تبدو الخطوات المتسارعة لانهاء الانقسام، والانخراط النشط لكافة الاطراف فيها، تبدو كما وكأن مفعول سحر الساحر قد زال، وان الجميع استفاقوا فجأة وعادوا الى طبيعتهم ونشاطهم الفعلي.
الناس وتحت وطأة المفاجأة يتساءلون هل ما نراه فعلا هو امر حقيقي ام مشهد مسرحي اراده المخرج الخفي لغرض في نفسه. ويقولون بعد اكثر من عشر سنوات من اليأس هل انتهى عصر المحاولات الفاشلة؟
لتفسير كل ما يجري لا بد من العودة لمقولة قديمة اختفت منذ زمن من ادبياتنا السياسية، بعد ان يئسنا من تحقيقها في اية قضية، والمقولة هي: ان المتغيرات الاستراتيجية لكي تحصل فهي بحاجة الى ظروف موضوعية وذاتية ناضجة. واليوم في مشهد المصالحة نلاحظ كما وكأن الظروف قد نضجت والذي يبدو معها وكأن مفعول السحر قد زال.
بالاطار العام نلاحظ أولا: اندحار المخطط الأميركي في الفوضى الخلاقة وتسليم جماعة الاخوان المسلمين، او ما يطلق عليه (الاسلام المعتدل) تسليمهم المنطقة العربية وهو الذي جاء في سياق ما سمي ثورات (الربيع العربي). فشل هذا المخطط يعني تلقائيا تراجع دور وادوار القوى الاقليمية التي كانت منخرطة فيه وفي طليعتهم قطر وتركيا، وهم كما هو معلوم الداعمون الاساسيون لحماس وانفصالها في قطاع غزة.
ثانيا: الحديث عن حل اقليمي، استنادا الى المبادرة العربية، بخصوص هذا الحل اسرائيل حاوت في الاشهر القليلة الماضية تمريره من دون ان تدفع ثمن انهاء الاحتلال والالتزام بمبدأ حل الدولتين. اثبتت التطورات انه لا يمكن المضي بوجهة النظر الاسرائيلية وفي نفس الوقت من دون تلبية الحد الادنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية والتي اساسها انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. في سياق هذا التطور جاءت الحاجة لانهاء الانقسام وتهيئة كل الظروف امام الحل الاقليمي. فالحاجة الاسرائيلية والاقليمية بشكلها القديم لاستمرار الانقسام قد سقطت او انها اصبحت عائقا امام الاستراتيجية الاكبر والاوسع لساحر الكبير.
ثالثا: ادراكا من الرئيس محمود عباس بخطورة الوضع، واحتمال ان يمرر الحل الاقليمي على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية، استخدم مع حماس اسلوبا، لكي يقنعها بالتراجع عن خطواتها باتجاه الانفصال بقطاع غزة. لذلك اتخذ الرئيس القرار الحازم من اجل الوصول الى الحل الحاسم والمقصود هنا قرار الاستقطاعات من الموازنة العامة المخصصة لقطاع غزة. فالرئيس بهذا الشأن واجه كل الضغط لثنيه عن قراره من مختلف الاطراف الاقليمية والدولية بما فيها اسرائيل، واكد ان ما يقوم به لا يمكن ان يكون عقابا لأهلنا في القطاع وان ما هو قد جاء بهدف ثني حماس عن مشروعها، وبالفعل حقق الرئيس ما يريد من هذا القرار.
رابعا: عودة الدور المصري فمصر لم تستعد عافيتها وحسب وانما ايضا تهيأت لها الظروف الدولية والاقليمية والمساحة الضرورية لتستعيد دورها الاقليمي السابق، وبالتحديد في القضية الفلسطينية. وهو الدور الذي تراجع لمصلحة متدخلين اخرين وفي مقدمتهم قطر وتركيا وايران، فجميع هؤلاء اليوم وفي ظل ازماتهم المستحكمة لم يعودوا يرون في مناوشة اسرائيل عبر حماس وحزب الله اولوية لهم.
خامسا: ادراك حماس، وبعد ان جربت كل التحالفات، ان طموحاتها لا يمكن ان تتحقق الا في اطار الوطنية الفلسطينية والبيت الفلسطيني وليس بالاعتماد على اي قوى خارجية، وهي القوى التي تخلت عنها عند اول منعطف.
الساحر الذي فرض الانقسام علينا يبدو انه اليوم قد تخلى عنه وبالتالي بطل سحره بعد ان تغيرت قواعد اللعبة في المنطقة. فتغيير قواعد اللعبة يعني بالضرورة تغيير المخططات والاستراتيجيات. فالتغيير هنا ليس كرما منه وانما هو مضطر له تحت وطأة التهديدات المتزايدة لمصالحه. الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية يدركون كل ذلك ولكن قرارنا بالاساس ومنذ البداية كان هو انهاء الانقسام واستعادة الوحدة بغض النظر عن مفعول سحر الساحر فالمهم اليوم هو ان نستغل هذه اللحظة والمهم ان نعرف ماذا نريد منها وبالاساس ان نتمسك بوحدتنا الوطنية بغض النظر عن ما يريده الآخرون.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها