تحتل العلاقات الفلسطينية الهندية تاريخياً مكانة هامة في أجندة القيادات الفلسطينية الرسمية والشعبية. لأن الهند بثقلها الجيوبوليتكي العالمي، وبوقوفها الدائم والثابت إلى جانب القضية الفلسطينية، واعترافها المبكر بمنظمة التحرير ثم دولة فلسطين مطلع الثمانينات من القرن الماضي، شكلت أحد الروافع العالمية المساندة للنضال الوطني في منظمة دول عدم الانحياز، وفي المنابر والهيئات الدولية.
وحرصت القيادة الفلسطينية على مد الجسور، وتعميق العلاقات مع مختلف القوى والأحزاب الهندية دون استثناء. لأنها كانت ومازالت معنية بتوطيد علاقات الصداقة، وتجذيرها مع الشعب الهندي الصديق. لما للهند من مكانة سياسية واقتصادية وثقافية عالمية، تمكنها من لعب دور هام في الإسهام ببناء ركائز عملية السلام في المنطقة.
وتأتي زيارة ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي يوم السبت القادم لفلسطين، في زيارة دولة، هي الأولى لتشكل إضافة نوعية لتوطيد أواصر الصداقة بين القيادتين والبلدين والشعبين، وتحمل في طياتها دعما واضحا وصريحا لتعميق الاعتراف بدولة فلسطين المحتلة، والانحياز الجلي لخيار إزالة الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967، والدعم لاستقلال الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194. وتتعمد أهمية زيارة رئيس الوزراء الهندي من خلال الدعم والإسناد للعديد من المشاريع التنموية الاقتصادية والجندرية والصحية والثقافية، وتكريس الدور الإيجابي للهند في تعزيز أواصر التعاون الثنائي المشترك بين الشعبين والدولتين، وإسنادها لمكانة مؤسسات دولة فلسطين على الأرض.
ورغم أن بعض المراقبين قرأ خلفية زيارة رئيس الوزراء مودي من زاوية خلق حالة من التوازن بين فلسطين ودولة الاستعمار الإسرائيلي. غير أن البعد المنطقي للزيارة أبعد وأعمق من ذلك. لاسيما وأن العلاقات بين الشعبين والقيادتين والبلدين عميقة ومتجذرة، وتعود لستينيات القرن الماضي، وأيضا للعلاقات الوطيدة بين الهند والدول العربية الشقيقة، والمصالح والتاريخ المشترك، ولطريق الحرير الضارب جذوره في عمق التاريخ، الذي أَصل للعلاقات العربية الهندية المتينة والراسخة. وبالتالي حصر القراءة في زاوية ضيقة، عنوانها علاقات الهند بإسرائيل، وزيارة نتنياهو لها في تموز/ يوليو من العام الماضي يشوبها الخلل وعدم التدقيق، دون إغفال هذا الجانب من القراءة. لكن الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والتاريخية لعبت الدور الأهم في زيارة الدولة الهندية.
وتنظر القيادة الفلسطينية لزيارة رئيس الوزراء الهندي بكثير من الارتياح والتقدير، لأنها تأتي في لحظة سياسية حرجة، حيث تتعرض عملية السلام إلى حالة من النكوص والتعثر بسبب الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ ولاستمراء حكومة الإئتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل سياسة الاستيطان الاستعمارية بهدف تبديد خيار التسوية السياسية وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 كون زيارة القائد الهندي الكبير تحمل في ثناياها دعما للحقوق الوطنية الفلسطينية، وتأكيدا وإسنادا وتأييدا واضحا للسلام العادل والممكن والمقبول. وأيضا ما يمكن أن يتمخض عن المحادثات الثنائية بين الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء مودي من حث الهند على لعب دور هام في بناء مظلة أممية لرعاية عملية السلام، بعدما سقطت الرعاية الأميركية في أعقاب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتخفيض مساعداتها ل(الأونروا) وملاحقة قضية اللاجئين الفلسطينيين بالتحريض المرفوض جملة وتفصيلا، بالإضافة لتحريضها على الرئيس عباس والقيادة والشعب الفلسطيني.
زيارة رئيس الوزراء الهندي، زيارة تاريخية هامة، تعول القيادة والشعب الفلسطيني عليها كثيرا في تعزيز وتطوير أواصر الصداقة والتعاون الثنائي المشترك. وقادم الأيام سيكشف عن دلالات الزيارة السياسية والاقتصادية.
العلاقات الفلسطينية الهندية/ بقلم:عمر حلمي الغول

08-02-2018
مشاهدة: 420
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها