منذ طرحت الإدارة الأميركية وإسرائيل فكرة الإدارة المحلية لقطاع غزة استباقًا لليوم التالي بعد وقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وروجت لها إحدى الدول العربية الخليجية، كتبت أكثر من مرة عن الرفض المبدئي للفكرة والدور الخبيث لتشكيل اللجنة، ثم أعيد طرحها في الحوارات الثنائية في جولاتها السابقة بين حركتي فتح وحماس براعية الأشقاء المصريين، وأيضًا دونت موقفي، وأكدت أنها عبارة عن لغم يستهدف الشرعية الوطنية ممثلة بمنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للدولة والحكومة الفلسطينية، أصحاب الولاية على أراضي دولة فلسطين المحتلة. لأن حركة حماس أرادتها إدارة موازية للحكومة، ولا تخضع لسيطرتها، وتستهدف تكريس وجودها على الأرض والمحافظة على خيار الانقلاب على الشرعية.
وفي السياق ذاته، أصدرت حركة حماس يوم الجمعة 3 كانون الثاني/يناير الحالي بيانًا حول ما يسمى لجنة الإسناد المجتمعي (اللجنة الإدارية)، جاء فيه تزويرًا للحقائق الماثلة للعيان الفلسطينية والعربية "وإننا منذ البداية سعينا وبكل جد وإخلاص لترتيب البيت الفلسطيني، وترسيخ وحدته، وإعادة الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني"، ولمزيد من الافتراء على الواقع ادعت في بيانها: "ومن أجل ذلك قدمنا كل المرونة للوصول إلى اتفاقات وتوافقات وطنية سواء اتفاقات القاهرة المتتالية، أو في الجزائر وحتى في روسيا والصين، وسعينا بشكل حثيث لتطبيقها".
وهنا تبرز العديد من الأسئلة الموضوعية، إذًا من الذي عطل المصالحة منذ عام 2009 واتفاقيات القاهرة؟ ومن الذي رفض التوقيع على أول مبادرة مصرية في 2009، ووقع عليها خالد مشعل في أيار/مايو 2011 بعد نشوة سيطرة الإخوان المسلمين على المشهد المصري والعربي في تونس وليبيا وسوريا واليمن في ظل الخريف العربي، ولماذا لم تترجم بعد ذلك، رغم التوقيع عليها؟ من الذي رفض الالتزام باتفاقية 2017 المصرية، رغم التوقيع عليها أيضًا؟ وأين هي المرونة السياسية التي قدمتها حركة حماس؟ ومن الذي أدار الظهر للإعلانات والبيانات بدءًا من إعلان الدوحة 2012 وإعلان الشاطئ 2014، وبيانات موسكو وبكين وقبلها الجزائر؟ وما هي معايير سعي الحركة الانقلابية لترتيب البيت الفلسطيني؟ وما هي الخطوات التي اتخذتها الحركة صاحبة الأجندة التفتيتية والانقسامية لإعادة الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني؟ وما الأسس التي قدمتها لترسيخ النظام السياسي؟ ولماذا استمر ويستمر الانقلاب حتى يومنا هذا، رغم دخول الإبادة شهرها السادس عشر على الشعب الفلسطيني عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا؟ كل الأسئلة وغيرها مطروحة على قيادة حركة حماس السياسية وعلى من والاها، ويدور في فلكها ويتساوق مع خيارها الفئوي التخريبي.
وعود على بدء موضوع لجنة الإسناد المجتمعي الانفصالية، تدعي حركة حماس في بيانها المنقلب على الحقائق، أنها تجاوبت مع الجهود التي يبذلها الأشقاء في جمهورية مصر العربية، وسعت لتشكيل حكومة توافق وطني أو تكنوقراطي، وما هي الأسس التي طرحتها الحركة لتشكيل حكومة التوافق، أو حكومة التكنوقراط؟ ومن مرجعية هذه الحكومة؟ ولماذا لم يتم تشكيلها؟ هل قبلت حماس بالتزام الحكومة بمحددات منظمة التحرير العربية والدولية، أم رفضتها، وأصرت على الرفض لأي التزام انسجامًا مع موقفها المعطل لكل الاتفاقات السابقة؟
وماذا يعني بالنسبة لها تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة شؤون قطاع غزة بشكل مؤقت، وأن تكون مرجعيتها السياسية المرسوم الرئاسي الفلسطيني، والتأكيد على أن قطاع غزة هو جزء أصيل من الجغرافيا السياسية الفلسطينية؟ وهل المرسوم الرئاسي يكفي كأساس للالتزام بالشرعية الوطنية؟ ألم تكشف الورقة التي وزعها عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، في أعقاب الجولة الأخيرة من الحوارات الثنائية، التي لم يوقع عليها وفد حركة فتح، عن خلفيات الحركة الانفصالية، والتي أرادت أن تكون اللجنة إدارة موازية للحكومة الفلسطينية، وشاءت استخدام المرسوم الرئاسي لسحب البساط من تحت أقدام الرئيس أبو مازن والمنظمة والدولة والحكومة، وهم أصحاب الولاية الأساسية على كل جزء من الوطن الفلسطيني بما في ذلك قطاع غزة. لأن النقاط السبع في تفاصيلها المتعددة أسقطت كليًا وحدة النظام السياسي، وعودة الشرعية الوطنية للقطاع، وعمليًا فصلت القطاع عن الضفة والعاصمة القدس؟ وهل تدبيج الكلمات الإنشائية، التي لا تحمل دلالاتها السياسية والقانونية تكفي لبناء أسس وطنية جامعة، أم أنها استُخدِمَت للالتفاف على البيت الفلسطيني كله، وشرعيته ووحدته؟ ولماذا ترفض من حيث المبدأ ان تتولى الحكومة الفلسطينية ولايتها الشرعية على القطاع؟ لماذا تسعى حركة حماس لتشكيل اللجنة الإدارية طالما أن هناك حكومة وفيها القطاعات كافة لإدارة شؤون القطاع المختلفة؟ ألا يعني ذلك تساوقًا مع الرؤية الإسرائيلية الأميركية، وبحثًا عن دور خاص في اليوم التالي للحرب؟ وكيف يتوافق ذلك مع مبدأ ترتيب شؤون البيت الفلسطيني وتكريس النظام السياسي؟.
بالنتيجة أؤكد، أن ما تروجه حركة حماس من اتفاق مع فصائل العمل الوطني، والاتفاق على تقديم أسماء من الشخصيات الوطنية لتشكيل لجنة الإسناد، هي مجرد أكاذيب، ومصر الشقيقة الكبرى، لن تقبل رعاية أي خطوة تعمق الانقسام الفلسطيني، ودون التوافق مع حركة فتح والقيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس. كما أن القيادة المصرية لن تقبل بأي لجنة على مقاس حركة حماس، ولن تسمح ببقاء الانقلاب الحمساوي يدير القطاع، لأنه هدد ويهدد الأمن الوطني والقومي الفلسطيني والمصري والعربي عمومًا، وجلب الدمار والموت والخراب للمنطقة العربية كلها، وليس للشعب الفلسطيني فقط.
ترويج حماس لبضاعة لجنة الإسناد المجتمعي، ونشر العديد من الصيغ والمسميات لشكل ودور اللجنة، ترويج لبضاعة فاسدة وفاشلة، تستهدف منها الآتي:
- أولاً: استباق تولي إدارة ترامب مهامها الرئاسية بعد أيام قليلة.
- ثانيًا: تقديم التنازلات المجانية لصالح إسرائيل وأميركا في المفاوضات تهدف فقط إلى المحافظة على موطئ قدم لها في إدارة قطاع غزة.
- ثالثًا: للالتفاف على المنظمة والدولة والحكومة الفلسطينية، لأنه لا يعنيها وحدة الجغرافيا الفلسطينية ولا النظام السياسي ولا ترسيخه. لأنها تعتبر هكذا توجه يسحب البساط من تحت أقدامها وأقدام انقلابها الأخطر على مستقبل النضال الوطني والتمثيل السياسي الواحد والوحيد لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها