عندما نعلم أنه من بين 36 حكومة حكمت إسرائيل منذ تأسيسها، فإن حكومة واحدة فقط استطاعت أن تنهي مدتها القانونية، وهي حكومة غولدا مائير (1969 - 1974)، التي شهدت خلالها إسرائيل حرب اكتوبر 1973. وعندما نعلم أن معدل عمر حكومات إسرائيل 28 شهرًا، ومعدل عمر الكنيست (البرلمان) هو 42 شهرًا، فإن الحديث عن أسباب  الأزمة السياسية في إسرائيل أعمق من كونها صراعاً بين ديوك الأحزاب الإسرائيلية، والأزمة التي تحولت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى ما يشبه المهزلة، بأنها لا تدور حول برامج سياسية أو اقتصادية، أو بين من هو مع السلام ومن هو ضده، وإنما بين من هو مع نتنياهو ومن هو ضده. من حيث الشكل، معظم الحكومات كانت تسقط إما بسبب استقالة رئيس الحكومة، أو بسبب انفراط عقد أحزاب الائتلاف الحكومي، ولكن في الجوهر، وكما يرى كثير من المحللين الإسرائيليين، فإن المشكلة لها بعدان: "الأول  قيمي، والثاني بنيوي. فمن الناحية القيمية، أصبحت إسرائيل تقاد من مؤسسة وطبقة سياسة فاسدة، وتكفي الإشارة هنا إلى أنه ومنذ عام 2007 وجهت اتهامات بالفساد إلى 11 مسؤولاً سياسيًا من الأوزان الثقيلة، رؤساء دولة، رؤساء حكومات ووزراء. أما من الناحية البنيوية، فهناك اتفاق لدى معظم الخبراء في إسرائيل، بأن الخلل يكمن أيضًا في تركيبة وتصميم النظام السياسي، حيث تتغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية عبر اللجنة الحكومية المسؤولة عن إعداد القوانين، ولكون النظام يشترط أن يكون رئيس الحكومة عضوًا في  الكنيست، الأمر الذي يضعف معيارًا أساسيًا من معايير الديمقراطية، ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات، خصوصًا إذا أضفنا إلى كل ذلك محاولات اليمين للسيطرة على الجهاز القضائي.

اليوم وبعد تتابع الأزمات وتفشي الفساد، وغياب البرامج السياسية، فإن الجمهور في إسرائيل فقد ثقته بالمؤسسات والأحزاب والطبقة السياسية عامة، وباستثناء ثقة الشعب الإسرائيلي الراسخة والثابته بجيشه، (90% في الوسط اليهودي)، فإن ثقته بما تبقى  من مؤسسات تتدنى لما هو أقل من 50 بالمئة، ومع تتابع وتمعق الأزمات في السنوات الأخيرة فإن هذه النسبة تتدنى أكثر. فالصراع في إسرائيل خاصة في العقدين الأخيرين لم يعد يدور بين يمين ويسار، أو على برامج اجتماعية اقتصادية، وإنما هو صراع يغلب عليه الشخصي أكثر من أي شيء آخر. وعلى سبيل المثال، وفي إطار اليمين ذاته، خلافات ليبرمان مع نتنياهو، وخلاف بينت مع نتنياهو. ومن دون شك أن نتنياهو تحول هو نفسه إلى مشكلة داخل الطبقة السياسية الإسرائيلية، فهو يعمل على تطويع النظام السياسي لمصلحة نزعته الدكتاتورية ورغبته بالاستحواذ على الحكم، فهو مؤمن بأنه الأكثر ذكاء، وأنه الساحر الذي ينجح في كل ألاعيبه. والأخطر من كل ذلك هو تطويع المجتمع الإسرائيلي لقبول فساده، وأن يصبح هذا الأخير ظاهرة مقبولة ومتعايَشا معها، وأن الزعيم "القوي" يمكن السكوت عن فساده. وإلى جانب تكلفة الانتخابات، من مليار ونصف المليار إلى ملياري شيقل، أي ما يعادل 650 إلى 750 مليون دولار، فإن يوم الانتخابات يكلف قطاع الأعمال المبلغ نفسه تقريبا، والقطاع العام مليار شيقل. وفي سياق العواقب، فإن كل ما ذكر يعتبر نقطة في بحر لما قد يلحقه عدم الاستقرار السياسي من أضرار اقتصادية وأمنية  واجتماعية وغيرها. الاحزاب الإسرائيلية أصبحت اقرب لكونها قبائل وعشائر منها إلى أحزاب سياسية، في السابق كانت كل مجموعة سياسية تلتف حول جنرال متقاعد من الجيش وتشكل حزبًا، واليوم تلتف المجموعات بشكل غريزي حول زعيم فاسد نصاب يبيعها وهم القوة. ومع غياب جيل المؤسسين للدولة، الذين كانوا يتمتعون "بالجرأة الحكيمة" ويدعون الطهارة، فإن قيادات اليوم لا رصيد لها سوى فصاحة الكلام. ومع كل ذلك، فإن جوهر أزمة إسرائيل السياسية لا يكمن في طبيعة النظام السياسي وما فيه من خلل، بالرغم من أهمية ذلك، ولا بطبيعة السياسيين أو برامج الأحزاب، وإنما تكمن بالأساس في السند الأيديولوجي الذي تقوم على أساسه الدولة، والذي هو سند استعماري عنصري، فالديمقراطية لا يمكن أن تستقيم في دولة عرقية، التي تميز بين مواطنيها، لذلك، ستبقى إسرائيل أسيرة أزماتها المستعصية ما دام أساسها عنصريًا.

المصدر: الحياة الجديدة