حـوار/ امـل خليفة - رام اللـه - فلسطـين
"أنبل وأعظم ما في هذا الشعب هو الوجود الفلسطيني في لبنان. هذا الوجود الذي حمل في وجدانه الهوية والمفتاح والألم على الفراق والإصرار على حق العودة. هو هذا الشعب الذي يعيش ظروفاً قاسيةً وقيوداً قاهرةً ولكنَّه ما زال مؤمناً بعدالة قضيته، وما زال جاهزاً لتأدية واجبه والتضحية من أجل هذه القضية.. فطوبى لكل الفلسطينيين. ورغم أنني تجوَّلت في كل أنحاء العالم، لكن قلبي لم يخفِق في مكان كما خفق ويخفق عندما يذكر الوجود الفلسطيني في لبنان". بهذه الكلمات استهلَّ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب حديثه للـ"قدس"، خلال لقائنا معه للوقوف على آخر تطورات الوضع السياسي الفلسطيني ومكتسبات منظمة التحرير الفلسطينية من اتفاق أوسلو وحقيقة ما يجري في المفاوضات.
س: بدايةً، كيف تُقيِّمون المكتسبات السياسية لـمنظمة التحرير الفلسطينية بعد مرور 20 عاماً على اتفاقية أوسلو؟
نحن لا نستطيع أن نُخرِج أوسلو من السياق التاريخي والظروف الموضوعية التي فرضت نفسها على القائد الخالد الرئيس أبو عمار، الذي كان مسكوناً بفكرة الدولة والهوية والاستقلال إضافة إلى انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار العالم ذي القطبَين. فكل تلك المتغيِّرات خلقت ظروفاً اقتضت أن يكون التعامل الفلسطيني مع العالم بشكل مختلف وفيه شيء من التجديد. وفي أوسلو حقَّقنا شيئاً واحداً ألا وهو الاعتراف والإقرار بوجود شريك فلسطيني كأحد اللاعبين الإقليميين وذلك بعد أن كان الشريك الفلسطيني منفيَّاً في وعي الأمريكان. ولكنَّ اليمين الإسرائيلي اغتال رابين لأنه اعترف بنا وأمسك بزمام الأمور، وبعد ذلك بدأ اليمين يقتل أسلو ويدمِّر الشريك الفلسطيني. وهنا لا بدَّ من إيضاح نقطة هامة وهي أننا كفلسطينيين علينا ألَّا نبقى أسرى للماضي، بل يجب أن نعيش الحاضر، ونبني لشعبنا مستقبلاً، ولكنَّ بناء هذا المستقبل مرهون بقدرتنا على الصمود وإبقاء الدولة الفلسطينية حية وناشطة إزاء برنامج شعبنا وعلى عمقنا الإقليمي والدولي، وهذا لن يتأتَّى، ما لم تتحقَّق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وحدةً للأرض والشعب والقضية والقيادة، وببرنامج سياسي له علاقة واعتراف بقرارات الشرعية الدولية. ومن هنا فجُهدنا في هذا الاتجاه لن يتوقَّف، والتطورات الإقليمية حولنا تُحتِّم على إخواننا في حماس المراجعة كي يتسنَّى لهم أن يكونوا معنا في نفس القائمة. لذا فالكرة الآن موجودة في ساحة أخواننا في حماس، وأوسلو باتت من الماضي، وعلينا اليوم أن نفكِّر في كيفية توفير أسباب الصمود لشعبنا وأسباب بقاء شعبنا على أرضه واستمراره بالنضال والتصدي واستكمال بناء مؤسَّساته على أُسُس وطنية لئلا تتلاشى الدولة الفلسطينية عن جدول أعمال العالم.
س: في ظلِّ استمرار وتيرة الاستيطان وتصاعدها إضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية من قمع وتنكيل وتهويد وخلق أمر واقع، هل مازالت فكرة الدولتيَن قائمة؟
الدولة الفلسطينية المستقلة عنصر واجب الوجود في هذا الصراع رغماً عن هذا الاحتلال الذي لن يستمتع بالأمن والأمان والاستقرار والسلام ما لم تقُم هذه الدولة، ولن يستمتع بالاعتراف والتطبيع وبالوجود على بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة بموجب القرارات الدولية التي تؤكِّد بأن استيطانه غير شرعي. فالدولة الفلسطينية هي الحل الوحيد للجميع في هذه المنطقة، ولأنها أشبه ما يكون بشيفرة جينية مُختزنة لدى كافة الفلسطينيين، فالإسرائيليون يسعون لفكرة قتلها من خلال تهويد القدس، قلب الدولة الفلسطينية، وتكثيف الاستيطان وشق الطرق الالتفافية وما يسمونها بالأمنية، والحصار وخنق الناس للبحث عن حل إقليمي بالشراكة مع الأردن أو مع مصر ولكن ذلك كلام مرفوض. فنحن متمسِّكون بخيار الدولة الفلسطينية المستقلة، وضرورة حل الصراع من خلال الشرعية الدولية. وفي الوقت نفسه فنحن نواجه حكومةً إسرائيليةً فاشيةً ونازيةً تُمارِس ما كانت الحكومات الفاشية تمارسُه ضد اليهود في أربعينيات القرن الماضي، ولكنَّ إسرائيل تعي تماما أنها تعيش الآن في عُزلة عالمياً وفي حصار سياسي ومأزق يشكِّل كيّاً لوعي المواطن الإسرائيلي، الذي بدأ يُشكِّك في إمكانية قدرته على الحياة على رؤوس الحراب وعلى الرؤوس النووية وبالقوة على أراضٍ ليست له، وعلى حساب شعب أصبح العالم يعترف بوجوده ويعترف بحقه في تقرير مصيره، وأصبح لاعباً مُهمَّاً بقدرته وقوته على إدارة هذا الصراع من خلال احترامه لقرارات الشرعية الدولية، وفهمه لمصالح العالم والاستقرار الإقليمي والدولي، وأيضا لتنكُّر الطرف الآخر لذلك، واستمراره بالعدوان على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية. لذلك، فهذه التطورات جاءت لصالحنا ولصالح قضيتنا. ولهذا فنحن نبني عليها ونتطلَّع لاستمرار حصار هذا الاحتلال وتعريته أمام العالم، لأنه يمثِّل الخطر على الاستقرار الإقليمي، وعلى السلم العالمي والمصالح الدولية، وهو من ينتهك القوانين والحقوق والقيم الدولية التي تُعتبَر من المسلَّمات في هذا القرن الذي نعيشه.
س: هل تعتقدون أن المفاوضات الجارية الآن مع الطرف الإسرائيلي وبرعاية أمريكية، من الممكن أن تقود لقيام دولة فلسطينية وأن تكون مقدِّمةً لإنهاء الصراع؟
للأسف هذه المفاوضات هي ملهاة يستخدمها الجانب الأمريكي لتضليل الرأي العام العربي والدولي، وهي تخدم الإسرائيليين لكسب الوقت، وهي من جانب آخر تُعتَبر محطة الاختبار الأخيرة للحكومة الإسرائيلية وآخر محطة اختبار للوساطة الأمريكية. وبرأيي علينا توظيف هذه المفاوضات لكشف وفضح الجانب الإسرائيلي أمام العالم وأمام الجانب الأمريكي الذي عليه أن يقرِّر إذا ما كان الأمريكان يرغبون بحماية الإسرائيليين في حدود العام 67، أم بحماية إسرائيل في عدوانها واستيطانها وتنكُّرها للقرارات وللشرعية الدولية. لذا فالمفاوضات تمثِّل حالياً مِحكَّاً لاختبار الجانب الأمريكي، ووسيلةً لكسب تضامن دول العالم مع قضيتنا وتجنيدها لتقديم المزيد من الدعم لقضيتنا ولمحاصرة إسرائيل واختبار مدى صدق الجانب الأمريكي، في نفس الوقت.
س: ما هو البرنامج الذي تعمل عليه حركة "فتح" لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة؟
نحن نعمل ضمن مجموعة من المحاور، أولها استنهاض حركة "فتح" وتوفير كافة أسباب القوة والوحدة والتماسك والقدرة على إبقاء "فتح" مصمِّمةً للإيقاع التنظيمي النضالي الوطني السياسي المقاوم للشعب الفلسطيني، وما زلنا مقتنعين بأن حركة "فتح" ضرورة ومصلحة لانجاز مشروع التحرُّر ومشروع الدولة. أمَّا المحور الثاني في البرنامج، فيكمن في مواصلة الجهد لانجاز الوحدة الوطنية على أرضية برنامج سياسي موحَّد. ومن هنا نأمل من إخواننا في حماس أن يستخلصوا العبر، وأن يعلنوا عن فك ارتباطهم بحركة الإخوان المسلمين العالمية التي لها أهدافها ومشاريعها. فخصوصية الشعب الفلسطيني تُحتِّم على كل القوى السياسية أن تُبقيَ بوصلتها متَّجهة نحو القدس والهوية والوطن. وبالتالي، فإذا أعلنت حماس عن فك هذا الارتباط مع الإخوان المسلمين، وأقرَّت بفكرة الهوية الوطنية الفلسطينية، وأن صراعنا مع الاحتلال هو صراع وطني يحتاج لكل الجهود والقوى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وإلى الكل الفلسطيني علمانيين ومسيحيين ومسلمين، فعندها فقط سيكون هناك مجال للوحدة، التي ستكون الشراكة فيها معبِّرة عن موازين القوى ومن خلال صندوق الاقتراع. وبالنسبة للمحور الثالث للبرنامج، فهو يتمثَّل بمواصلة بذل الجهود في كل المنابر الدولية لمحاصرة إسرائيل ومحاصرة الاحتلال والعدوان. ولـمَّـا كان الاستيطان نقطة التصادم بالنسبة لنا وللعالم، فنحن سنعتبره عنوان قضيتنا للمعركة القادمة، ونحن ماضون باتجاه جميع المؤسَّسات الدولية حتى نصل إلى محكمة الجنايات الدولية. وأخيراً، يبقى المحور الرابع من برنامج الحركة لتعزيز صمود شعبنا وهو البدء بحوار جدي وفعلي وجذري لتفعيل المقاومة الشعبية بكل أشكالها، وبما يضمن وجود درجة عالية من الشمول الجغرافي والسياسي والاجتماعي لكل الشعب الفلسطيني ليتوَّج بضرورة فك كافة العلاقات بيننا وبين هذا الاحتلال.
س: بالرغم من كثرة اللقاءات وتعدُّد الاتفاقات إلا أن المصالحة لم تتحقَّق بعد، فلماذا؟
لا يوجد وحدة قيادة لدى حماس ولا وحدة موقف بالرغم من وجود أناس صادقين فيها يريدون تحقيق المصالحة الوطنية. فرغم وجود اتجاه وطني في حماس، ولكنه للأسف ليس الاتجاه الغالب فيها. وهنا لا بدَّ من أن أُنوِّه إلى أنه لا يجوز لحماس الاستمرار في لعبها على جميع الحبال مرة مع سوريا ومرة ضد سوريا. فالذي حصل بين حماس والرئيس مرسي ومصر لا يجوز وترفضه "فتح" كلياً، لأنَّنا لسنا طرفاً في مصر ولا علاقة لفلسطين بالشأن الداخلي المصري. فمصر قادرة والشعب المصري قادر على اختيار ممثليه وقادر على اختيار رئيسه ونحن نحترم خيارهم مهما كان. ولكنَّ حماس أخطأت وأخطأت وأخطأت وعليها الاعتذار لمصر إذا كان ما قيل عنهم من قِبَل المصريين حقيقةً وواقعاً، ولا يجوز أن تبقى حماس تتهم فتح بأنها تحرِض المصريين ضدهم. فمصر دولة وشقيقة كبرى لها من المؤسَّسات والأجهزة والجيش والمخابرات، وهم أدرى بمن يلعب في ساحتهم، وهنا أنصح جماعة حماس والناطقين باسمها بالكف عن هذه المهاترات والاختلاقات ضد "فتح". كذلك فعلى الجميع ألَّا ينسوا أن مشكلتنا مع الاحتلال والاستيطان والعدوان ضد شعبنا، وأنه ينبغي علينا عدم التدخُّل في شؤون الدول العربية. ولكننا نتمنَّى الاستقرار والسلام لجميع شعوب المنطقة، ونحن نتألم لما يجري في سوريا ونتألم لعذابات الشعب السوري الشقيق والشعب المصري، وللضغوطات التي يتعرَّض لها الجيش المصري العظيم، لأنَّه بقدر ما تستمر هذه الفوضى، فإنها تصب لصالح الاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي، فلا يجب أن نكون طرفاً في ذلك. لذا أكرر وأقول لإخواننا في حماس بأنه عليكم أن تقرِّروا ماهية معركتكم والأطراف التي ستخوضونها معهم وضدهم. فمعركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال وهي معركة حرية واستقلال وليست معركة لها علاقة بنشر الدين. ونحن مسلمون محافظون ولا نريد مجموعة مرتزقة لكي يعلِّموا الشعب الفلسطيني كيف يناضل ويجاهد. لذلك فعلى حماس مراجعة نفسها، وأؤكِّد أنَّها ستجد حركة "فتح" ملاقية لها في الطريق. ففتح جاهزة لأن تكون جسراً للشرعية الإقليمية والدولية وعلى أرضية برنامج سياسي نضالي مرتبط بقرارات الشرعية الدولية وبالتزامات منظمة التحرير باتجاه الاستقرار الإقليمي والسلم الدولي، وأيضا تعبيراً عن صندوق الاقتراع، وكفى كفى كفى لهذا الانقسام والانقلاب الذي كان عاراً، ليس أكبر منه إلا العمل على تكريسه. فالمشكلة عند حماس وليست عندنا، لأنَّ قرارات "فتح" وإرادتها مستقلَّة وآمل أن تعي حماس ذلك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها