حوار/ ولاء رشيد
هي لُحمة فلسطينية لبنانية لطالما تجلَّت بأبهى صورها في الأفراح والأتراح. ورغم كل ما تمر به من مطَّبات، إلا أنك تجدها مع كل تجربةٍ تزداد صلابةً ويشتد عودها. ولعل أفضل من خَبر هذه العلاقة، هو من كان في الجانبين، حاملاً الهويتين جنسيةً وهوىً. ومن هنا كان لنا هذا اللقاء مع عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" جمال قشمر، للوقوف على واقع العلاقة الفلسطينية اللبنانية وسُبُل النهوض بها بحسب تجربته الشخصية.
رغم كونك لبنانياً إلَّا أنَّك حملت الهوى والهم الفلسطيني. فكيف أثَّر عليك حملك لهاتين الهويتَين؟
عرفتُ "فتح" كفكرة على أنها حركة فلسطينية الوجه عربية العمق، تعتبر إسرائيل السرطان في وجه الأمة وأن وجودها في فلسطين قاعدة انطلاق للسيطرة على المنطقة. وخلال قراءتي للأفكار كنت كجنوبي أسمع وأشهد الكثير من الجرائم والمجازر والاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل على لبنان كمجزرة حولة وغيرها. وكانت تتأكَّد هذه الفكرة لدي باليقين ليس فقط على صعيد فلسطين وإنما على صعيد الدول العربية كذلك. فاعتبرتُ الوجود الصهيوني حريقاً ومرض سرطان دبَّ في الجسم الفلسطيني. وكنتُ اعتبر أن القتال ضد إسرائيل ليس فقط سبيلاً لتحرير فلسطين وإنما لمنع تمدُّد إسرائيل. وبهذا المعنى اعتبرت نفسي فلسطينياً ولبنانياً معاً أناضل لتحرير فلسطين من الاحتلال وامنع الاحتلال من التمدُّد للبنان. غير أن أجمل ما في هذه التجربة هو أن انتمائي لتنظيم فلسطيني جعلني أحب لبنان أكثر لأنني عرفتُ معنى أن يكون للإنسان وطن حبيب، خصوصاً حين التقيت بقواعد الفدائيين بأروع رجال وشبان خلقاً وخُلقاً، ممن تركوا شهاداتهم العليا ووظائفهم الكبرى ورغد العيش والأمان والاستقرار وجاؤوا ليقاتلوا من أجل وطنهم فلسطين. فهذه التجربة جعلتني أحب لبنان أكثر لأنَّها علَّمتني أنه مهما بلغت قيمة أي شيء فهو يبقى أقل من قيمة الوطن.
بحكم تجربتك الشخصية، كيف تصف العلاقة الفلسطينية اللبنانية اليوم؟
في الواقع لا يمكن الحديث عن العلاقة الفلسطينية اللبنانية دون الخوض في مستوياتها. فبدايةً هناك المستوى الرسمي بين الدولتَين. وعلى هذا الصعيد كانت العلاقة قد شهدت تحسُّناً وتطوراً ايجابياً من خلال الاعتراف بدولة فلسطين ورفع مستوى التمثيل لسفارة، ولكن هذه العلاقة الرسمية ما زال ينقصها الكثير. أولاً هناك مسألة الحقوق المدنية والاجتماعية لا سيما العمل والتملُّك حيثُ أن هذه المسألة تؤرق المخيمات وتعكس نفسها على الواقع الفلسطيني لأن عدم وجود فرص عمل يؤدي للفقر، وحيثُ يكون الفقر تكون كافة الآفات السياسية والاجتماعية. لذا فالمصلحة اللبنانية الفلسطينية تقتضي حل المسألة بعيداً عن أية اعتبارات داخلية لبنانية. وهناك طبعاً زيارات متعددة قام بها سيادة الرئيس أبو مازن ولقي كل الحفاوة من القيادات الرسمية في لبنان. إضافةً لهذا هناك مستوى آخر من العلاقات مع القوى والأحزاب السياسية في لبنان حيثُ أن مروحة لقاءاتنا وتواصلنا تطال كافة القوى والأحزاب حتى المختلفة في ما بينها وهمُّنا في هذا التواصل أن نكون جسر اتصال ما بين هذه القوى من جهة، وأن نشرح الموقف الفلسطيني في الموضوع الداخلي اللبناني او كل الأمور الفلسطينية داخل وخارج الوطن كالمفاوضات وملف الاسرى والقدس وغيره من جهة ثانية. ولطالما جمعت اللقاءات الطرفين معاً. وهناك المستوى الثالث من العلاقات وهو المستوى الشعبي، وهي علاقة وطيدة وبعيدة الأمد، نعزِّزها دائماً بالدعوات للتواصل بين المكوِّنات الاجتماعية للمخيمات والقرى والمدن المحيطة، لذلك نسمع عن زيارات تقوم بها اللجان الشعبية لفعاليات في مختلف المناطق كي لا تقتصر العلاقة فقط على القيادات. ونعزِّز القيام بأنشطة مشتركة، ولقاءات بين البلدية واللجان الشعبية. وفي هذا السياق نذكر المبادرة التي حصلت بين اخوة لبنانيين وفلسطينيين أطلقوا على جمعيتهم اسم "جمعية التواصل اللبناني الفلسطيني" حيثُ كانت الغاية منها عبر الشراكة ان يكون هناك تواصل واتصال ليس فقط في المناسبات الرسمية بل في المناسبات الاجتماعية ايضاً. ومن هنا فقد كانت اللجنة من وقت لآخر تعزز العلاقات في المخيم او القرى، عبر القيام بواجب العزاء، وإقامة إفطارات شعبية في رمضان.
إلى أي مدى برأيك يُسهم العامل الفلسطيني ايجابياً في دعم استقرار لبنان؟ وكيف تقيم الموقف الفلسطيني في معادلة الحياد الايجابي؟
هناك موقف فلسطيني واضح من التجاذبات اللبنانية الداخلية وهو الحياد الايجابي بمعنى ألا تكون مخيماتنا ممراً او مقراً لأية فتنة تضرب الأمن والاستقرار في لبنان وفي هذا مصلحة مشتركة للبنانيين والفلسطينيين. ذلك أن الأمن والاستقرار في المخيمات وجوارها أمن واحد لا يتجزَّأ. لذلك قلنا نحن ضمن سقف القانون في لبنان ولا نقبل أن نكون شوكة في الخاصرة اللبنانية، وتعرف السلطات المختصة تماماً مدى الجهد الذي بذلناه في التصدي ومحاصرة ومطاردة المجموعات أو الأفراد الذين أخلوا بأمن البلد. كذلك فإن العمل على تعزيز العلاقات على المستويات الثلاثة أمر ضروري لا سيما في ظل التوترات، لأنه يرسل رسالة واضحة للجوار اللبناني بأننا لن نكون في محور من المحاور المتصارعة في لبنان وأن المسألة الطائفية لا مكان لها في الهم الفلسطيني، لأن الفلسطينيين طائفة واحدة فقط هي فلسطين، وبالتالي فموقفهم من أي فئة أو حزب يتوقَّف على موقف هذه القوى والأحزاب من القضية الفلسطينية، وبأننا خارج التجاذبات المذهبية التي يشهدها البلد. غير ان ذلك لا يعني أننا في هذه العلاقة قد بلغنا الأهداف التي نصبو إليها، لأن هناك الكثير من المطلوب على الصعيد الرسمي أو الحزبي. ونحن نعلم أن هناك حوادث حصلت وتكرَّرت في برج البراجنة،كما كادت في لحظة ما أحداث عبرا ان تداهم مخيم عين الحلوة، إلا ان الحرص اللبناني والحكمة الفلسطينية جنَّبا لبنان والمخيمات هذا الحريق الذي نعرف أين يبدأ ولكننا لا نعلم اين ينتهي. وبالتالي فهذه الجهود قائمة مستمرة من اجل تعزيز العلاقات وليس فقط منع التوترات.
برأيك ما هي الأساليب والخطط التي تراها مناسبة لانفتاح المخيم على جواره اللبناني؟
لا يمكننا ان نقول أن المخيمات مقفلة أمام جوارها أو العكس، لأننا في كل مناسبة من مناسباتنا الوطنية الفلسطينية نحرص كلبنانيين على المشاركة في هذه المناسبات. وكفلسطينيين فحين نُدعى لأي مناسبة في المدن أو القرى نشارك ونُلبِّي. كذلك فلا ننسى اللقاءات التي تحصل بين المخيمات وجوارها على مستويات متعددة منها ما له علاقة بالجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية والمطلبية وفي كل ذلك نرى انفتاحاً بين القرى والمخيمات. إلا اننا مدعوون لأكثر من ذلك خاصةً أننا في كل قرية من قرى الجنوب لنا عائلات حملت الهم الفلسطيني وأخلصت وضحَّت في سبيله وقدَّمت الشهداء. وهذا يستدعي تواصلاً فلسطينياً مع هذه العائلات للإطلاع على أوضاعهم وهمومهم ومعالجتها والتواصل معهم. وعلى سبيل المثال، فأنا انتمي لقرية الحلوسية في قضاء صور وهي ككل قرى جبل عامل تشرَّفت بتقديم الشهداء من اجل فلسطين فكان من هذه القرية لحركة "فتح" شهداء ستة هم الشهيدَان الأخوان محمد علي وعبد الله المحمود اللذان استُشهدا دفاعاً عن الثورة في النبعة ببرج حمود، والأخ أحمد حرب الذي استُشهد عام 1982 على جبهة قلعة الشقيف كفر تبنيت. ثمَّ استشهد كل من علي عبد الكريم قشمر وخالد نمر قشمر. وفي عملية خلف خطوط العدو، استُشهد سرحان سرحان ومعه أخوان فلسطينيان من شاتيلا ليمتزج الدم اللبناني والفلسطيني في مواجهة العدو، كما امتزج سابقاً في مواجهات أخرى. وعلى قياس الحلوسية تأتي العديد من القرى والمدن من الجنوب حتى الشمال مروراً ببيروت التي زفَّت عام 1969 الشهيد اللبناني الأول لحركة "فتح" خليل عز الدين الجمل.
من جهة ثانية، فكذلك يمكننا إقامة دورات رياضية مشتركة، ومهرجانات لتكريم أوائل الطلبة من الفلسطينيين واللبنانيين، إضافةً للندوات أو الأمسيات الشعرية كي يشترك فيها شعراء من المخيمات والقرى خاصةً إن هكذا أنشطة موجودة في الجنوب، حيثُ إن هناك حلقات شعرية متنقِّلة بين المناطق وبإمكان الاخوة الفلسطينيين ان يستضيفوها او يشاركوا فيها. وعلاوة على ذلك فلا ننسى التداخل الجغرافي الموجود بين المخيمات والقرى كما في صور. لذا فمن الممكن إقامة حملات تنظيف لشاطئ صور تشارك فيها جمعيات وأندية فلسطينية ولبنانية. وإلى جانب كل ذلك، فهناك أيضاً هموم مشتركة بين المخيمات والقرى في القضايا البيئية ويمكن العمل معاً عبر المؤسَّسات المحلية لحل هذه المشكلات. وبالتالي فخلاصة الأمر إذاً انه إذا كان هناك توجُّه صادق لنسج أفضل العلاقات اللبنانية الفلسطينية، فإننا سنجد أبواباً كثيرة مفتوحة وأخرى يمكن أن نفتحها، ولكن المهم أن يكون الأمر على جدول أعمالنا وان نكون صادقين في هذا التوجه.
هل من كلمة أخيرة ترغب بتوجيهها؟
أملُنا دائماً ان تتكلَّل هذه التضحيات والمسيرة الطويلة بتحقٌّق هدفنا ألا وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين، وحتى ذلك الوقت نحن مدعوون للوفاء لحركة "فتح" وخططها ونهجها وشهدائها وذلك بأن نكون أشداء على الأعداء رحماء في ما بيننا خداماً لشعبنا. وأيضاً حتى يتحقَّق هذا الهدف من حق شعبنا في الشتات أن يعيش عيشة كريمة وأن تجد قضية نهر البارد نهايتها السعيدة بإعادة الإعمار وعودة اهل المخيم إلى مخيمهم. ونحن هنا في لبنان سنبقى اوفياء لهذا البلد الذي احتضننا لاجئين وتحمَّل تَبِعات كفاحنا المسلَّح ولا زال يفتح ذراعيه لنا.
ويبقى في ختام هذا اللقاء أن اوجِّه التحية لكل شهيد سقط من التنظيمات الفلسطينية والأحزاب الوطنية اللبنانية. وهنا اريد ان انوِّه إلى أن الحزب الشيوعي كان يكتب على ضريح شهدائه "استُشهد دفاعاً عن الثورة الفلسطينية وعروبة لبنان". كذلك أوجِّه التحية للمقاومين الذين دحروا الاحتلال الإسرائيلي وأنجزوا النصر عام 2000 لا سيما اخواننا في المقاومة الإسلامية. والتحية لأرواح شهداء جيشنا اللبناني الذين استبسلوا وشاركوا في الدفاع عن هذا الوطن ليؤكِّدوا ان قوة لبنان ليست في ضعفه، وإنما في تضافر كل الجهود وكل الطاقات اللبنانية والفلسطينية التي أثبتت بتعاونها وشراكتها قدرتها على التغلُّب على الفتن الداخلية والمؤامرات الخارجية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها