حوار/ امل خليفة - تحرُّك فلسطيني عاجل ومستمر مع القيادة السورية لما فيه مصلحة شعبنا في مخيمات سورية واتفاقات ستعود بالمصلحة والايجابية على الأوضاع هناك، وتوازن مع بقية مصالحنا في العالم العربي الذي يشهد العديد من التغيرات، والمضي قدماً بتطبيق شعار عدم التدخل بالشؤون الداخلية العربية إلا لتحقيق المصلحة والنفع على القضية واستمرار الوئام والوحدة العربية، لتبقى قضية فلسطين القضية المركزية للعرب خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد المفاوضات النهائية مع الجانب الاسرائيلي. حول هذه الشؤون وأكثر، كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" وموفد الرئيس أبو مازن لسورية عباس زكي "أبو مشعل".
عدم التدخل في شؤون الدول العربية شعار لطالما طبَّقته حركة "فتح" والسلطة الوطنية الفلسطينية، فكيف انعكس ذلك على الفلسيطنيين في سوريا؟
لقد كان لهذه السياسة انعكاس ايجابي على الفلسطينيين، فكان المخيم الفلسطيني يُشكِّل نقطة توحُّد للشعب السوري معارضةً وموالاةً، وكان الجندي السوري يلجأ للمخيم اذا احتاج لشيء يشتريه أو كملاذ للاستراحة، وكذلك المسلَّحون من المعارضة، ولم يكن هناك أية مشاكل، وكنا نفتخر بأن مخيمنا يعالج الفريقَين. وبهذا كان المخيم رمزاً لوحدة الشعب السوري قياساً بموقفنا بعدم التدخل في الشأن الداخلي، ولكن بعد أن تكاثر المسلَّحون داخل المخيم وحوَّلوه لملاذ وقاعدة للقتال، دفعنا ثمناً باهظاً لهذا الموقف الذي أدهشنا، والجيش السوري لم يدخل المخيم وإنما الجيش واجه النيران والطلقات التي خرجت من المخيم، وهذا ما فهمتهُ من الإخوة السوريين ومن الفلسطينيين هناك. وبالتالي، فحينما أصبح المخيم في مرمى النيران كانت الكارثة على شعبنا. وبالفعل خسرنا أربعة مخيمات من الشمال إلى الجنوب. أمَّا عاصمة مخيماتنا "اليرموك"، فلم يبقَ فيه من أصل 250 ألف لاجئ سوى 18 ألفاً. ومنذ ستة أشهر لا يوجد فيه كهرباء، واذا تواجد رغيف الخبز فإن ثمنه يصل إلى 100 ليرة سوري. ومن هنا فإن شدة خطورة الوضع دفعت بالقيادة الفلسطينية للتحرُّك السريع لتلافي الخطر الـمُحدق بمخيماتنا، وهنا كان الحديث مع الاخ الرئيس السوري بشار الأسد، بأن لك مؤسسات قوية وصامدة وهناك أضرار ولكنّك واثق من النصر، وإنما هناك احتمال خطر بأن يتم شطب المخيمات وتتحوَّل إلى أحياء وتُعفى وكالة الأونروا من التزاماتها ويسقط حق العودة، وأنت أكثر المناصرين لحق العودة ورفض التوطين، لذا هذا الأمر يقتضي آلية عمل فلسطينية سورية من أجل الحفاظ على ما تبقَّى من المخيمات، وإعادة من نزحوا منها متى استقر الأمن، وايجاد مأوى آمن للفلسطينيين، لأن السوري يخرج من ضيعة لأخرى، أمَّا الفلسطيني فإلى أين يذهب؟!، إما أن يُلقى به في لبنان التي بها من الفلسطينيين ما يكفي، أو إلى الحدود الأردنية، وهذا الأمر بمنتهى الخطورة، فبعض الناس هربت من الحرب الدائرة عن طريق البحر وهناك أناس أُلقِيَ بهم في السجون سواء أكان في مصر أم في قبرص أم في أماكن أخرى، مما يتطلَّب من القيادة عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية، وفي نفس الوقت عدم ترك شعبنا. ومن هنا كانت الاستجابة من الرئيس السوري وتمَّت احالة الموضوع للجهات الأمنية المختصَّة والاجتماعية والسياسية، وبدأ العمل على قدم وساق لتصويب الأمور وايجاد ممرات انسانية لايصال مواد الغوث لشعبنا في المخيمات واعطاء الفلسطيني الأولوية، وكان التعهُّد قاضياً بإبقاء القضية الفلسطينية القضية المركزية بالرغم من كل الكوارث التي تلحق بسوريا.
ما هي طبيعة المطالب التي حمَلتَها للقيادة السورية حول المخيمات وحول أوضاع الفلسطينيين في سوريا؟
كانت أبرز المطالب التي حملتُها للقيادة السورية ضرورة ايجاد ممرات آمنة للمحاصَرين الفلسطينيين في المخيمات في سوريا ليتمكَّنوا من الخروج وتأمين احتياجاتهم الإنسانية، وكذلك ضرورة المرونة في التفاوض مع المعارضين، حيث أن شبابنا، في المخيم، الذين التزموا الحياد بإمكانهم التفاوض مع المقاتلين المعارضين ليجبروهم على تحييد المخيم عن مرمى النيران أو على الأقل ايجاد منطقة آمنة في المخيم لبقية اللاجئين ولايصال المواد التموينية. من جهة ثانية، فهناك قضية المعتقلين التي يجب بحثها، فكل من حمل السلاح وقتلَ لا بُدَّ من أن يُقدَّم للمحاكمة، فإذا ثبُتَت ادانته يعاقب، واذا لم يثبُت عليه شيء، فلا بُدَّ من إطلاق سراحه. ومن هذا الـمُنطلق، فأنا مقتنع بأن هذه اللقاءات ستحقِّق انفراجات لشعبنا في سورية وعلى صعيد العلاقات مع القيادة السورية، لئلا ننظر لبعضنا البعض نظرة الحقد، وإنما لنرميَ الخلافات وراء ظهورنا وننسى الماضي، وللحفاظ على ما تبقَّى من أبناء شعبنا هناك.
هل ستؤثِّر هذه الزيارة سلباً على علاقتنا مع بقية الدول العربية خصوصاً المُعارِضة للنظام السوري؟
نحن لسنا عبيداً لجهة ما ولا نعمل لحساب جهة ما، بل نحن نعمل لتبقى فلسطين القضية المركزية للدول العربية، ومن أدار ظهره لهذه القضية لا يحق له أن يحاسبنا أو أن يطلب إلينا الذهاب أو عدم الذهاب لطرف ما، فنحن أحرار في توجهاتنا وفي السعي لمصلحة شعبنا وقضيتنا، ولكن دون التدخل في الشؤون العربية الداخلية. وهنا نذكرُ ان الرئيس الراحل أبو عمار كان يُقيم علاقة مُميَّزة مع المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق ومع الاشتراكية الدولية، ويوازن بقية العلاقات مع كل العالم العربي والغربي، وإذا كنا نريد مراعاة من ينزعج منا من الدول العربية فهذا أمر مشين، وليس من الصواب في الثورات وعند الثوار المجاملة على حساب البعد الاستراتيجي وعلى حساب المصلحة العليا للقضية، فنحن أينما تذهب نذهب من أجل مصلحة شعبنا لوضع التسهيلات لهذا الشعب الذي يعاني، ولوضع انفراجات له ليتسنَّى له العيش بكرامة، لا ليبقى شعبنا كضحية تذبح في كل عيد وفي كل حرب ونزوة، وبالتالي قلنا للمسلَّحين في المخيمات بأن هناك مفاوضات، وبأن الأوضاع ستشهد في الأيام القليلة القادمة الانفراج بما يعود بالمصلحة على شعبنا في المخيمات. ولكن هناك أناس ما زالوا يعيشون في الماضي وينظرون لزيارتنا لسوريا على أنها انقلاب، أو قد تعود بالمصائب على شعبنا، وهنا أقول لا، هذه الزيارة كانت مُلحّة وجاءت لتصويب الأوضاع ولتجنيب شعبنا الويلات، وهي تكملة للزيارات السابقة التي قام بها إخوتي من اللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية للمنظمة، ولابقاء العلاقة مع القيادة السورية بصورة طيبة يكون لها الأثر الأفضل لمصلحة الطرفَين. ولكن إن كان هناك طرف عربي أو بلد ما متخاصم مع سوريا، فنحن سنكون الجسر لعودة وترطيب العلاقات مع الأشقاء العرب، فنحن حريصون على وحدة وجمع كل العرب معاً من أجل قضيتنا، ونحن دائماً ضد العدوان الخارجي، ومع وقف الحرب والتدمير، وقناعتنا بأن الحوار الداخلي والديمقراطي هو الحل الأنسب والأفضل في أي خلاف.
هل وصلت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لطريق مسدود أم أنَّ الفرصة ما زالت سانحة لتحقيق السلام؟
نحن أعطينا فرصة للمفاوضات حتى تسعة أشهر، وكما تم الاتفاق عليه مع الجميع من أطراف عربية ودولية، لذا يجب الانتظار ولا يجب استباق النتائج والحكم قبل انتهاء هذه المدة سواء أكان بالسلب أم بالايجاب. فنحن نفاوض الآن الولايات المتحدة الأمريكية التي طلبت مهلة تسعة أشهر، وهي القادرة على إلزام إسرائيل بالنتائج. وحتى نصل إلى نهاية هذه المدة، أي في شهر آذار القادم، فحينها فقط يمكننا أن نعلن بشكل صريح عن نتائج هذه المفاوضات وعن الخطوات اللاحقة التي يُمكننا اتخاذها في المستقبل في حال وصلنا لطريق مسدود، وبدون انتظار. أمَّا اذا وصلنا إلى طريق مفتوح وإلى نتائج ايجابية، فسوف تكون المفاوضات مستمرةً باعتبارها مفاوضات الجلاء وانتهاء الاحتلال، وضمن جدول زمني معلوم ومتفَّق عليه. وبهذا نكون بوضع أفضل لأننا نكون قد أعطينا للسلام الوقت الكافي وأقصى مدى من الوقت المطلوب، ولا يمكن لأحد أن يطلب إلينا إعطاء المزيد من الوقت للتفاوض. فالعرب يقولون بأن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ستكون ضمن الأراضي التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية، ولا ننسى أن 138 دولة في العالم أيَّدت هذا وهي في صفنا، لذا فالطريق الآن مفتوح لنا لدخول كل المنظمات الدولية، وكذلك نكون قد كسبنا غطاءً دولياً قوياً، سيؤيِّدنا في أي توجُّه نراه مناسباً لقضيتنا. وفي الأمس نوَّهت روسيا لضرورة توسعة الرباعية الدولية التي ترعى وتهتم بالسلام في المنطقة، لذا فالوضع جيد بالنسبة لنا ولا بُدَّ من الاستمرار بالتفاؤل، وبإذن الله سوف تفشل جهود هذه الحكومة الاسرائيلية المتطرِّفة وهؤلاء القطعان من المستوطنين. وحالياً يشهد العالم بأن هؤلاء المستوطنين هم الإرهابيون وبأننا نحن أصحاب القضية العادلة، والآن الهجرة العكسية بدأت في إسرائيل، ولم تعد إسرائيل هي واحة الديمقراطية كما كانت تزعم وترسم، ولم تعد هي الضحية كما كانت تضع نفسها دائما أمام دول العالم، وكل ما يجري الآن في إسرائيل هو سياسة عض الأصابع وسوف يصرخون لخسارتهم ولو بعد حين.
فيما يخص المصالحة، ما الجديد خصوصاً مع هذه التغيُّرات التي حصلت في عالمنا العربي؟
الكل يعلم بأننا نحن القيادة الشرعية لهذا الشعب ونحن المسؤولون عن كل الشعب بالرغم من كل اختلافاته وتوجهاته، ونحن المعنيون بوحدة الشعب ووحدة الجغرافيا الفلسطينية، ونحن حريصون على حماس كجزء من هذا الشعب، ولكننا نقول لهم لقد آن الأوان لأن تدركوا بأن زعامة الإخوان المسلمين للمنطقة برعاية أمريكية قد ولَّت وسقطت كما هو الحال في مصر وغيرها من الدول العربية الأخرى، ولن يكون لها مستقبل، وهنا أناشد الإخوة في حماس أن يعودوا إلى حركة التحرر الوطني الفلسطيني وإلى المربع الفلسطيني، وسوف نساعدهم للعودة للمنطقة العربية، ومن يقاتل ويناضل من أجل قضية وطنية لشعبه لن يستطيع أحد أن يقف في وجهه، ولكن من يناضل من أجل أي أيدولوجية خارجية ومن أجل أجندة اقليمية لن يحقِّق شيئاً، ولن يُحقِّق المعجزة في إقامة الخلافة لا الآن ولا في المستقبل، وهذا أمر في منتهى الخطورة، ويخدم ويلتقي مع الأهداف الصهيونية. ومن هنا أتمنَّى على الإخوة في حماس أن يُلقوا ويتركوا خطة الإخوان المسلمين لأي طرف آخر ولأي بلد آخر أرضه غير مُحتلَّة، فنحن لسنا ضد الإسلام، ولكن موضوع فلسطين له الأولوية وكما طلبت "فتح" من كافة أعضائها تجميد انتماءاتهم السابقة من اليسار إلى اليمين لحين تحقيق الاستقلال والتحرير وإقامة الدولة الفلسطينية- وحماس تدرك هذا، وجزء كبير من حماس كان معنا في "فتح"- أطلب إلى حماس أن يعودوا إلى رشدهم وأن يتخلوا عن الإسلام الدولي من أجل حركة التحرر الوطني، ومن أجل فلسطين، وعندها سنناضل كلنا معاً ونفرض المعادلة على الكل، والأخ أبو مازن في الفترة القريبة الماضية، وجَّه كلاماً صريحاً لحماس وبإيجابية، وكذلك عندما زار مصر التي كانت تشهد توتراً كبيراً ضد حماس طلب إلى الإخوة المصريين إبقاء ملف المصالحة في الأولويات للإسراع برأب الصدع الفلسطيني، لاستخدام سلاح الوحدة في وجه اسرائيل، وهذا الأمر يُناقَش من قِبَل القيادة الفلسطينية أينما ذهبت. لذلك فمن الأجدى لحماس العودة ومن خلال صندوق الاقتراع، لكي نضع الأولويات الفلسطينية سويةً، ولكي نؤجِّل خلافاتنا. فهل نختلف نحن مع حماس على أن القدس عاصمة لدولتنا أو أن الاستيطان سرطان ينهش في أرضنا؟!. لذلك فيجب تحييد القضايا الخلافية الآن وتقديم الأولويات والقضايا التي نتَّفق عليها لحين دحر الاحتلال وزواله عن أرضنا، ويجب تجنُّب اتهام بعضنا البعض والتنابذ بالألقاب. ففي الأمس، كانوا يقولون "معسكر منبطِح" و"معسكر مقاوم". أمَّا الآن، وبعد الحرب الأخيرة على غزة وبعد أن تم عقدُ اتفاق ظالم وتم الاتفاق على ايقاف كل الاجراءات العدوانية ضد اسرائيل- وهذا ما تم الاتفاق عليه في عهد الرئيس السابق مرسي- فقد آن الأوان لحماس أن تعيَ أن مدَّ يدنا لهم هو انقاذ لهم ولإنقاذ الوضع الفلسطيني. فأبوابنا مفتوحة وقلوبنا مفتوحة والقيادة الفلسطينية لا تحمل الحقد على أحد من الشعب الفلسطيني، وآن الأوان لنُعيد النظر ولا نجتهد على حساب الوطن، فكل فلسطيني يحمل السلاح في وجه العدو هو انتصار لفكر حركة "فتح" باعتبار "فتح" مدرسة انتصار المقاومة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها