حوار: امل خليفة- رام الله/ فلسطين- جاءت زيارة وفد المجلس الثوري لحركة "فتح" لقطاع غزة في ظل ظروف فلسطينية هامة. فالمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي بدأت بعد توقف دام أكثر من ثلاث سنوات عانت خلالها السلطة الأمرّين من حصار وقطع للدعم الاقتصادي، إلى ضغوطات ومطالبات عربية ودولية بالعودة للتفاوض، إضافة إلى الانقسام الفلسطيني الذي مازال قائماً ولم تُحل عُقَده وملفاته حتى الآن، ناهيك عن استحقاقات الانتخابات وتجديد الشرعية للمؤسسات السياسية الفلسطينية. كل هذه المواضيع والقضايا تمر على فلسطين والمنطقة العربية تعصف بها الثورات والفوضى والتغيُّرات التي لم نسلم من تداعياتها. حول هذه الظروف والتغيرات الحاصلة في المنطقة العربية وتأثيراتها على الوضع الفلسطيني كان لنا هذا الحوار مع أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح"، رئيس الوفد الذي توجَّه لقطاع غزة مؤخَّراً أمين مقبول.

 

في أي إطار كانت الزيارة الأخيرة التي قمتم بها إلى قطاع غزة وما هي فحوى هذه الزيارة؟

جاءت زيارة غزة من قِبَل عدد من أعضاء المجلس الثوري في إطار الزيارات المتكرِّرة لتأكيد وحدة الوطن الفلسطيني والشعب رغم الانقسام والانفصال الحاصل، وفي سياق هذه الزيارة طلب الرئيس أبو مازن من الوفد في حال حصول لقاء مع حماس أن نبحث معهم موضوع إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، حتى نخترق الجمود الحاصل في جهود المصالحة، والتسويف الحاصل في اللقاءات التي كان من المفترض أن تتم في الأشهر الثلاثة الماضية، وفعلاً تم طرح هذه الفكرة على حماس ولكنهم لم يتجاوبوا معها، وتحدَّثوا عن ضرورة أن يتم تطبيق كل الملفات مع بعض ودفعة واحدة. كذلك فقبل 14/5/2013 أُجِّلت عدة لقاءات لأشهر طويلة، وبعد مرور ثلاثة أشهر كان يفترض انجاز ملف الحكومة والانتخابات خلالها لم يتم انجاز شيء. لذا فلا بد من التفكير سوياً لكي نخطو خطوة إلى الأمام. فالانتخابات هي حق للشعب الفلسطيني ولا يجوز لأحد أن يرهن هذا الاستحقاق الديمقراطي. ومن هنا فقد توجَّهنا لحماس لانجاز ملف الانتخابات إلا أن الإجابة جاءتنا من عضو المكتب السياسي لحماس عماد العلمي بأن الملفات كلها يجب أن تنجز معاً، ما أدى لتجميد الوضع نظراً لصعوبة تطبيق وحل كل الملفات دفعة واحدة.

 

ما الاقتراحات والحلول المطروحة للخروج من مأزق الانقسام، خصوصاً أن هناك ضغوطات عربية ودولية على السلطة الفلسطينية نتيجة الوضع القائم؟

نحن في حركة "فتح" نسعى من أجل مخرج وطني لهذا الانقسام الحاصل، ونسعى للذهاب لانتخابات ديمقراطية في القدس والقطاع والضفة بمشاركة كل القوى والفصائل، لكن للأسف فحتى الآن يبدو أن حماس تربط أي تقدَّم في ملف المصالحة بالتطورات الإقليمية. أمَّا نحن، فنعتبر ملف المصالحة الوطنية مصلحة فلسطينية عُليا للشعب الفلسطيني وشأناً فلسطينياً داخلياً، وبالتالي فلا يجوز لأيّ كان أن يربط هذا الملف بأي أحداث تجري في أي دولة أخرى، أو بقصة المفاوضات، لأن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي توقَّفت لمدة ثلاث سنوات لم نرَ خلالها أي تحرُّك في ملف المصالحة، ولم نرَ حماس مهتمةً بإنهاء الانقسام الذي بدأته في غزة منذ سنوات.

 

ما الملفات التي لا تزال عالقة وتعتبرها حماس غير محلولة؟

نحن لدينا خمسة ملفات هي ملف "م.ت.ف" وهذا يُحَلُّ بالانتخابات وكذلك من خلال المجلس الوطني، وملف المؤسَّسات الذي يجب أن يُحَلَّ بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس أبو مازن وحسب الاتفاق الأخير الذي تم مع حماس، وملف الحريات العامة يُحَلُّ بإنهاء الانقسام، وكذلك فبقية الملفات يمكن أن تُحلَّ بالتدريج ومع الوقت وبعد تهيئة الأوضاع وإجراء الانتخابات وتشكيل مجلس وطني ومجلس تشريعي جديدَين بالانتخاب، ولكن حماس تتهرَّب من المصالحة وفي كل مرة نقترب من استحقاق المصالحة تتذرَّع بأمور واهية كالاعتقالات، علماً بأن الاعتقالات لكوادر حركة "فتح" في غزة ما زالت مستمرة، وهي عشرة أضعاف ما يتم في الضفة، وبالتالي فمن الجلي بأن حماس غير معنية بالمصالحة.

 

التغيرات الإقليمية لم تكن في صالح حماس، خاصةً أنَّها خسرت رهاناتها على دول الإقليم. فإلى متى ستبقى المصالحة مرتهنة لقرار حماس؟

نحن نرى ونعي جيداً المأزق الذي تعيشه حماس الآن، ونتابع وضعها الداخلي. وبالنسبة لمأزق العلاقة مع مصر وسوريا وحزب الله وإيران وحتى مأزق العلاقة مع دول الخليج، فـ"فتح" لن تستغل أو تشمت بما يحصل، بل نحن سنبقى نسعى لمصالحة وطنية تضم الجميع وتفيد قضية الشعب الفلسطيني بعيداً عن المكاسب الحزبية. لذا عندما توجهنا لحماس بدعوتهم لعقد الانتخابات كان ذلك بمثابة تقديم طوق نجاة لهم للخروج من الجمود والمأزق الذي يعيشونه الآن، وكذلك للدخول في النظام السياسي الفلسطيني الكفيل باخراجهم من كل هذه الأزمات، ولكن حماس للأسف مازالت تكابر وتتهرَّب من الاستحقاقات الوطنية للشعب الفلسطيني، وما زالت ترتهن قطاع غزة وتربطه بأجندة إقليمية خارجية. في المقابل، فنحن قدَّمنا كل ما يمكن تقديمه ولا يمكن أن نرهن الاستحقاقات الوطنية لشعبنا بتنظيم، ولا بدَّ أن نبحث الآن عن وسيلة لعقد الانتخابات في القدس والضفة والقطاع، وبمشاركة الجميع. ولكن إذا رفضت حماس ذلك، فسنضطر لإجراء الانتخابات في الضفة والقدس وفي غزة لاختيار وانتخاب ممثلين للشعب الفلسطيني بطريقة وآلية تضمن تمثيل غزة في هذه الانتخابات، ولكن حتى الآن لم يتم حسم هذه الآلية.

 

إلى أين وصلت المفاوضات الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي؟ ولماذا عُدنا للتفاوض؟

لا يخفى على أحد بأن العودة للمفاوضات هي مطالبة دولية وعربية دون استثناء، ومن الأصدقاء من العرب والروس والاتحاد الأوروبي والصين واليابان وغيرها. وطوال الفترة الماضية كانت هناك ضغوط هائلة على السلطة وعلى الرئيس أبو مازن للعودة للمفاوضات وفي كل مرة كنا نوضّح موقفنا مراراً وتكراراً بأننا جرَّبنا التفاوض مع الجانب الإسرائيلي والعودة للتفاوض دون توضيح مرجعيات واضحة للتفاوض لن تُجدي نفعاً، وهذا الحديث تم خلال ثلاث سنوات ماضية إضافة للأشهر الأخيرة الماضية التي قضاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في جولاته المكوكية في المنطقة. وفي النهاية كانت المحصلة العربية والدولية تقضي بالذهاب للتفاوض ضمن مدة محدودة هي تسعة أشهر. وإذا أردنا إخضاع الموضوع لحسبة المكاسب والخسائر والمعادلات الدولية، فإن عدم ذهابنا سيجلب لنا عداء الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والكثير من دول العالم، وسيترتب على ذلك أنه في حالة توجَّهنا للمؤسسات الدولية وحسب الخطة الإستراتيجية التي وضعتها السلطة الفلسطينية في حال فشل المفاوضات، فإننا لن نحصل على الدعم الدولي كما حصل في المرات السابقة، بل سيتم توجيه اللوم لنا لأننا لم نذهب ولم نعطِ فرصة للتفاوض وللسلام، وسيكون هناك مبرِّر لأمريكا ولدول الاتحاد الأوروبي لشن حرب سياسية علينا، إضافةً للتلويح بقطع المعونات والدعم، وتحريض بقية العالم ضدنا. ولكن الخسائر ستكون أقل في حال ذهابنا للتفاوض، لأن العالم كله سيرى أننا صادقون وجادون في التوصُّل للسلام، وبأن حكومة نتنياهو لن تقدِّم شيئاً جديداً لنا. فالاستفزازات الإسرائيلية ما زالت مستمرة لجهة مواصلة الاستيطان رغم أن الإدارة الأمريكية اعتبرته عملاً غير شرعي لا يخدم حل الدولتَين وأشارت إلى أن التفاوض سيتم على أساس حدود العام 67، إلا أن إسرائيل ترفض حتى الآن جلوس الوفد الأمريكي والمشاركة في جلسات التفاوض. ومن هنا فصحيح أن الذهاب للمفاوضات سيُعرِّضنا للانتقادات والملاحظات من شعبنا ومن جهات وطنية صادقة ومن جهات مزاودة فقط أيضاً، ولكن الاستيطان مستمر سواء ذهبنا أو لم نذهب، وهنا لا يمكن أن نعتبر المفاوضات مظلة للاستيطان، لذا فالمطلوب من القوى الوطنية أن تصعّد المقاومة الشعبية ضد الاستيطان وتقوم بفعل قوي وواضح على الأرض لا أن تقصر رد فعلها فقط على التنديد بالاستيطان وبالمفاوضات.

 

ما القضايا التي سيتم طرحها في المفاوضات الجارية الآن مع الجانب الإسرائيلي؟

كل القضايا سيتم طرحها في التفاوض بما فيها قضايا الحدود والقدس واللاجئين والأمن والمياه والمستوطنات، وهذه القضايا مثبَّتة ومطروحة في جدول أعمال المفاوضات، ولكن حسب الاتفاق يجب التكتم على نتائج التفاوض الآن، وذلك لوجود استحقاقات لدينا مثل إطلاق سراح الأسرى والدعم المالي والحلول الاقتصادية والمشاريع القادمة، وكل هذه الأمور تلزمنا بعدم الحديث عن نتائج المفاوضات الآن، لأن الحديث عنها للإعلام قد يعود بالضرر على بقية الملفات. فلو أعلنا بأن المفاوضات الآن لم تحقق النتائج المرجوة منها وأنها سلبية، فسوف تتصاعد الأصوات المزايدة لوقف المفاوضات وسيتم الضغط علينا وستتم مطالبتنا بالتوقُّف عن التفاوض، ونحن لسنا معنيين بوقف التفاوض قبل إطلاق سراح بعض الأسرى وخصوصاً القدامى منهم، وقبل تحقيق بعض المكاسب السياسية الأخرى والاقتصادية. ومن جانب آخر، فإذا أعلنّا بأن نتائج التفاوض ايجابية وتم تحقيق تقدم ما وأن التفاوض قد حقَّق الكثير من الأمور لصالحنا أو حتى  في بعض القضايا، فسيؤدي ذلك للتظاهر من قبل الجانب الإسرائيلي ضد حكومتهم لوقف هذه المفاوضات. وبالتالي ليس من مصلحتنا الآن وقف التفاوض أو الإعلان عن نتائجه وخصوصاً في بداية الأشهر الأولى، ولكن في اللحظة التي ترى فيها القيادة الفلسطينية بأن الإعلان سوف يعود بالنفع علينا سواء أكان للاستمرار أم لترك المفاوضات، لن نتردَّد في ذلك وسنوضّح الأسباب، ونقول للجميع الآن ليس وقت الحكم على التفاوض وإنما الحكم سيكون على النتائج.

 

كيف ترى المشهد العربي حولنا وما هي تداعياته على الوضع الفلسطيني؟

الوضع الإقليمي وخاصة العربي والتغيُّرات التي حصلت في العالم العربي أثَّرت كثيراً على الوضع الفلسطيني بشكل سلبي. فانشغال معظم الدول العربية في حل مشاكلها الداخلية كان من المفروض أن يجعل القضية الفلسطينية في آخر اهتمامات هذه الدول وأن يجعلها منسية ومُهمَلة، ولكن رغم كل هذا العصف الذي أصاب العالم فمن الجيد أننا ما زلنا قادرين على تثبيت قضيتنا في المقدمة وفي الأولويات للعالم حولنا، وذلك بفضل حنكة وحكمة القيادة السياسية الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن الذي نشهد له بذلك، حيثُ أنها أبقت قضيتنا حية وفي سلم أولويات اهتمام الدول. كذلك فأحد الأسباب التي جعلتنا نذهب للتفاوض هي تلك الظروف العربية التي يشهدها عالمنا العربي الآن، وكان من الممكن في حال رفضنا الذهاب للمفاوضات أن يقوم العالم بإهمال قضيتنا وعدم الاكتراث بنا لحين انتهاء الفوضى والتغيرات والثورات التي تجتاح المنطقة العربية، خاصةً أننا نفتقد للفعل الذاتي. فمن جهة نحن لم نستطع حتى الآن تحقيق الوحدة والمصالحة وإنهاء الانقسام، ومن جهة أخرى المقاومة الشعبية ضد الاستيطان لم تصل للحد الذي يُمكِّنها من لفت انتباه العالم لنا. ولهذا فقول لا للمفاوضات في هذا الوقت سيكون من الأسباب التي تدعو العالم لتأجيل ونسيان قضيتنا، إذ إنه أمام هذا العصف الذي يجري في العالم حولنا لا بد لنا من إثارة عاصفة أقوى لجلب أنظار العالم لنا وإبقاء قضيتنا حية وموجودة.

 

كيف تصف اهتمام حركة "فتح" بأوضاع ومتطلّبات أهلنا وشعبنا المتواجد في لبنان؟ وهل هو جهد كافٍ؟

في الشق الأول، فالكل يتعامل مع "فتح" على أنها السلطة والحكومة والوزارات والمال وكل شيء، ولكن في الحقيقة هي ليست كذلك. فنحن كفتح كنا نعاني من الحكومة السابقة أي "حكومة سلام فياض" حيثُ أنه لم يكن لنا دور في رسم السياسات المالية والاقتصادية ولا حتى السياسات الإدارية للحكومة باعتبارها حكومة مستقلين، وكثيراً ما تُحمَّل فتح مسؤولية التقصير هنا وهناك على الرغم من أنها ليست صاحبة القرار في كل شيء وفي كل وقت. أمَّا فيما يتعلَّق بالجانب الثاني، فما يجري في لبنان نسبياً وتحديداً في السنوات القريبة الماضية وفي عهد الرئيس أبو مازن، أعطى الساحة اللبنانية اهتماماً كبيراً جداً، كذلك فأعضاء المجلس الثوري وفي كل دوراته كانوا يطرحون أوضاع الساحة اللبنانية من رواتب المقاتلين والمتقاعدين والشهداء وبقية الشرائح الأخرى، إضافةً لطريقة التعامل والتعاون مع الحكومة اللبنانية لتقليل الحزازيات وزيادة التقارب والتنسيق والتفاهمات مع الأشقاء في لبنان للتخفيف على أهلنا هناك، والقيادة الفلسطينية تُعطي اهتماماً كبيراً لأهلنا في لبنان، ولكن من غير الممكن أن تُحل كل هذه الإشكاليات إلا بعودة اللاجئين لديارهم، وطالما هم هناك من الطبيعي أن تبقى الإشكاليات المتعلِّقة بطبيعة تعامل الحكومة اللبنانية معهم وتخوفاتها من التوطين. من جهة ثانية، ففي السنوات الأخيرة كان الاهتمام يتصاعد بشعبنا الموجود في ضيافة لبنان، ونحن نبذل كل الجهد لإنهاء معاناتهم، وهم في أولوية الجهود المبذولة في حال تم تطبيق حق العودة، وهنا لا بدَّ أن أشير لعظمة شعبنا في لبنان لأنه تحمَّل الكثير من المعاناة وقدَّم الكثير من التضحيات، فهو من حمل الثورة على كتفيه عبر سنوات طويلة ولبنان من الساحات المهمة، وهنا نردد ما كان يقوله الحبيب والشهيد أبو عمار "نحن مع موعد مع الشمس إن شاء الله ومع الحرية والاستقلال والعودة"، ونُطمئِن الجميع بأننا لن نتنازل عن الثوابت الوطنية لشعبنا، ونحن متمسِّكون بها ولن نتراجع عن حقنا بالعودة وفي تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وكما صمدنا في كل المراحل السابقة وضد كل الضغوطات والمغريات والمؤامرات سنستمر في الصمود والنضال والتمسك بهذه الثوابت مهما كانت الصعاب.