حوار: امل خليفة- رام الله/ فلسطين
بين مؤيِّد ومعارض تتوجَّه القيادة الفلسطينيةوبدعوة من الأمريكي نحو المفاوضات، ضمن خطة سياسية أمنية واقتصادية ومواضيع تتعلَّق بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. وطاولة التفاوض هذه ليست الأولى التي تضم فلسطينيين وإسرائيليين عبر وسيط ما لحل مسألة الشرق الأوسط والعالم، والقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، غير أنها تتزامن مع ارتفاع الأصوات العربية بالربيع العربي وتأثير ذلك على القضايا الداخلية من وحدة وطنية ومصالحة وأوضاع اقتصادية. وللوقوف على حقيقة الموقف الفلسطيني والتأثيرات الخارجية على القضايا الداخلية كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد قريع أبو العلاء.
برأيك ما هي العوامل والظروف التي أدَّت للعودة إلى طاولة المفاوضات بعد التوقُّف الطويل؟
بالنسبة لنا إن المفاوضات هي إحدى آليات العمل لتحقيق حقوقنا الوطنية المشروعة. فإذا كان هناك أمل بالمفاوضات فلن نبتعد عنه. أمَّا إذا كانت مضيعة للوقت، فلن نذهب إليها، وهذا منهج عمل بالنسبة لنا. فنحن كسلطة لم نقاطع المفاوضات منذ أن ذهبنا إليها من مدريد وحتى أوسلو وواي ريفر وأنابولس وما بينهم، ولم نذهب إلى المفاوضات إلا لأنها آلية ارتضيناها لاستعادة حقوقنا الوطنية. وبالتالي قامت الإدارة الأمريكية في الفترة الثانية للرئيس أوباما ببذل الجهود في محاولة جمع الطرفين للعودة إلى المفاوضات، وجرت محادثات صعبة فيما بين الأطراف، أي بين الطرف الفلسطيني والأمريكي من جهة وبين الطرف الأمريكي والإسرائيلي من جهة ثانية، وتمَّ التوصُّل من خلالها إلى تحديد بعض المعالم لعملية المفاوضات تحتاج إلى توضيح أكثر، وتحتاج إلى توافق أكبر بحيثُ تتناسب طلبات الأطراف على الطاولة مع بعضها البعض، وهذا سوف يتحدَّد خلال اللقاءات التي ستتم في واشنطن قريباً. وإذا نجحت هذه اللقاءات في تحديد بعض القضايا التي لا بدَّ من وضوحها بحضور الطرف الإسرائيلي فأعتقد بأن المفاوضات تصبح مبررة. وقد توجَّه وفد فلسطيني وسيكون هناك وفد إسرائيلي بحضور الولايات المتحدة الأمريكية إلى واشنطن، ففي النهاية جون كيري قدم إلى المنطقة وقدم رؤية الإدارة الأمريكية حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وطرق حله، على أساس حدود العام 67 وإطلاق عدد من الأسرى وتحديد بعض القضايا للحديث عنها مثل الأمن والحدود لفتح الطريق إلى استكمال المفاوضات في باقي القضايا في حال تمكَّنا من حل هذه الأمور المطروحة.
كيف يتقبَّل الجانب الإسرائيلي هذه الطروحات في الوقت الذي يقدِّم فيه المشاريع العنصرية مثل مشروع برافر والمستوطنات والجدار؟
ما يفعله الجانب الإسرائيلي هو اختراق وانتهاك لا حدود له. وفي حال استمرار هذه الانتهاكات تصبح المفاوضات فعلاً مضيعة للوقت، والجانب الفلسطيني مدرك جيداً لحدود الموقف الوطني الفلسطيني الذي لا يستطيع كائن من كان تجاوزه. أمَّا الجانب الإسرائيلي فهو حتى اللحظة لم يحدد موقفه من قضايا مهمة من جهة، ومن جهة آخرى هناك العديد من الانتهاكات الإسرائيلية التي تُعتبر أحادية الجانب، في الوقت الذي يكيل لنا فيه الإسرائيليون التُّهم على لسان نتنياهو ويطالبوننا بعدم الذهاب إلى إجراءات أحادية الجانب. ولكن أي إجراءات أحادية الجانب هذه التي يتحدثون عنها؟!. إن الإجراء الأُحادي الجانب الذي يتناقض مع كافة الاتفاقيات هو ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية. فالاستيطان مثلاً عمل أُحادي الجانب، وهناك نص صريح في اتفاقية أوسلو بأنه لا يجوز لأي من الطرفين القيام بإجراء أُحادي الجانب يُجهض نتائج مفاوضات الوضع الدائم. كذلك فالجدار والاستيطان هي إجراءات من طرف واحد، والانتهاكات التي تجري في القدس والأقصى وتهويد المدينة ومحاولات تهجير السكان وإغلاق المؤسَّسات وفرض الضرائب على الناس، كل ذلك أعمال أُحادية الجانب تسيء وتضر ولا تسمح بالوصول إلى اتفاقات. واعتقد بأنه ستتم مناقشة جميع هذه القضايا خلال الجلسات القادمة. وليس معنى ذلك أنه سيتم الاتفاق، وإنما ستتضح الصورة حول المدى الذي سنصل إليه معهم. وليكن معلوماً بأن كلا الطرفين يحتفظ ببعض الأوراق لنفسه. فالإسرائيليون يعتقدون بأن الاستيطان علاوة على أنه إستراتيجية إسرائيلية للاستيلاء على حق الآخرين والجانب الفلسطيني، فهو ورقة تفاوضية لتقديم التنازلات عن البؤر الاستيطانية الصغيرة والمنتشرة لإظهار أنهم قدموا الكثير وتنازلوا عن الكثير.
ما هي الأوراق التي يُمكن للسلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية استخدامها على طاولة المفاوضات للضغط على الإسرائيليين في ظل موازين القوى بين الطرفين؟
إذا نظرنا لموازين القوى نظرة مادية فهي لا تُقارن بيننا وبين الإسرائيليين، وهي راجحة لمصلحتهم. فإسرائيل تمتلك قوة عسكرية هائلة وتمتلك قوة اقتصادية وتحالفات دولية قوية على رأسها الأمريكان. أمَّا إذا نظرنا إلى القضية الفلسطينية بعين إنسانية وكقضية لها وجودها وتداعياتها على وضع إسرائيل والمنطقة، فأعتقد أنها نقطة قوة لصالحنا كفلسطينيين. لذا يجب أن نحسن استغلال الوقت المناسب والعملية المناسبة لاستخدامها. فرغم وجود معادلة غير متكافئة بين العناصر، إلا أن هناك نقاط قوة لدى الطرفين يمكن الضغط من خلالها. فالقضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين وقيامهم بالاستيلاء على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة قضايا واضحة لا تستطيع إسرائيل أن تستغفل العالم كله بشأنها لأنها ستكون نهايتها. أمَّا نقطة القوة الأخرى لدى الشعب الفلسطيني فهي الصمود والثبات والتمسُّك بالأرض والحقوق المدنية رغم القهر والظلم والاضطهاد والعدوان وكافة أساليب القمع التي تقوم بها إسرائيل. فمدينة القدس القديمة تبلغ مساحتها كيلومتر مربع واحد ويقطنها 33 ألف فلسطيني، هم ضمانة بقاء المدينة عربية إسلامية مسيحية، وهؤلاء ليسوا سوى شعب أعزل دون سلاح أو شرطة أو أي أداة من أدوات المقاومة سوى تشبُّثهم بالأرض وبالمدينة، ولكن هذه هي نقاط القوة لدي الشعب الفلسطيني والقيادة تراهن على ذلك أيضاً . فنحن كشعب فلسطيني أصحاب حق أقرَّه العالم والشرعية الدولية، وشعبنا شعبٌ صامد على هذه الأرض لن يغادرها مهما حصل لأنه صاحب قضية عادلة وسيبقى متمسِّكاً بها ولن يتنازل عنها، فالرئيس عرفات رحمه الله حوصر أمام العالم كله إلى أن استشهد وهو رئيس الشعب الفلسطيني وقائده وهو نموذج لصمود الشعب الفلسطيني.
الرابع عشر من آب هو موعد انتهاء فترة الحكومة الحالية. فما هي السيناريوهات المطروحة لعدم الوقوع في أزمة حكومية جديدة في حال لم يتم التوصُّل إلى حل مع حركة حماس؟
يُعتبَر رئيس الوزراء رامي الحمد الله شخصية إدارية مقبولة وناجحة، وهو إن اصطدم بمشكلة الصلاحيات التي هي شكل من أشكال الإدارة، فذلك لأن العمل يختلف عما كان يتصوره، لذا وجد أنه لن يستطيع ممارسة صلاحياته في ظل هذه الظروف مما أدى إلى تقديم استقالته. وقد تم الاتفاق بينه وبين الرئيس أبو مازن على الاستمرار بحكومة تسيير أعمال إلى أن تحل الأزمة. و14/8 هو موعد تحضير الانتخابات وليس موعد انتهاء فترة الحكومة التي كان من المفروض أن يكون الرئيس أبو مازن هو رئيسها، حسب اتفاق الدوحة، ولكن السؤال المطروح الآن هو حول مدى استعداد حماس للذهاب إلى انتخابات في ظل الظروف الراهنة. وأنا هنا لا أريد الحديث باسم حماس، إلا أنني أقول أن الظرف صعب ومن المستبعد ذهاب حماس خطوة تجاه الانتخابات خاصة بعد التحوُّلات التي جرت في مصر والزج بهم إلى هذه الأحداث. فالتهمة التي وجهت إلى الرئيس محمد مرسي هي التخابر مع حركة حماس والتخابر يعني أن هناك تكليفات، لذا فحماس في هذه الفترة تمر بظرف صعبة جداً، مما يطرح سؤالاً آخر وهو إن كان على الشعب الفلسطيني لكي يعيد الشرعية وتتم الانتخابات أن تنتظر حماس لتلتقط الأنفاس وتعيد صياغة علاقاتها مع الأطراف العربية والسلطة ومع منظمة التحرير والقبول بما تقبل به المنظمة ورفض ما ترفضه المنظمة والالتزام بكافة الاتفاقيات. هذه قضية ما زال من المبكر الحكم عليها. وفي الـ18 من الشهر القادم تنتهي مهلة حكومة رامي الحمد الله ونكون أمام خيارين، أولهما إعادة تشكيل الحمد الله لحكومة جديدة إذا طلب منه الرئيس أبو مازن ووافق هو، والثاني تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس أبو مازن أو من يرشحه. ومن هنا فعلى حماس أن تعرف أن البيت الفلسطيني هو حماية للفلسطيني أكثر من أي مكان آخر، ونحن مررنا بهذه التجربة في الأردن وسوريا ولبنان وقد واجهتنا مشكلات عديدة من إخواننا العرب ولكننا بقينا حريصين على البقاء في إطار البيت الفلسطيني، وإذا قرَّرت حماس العودة إلى الحضن الفلسطيني فهو واسع ودافئ بشرط أن تكون الأولية فلسطينية.
تتكرَّر الأزمات الاقتصادية للسلطة الوطنية ما هي الحلول المطروحة ومدى تأثير ذلك على المفاوضات مع الإسرائيليين؟
منذ اللحظة الأولى لإنشاء السلطة الوطنية والوضع الاقتصادي يشكِّل ورقة الضغط. لذا فليس جديداً ما نواجهه من ضغوطات. ولكن الالتزامات والمتطلبات أصبحت اليوم أكثر من السابق، وبعض الدول المانحة بدأت تقلِّص ما تقدم، لذلك لا بدَّ من النظر إلى كيفية تنظيم دعم الدول المانحة إلى السلطة. والأمريكان تقدَّموا بمشروع ذي ثلاث مسارات: سياسي وأمني واقتصادي؛ ولكن المنحيين الاقتصادي والأمني بالنسبة لنا يتم بحثهما في أطر مختلفة، وليس ضمن الإطار السياسي. فالدعم المالي والاقتصادي ليس لها علاقة بالدعم السياسي ولا نقبل أن تكون ورقة ضغط علينا لتحديد موقفنا السياسي، لذلك تم الفصل بين هذه المسارات التي طرحها الوزير كيري على السلطة الوطنية ومنظمة التحرير.
ما هو تقييمكم لموقف أوروبا بمقاطعة بضائع المستوطنات والموقف الإسرائيلي المضاد بمنعها من تنفيذ المشاريع في المناطق "ج"؟
قرار الأوروبيين بمعناه السياسي قرار عظيم وهو من أهم القرارات التي اتخذتها أوروبا في عملية عبورها إلى العملية السياسية ووضع ملامح العملية السياسية. فأوروبا لم تقاطع منتجات المستوطنات فقط، وإنما أيضاً حدَّدت أن دولة إسرائيل التي نتعامل معها وتحظَّى بدعم منا هي التي تقوم على أراضي الـ67، والأراضي الأخرى هي أراضٍ فلسطينية محتلة. وهذا الكلام بمنتهى الأهمية ويعني أن المستوطنات وانتهاكات المستوطنين غير شرعية وغير قانونية. وبهذا يكون الاتحاد الأوروبي قد حدَّد موقفه السياسي بكل وضوح. وبالتالي، فصحيح أن كفة الأمريكان كفة راجحة وإنما أيضا الاتحاد الأوروبي له وزنه في السياسة الدولية، وهذا من جانب، ومن الجانب الآخر أن هذه المستوطنات التي أقيمت على أراضي الفلسطينيين بكل ما تعمله غير شرعي وغير قانوني. وينبغي ألا ننسى أن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن خمسة اثنتان منهم أوروبية، وهما بريطانيا وفرنسا، فيما الصين وروسيا معنا، لتبقى أمريكا، وهنا يجب تركيز الجهود تجاه عودة الأمريكيين إلى موقفهم الأصلي فيما يخص موضوع المستوطنات، حيث أنهم قالوا بل وصوتوا على قرارات لمجلس الأمن الدولي التي تفيد بأن الاستيطان غير شرعي وغير قانوني، وأن أي عمل أُحادي في القدس غير شرعي وغير قانوني، وقالوا أنها أي المستوطنات عقبة في طريق السلام، وإذا أراد الأمريكان أن تسير عملية التفاوض عليهم أن يحدِّدوا موقفهم من المواضيع كافة ومنها المستوطنات على الأراضي المحتلة عام 67.
كيف تُقيِّم وضع حركة "فتح" و"م.ت.ف" خاصة أننا قد نكون مقبلين على انتخابات عامة؟
نحن لا نريد انتخابات تؤكِّد الانقسام، بل نحن نريد وحدة الشعب الفلسطيني لأن ضمانة تحقيق حقوقنا هي وحدة شعبنا. بالتأكيد أنا ألوم حماس لأنهم جنحوا بعيداً عن الانخراط الحقيقي والجدي الباعث للوحدة، لكن وحدة الشعب الفلسطيني هي ضمانة انتصاره، وأنا أثق أن الرئيس أبو مازن ومن معه في القيادة يصرِّون على مبدأ الوحدة التي تعزِّز وحدة الشعب الفلسطيني.كذلك فنحن اللجنة التنفيذية حريصون على ذلك، فهناك من يدعو إلى انتخابات ولو كانت في الضفة الغربية فقط وهذا غير مقبول بتاتاً، ولكن كما نفكر نحن بالمصالحة والوحدة، كذلك فعلى حماس أن تفكِّر وتعمل وتؤمن بأن الوحدة الوطنية هي أساس الانتصار، وليس الانقسام. أمَّا بالنسبة لوضع الحركة، فهو بالتأكيد ليس وضعاً صحياً، وهناك كم غير عادي من الكوادر والقيادات المهمَّشين من قِبَل قياداتهم، ففتح للجميع فكيف لا تكون لجميع أعضائها، وعندما تنظر فتح إلى هذا وتترك ذاك تصبح في خطر. ولكنني لا أؤمن بتحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بدون حركة فتح. ففتح أثبتت من خلال كافة تجاربها ومعاركها أنها بوصلة الوطن لتحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. ولكن لا شكَّ أنه بعد المؤتمر السادس كانت هناك عملية غير صحية بحيثُ أن عدداً كبيراً من الكادر الفتحاوي أصبح خارج إطار الحركة وهذا يشكل خطورة عليها، وبالتالي فكيف سأطالب أبناء الحركة عندما تكون هناك انتخابات بوقفة الرجل الواحد وهم خارجها وقد استبعدتهم الحركة؟! عموماً أنا لستُ قلقاً على حركة "فتح" فما دامت هناك قضية وطنية فلسطينية، ففتح باقية. ولكن ليس من الصحيح أن تكون هناك قوائم انتخابية لحركة "فتح". فلماذا لا تكون قائمة واحدة عادلة تنظر إلى جميع كوادرها بعين واحدة، وما زال هناك وقت، إذ أنه لا يصلح لهذا الزمان إلا ما صلح لأوله، بالوفاء المتبادل والانتماء للقضية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها