا. لكن هذا التحول الهام ما زال يحتاج إلى تطوير وتعميم بحيث يشمل الولايات المتحدة كافة، ومراكز القرار التنفيذية والتشريعية والأمنية العسكرية. مع الإدراك أن هذا النضوج في الرؤية السياسية القانونية تجاه المسألة الفلسطينية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن المراكمة عليه، واعتباره تحولاً كيفيًا قادرًا على أن يحمل في طياته رياح التغيير الأوسع، ولكنه يحتاج إلى الحرث في أوساط المجتمع الأميركي من خلال التحاق الفلسطينيين والعرب حملة الجنسية الأميركية وأتباع الديانة الإسلامية وكل أنصار السلام من مختلف الإثنيات والانخراط داخل بوتقة الأحزاب الأميركية الرئيسية (الجمهوري والديمقراطي) للتأثير أكثر فأكثر في مؤتمرات الولايات المختلفة، حتى لا يبقى التحول قاصرًا ومحصورًا في كارولينا الشمالية.

المصدر: الحياة الجديدة