وقعت جريمة بشعة في مدينة لاس فيغاس السياحية نفذها مجرم يدعى ستيفن بادوك على حشد من 22 الف أميركي كانوا يحضرون حفلا موسيقيا، حيث أطلق الرصاص الحي عليهم من الفندق الذي يقيم به من الطابق ال32 مساء الأحد الماضي فقتل 58 وأصاب 512 مواطنا بريئا، ثم إنتحر قبل ان تصل إليه الشرطة. وهو رجل تجاوز الستين عاما. وحسب معلومات الشرطة لا يوجد له سوابق في عالم الإجرام. لكن والده المدعو بنجامين هوسكين بادوك كان قاتلا محترفا، ومن أخطر ثمان اشخاص في ستينات القرن الماضي.
القاتل بادوك رجل غني، ولاعب قمار، ولا يأبه للإموال التي يخسرها. ووجد في غرفته عشرة بنادق. وله صديقة من إصول آسيوية تدعى ماري لودانيلي، وهي الآن خارج اميركا. ووفق معلومات الشرطة لا علاقة لها بالجريمة الخطيرة التي إرتكبها. وبغض النظر عن التفاصيل المتعلقة بالقاتل المجرم وخلفياته ومن يقف ورائه او معه، فإن الجريمة الوحشية تمثل علامة فارقة في تاريخ الإجرام الأميركي. لإنها كشفت بؤس الواقع والقانون الأميركي، وأماطت اللثام عن خواء وإفلاس الديمقراطية الأميركية التي تبيح للمواطنين إقتناء السلاح دون معايير او ضوابط. والأخطر في أميركا انه يسمح بتشكيل عصابات وجيوش من المرتزقة للإيجار. فضلا عن تفشي العنصرية البغيضة التي تنخر حتى يوم الدنيا هذا المجتمع الأميركي، رغم كل التطور الذي حصل في الولايات المتحدة.
هنا يبرز السؤال إلى متى تبقى بلاد العم سام مستنقعا للجريمة المنظمة وغير المنظمة. لاسيما وانه لا يمر يوم دون عمليات قتل وإغتصاب وحرق للإبرياء من الأميركيين؟ وهل هذة هي معايير الديمقراطية والحرية؟ وما هو مستقبل الولايات المتحدة التي ينخرها السوس والفلتان الأمني والفوضى؟ وإلى متى سيبقى الأميركيون أسرى تلك القوانين والجرائم؟ ومن هو صاحب المصلحة الحقيقية في ذلك؟ وأين قادة المجتمع الأميركي مما يجري؟ وأين الكتاب والمثقفون وصناع الرأي مما يجري على مرآى ومسمع منهم وأمام أعينهم؟ وأين رجال الدين من مختلف الديانات وخاصة اولئك الذين يقفون على رأس الكنئس النافذة والمؤثرة في المجتمع الأميركي؟ ألم يحن الوقت لإسدال الستار على منطق ولغة راعي البقر؟ والآ يكفي أميركا من عمليات القتل لشعوب الأرض وخاصة في منطقة الشرق الأوسط؟ وأين هي معايير وقيم العدالة وحقوق الإنسان في أميركا؟
أسئلة كثيرة يمكن طرحها على قادة الولايات المتحدة ونخبها السياسية والثقافية والفنية والأكاديمية، غير ان المرء يكتفي بما ورد، لعل حكام الولايات والإدارة الفيدرالية المركزية تفكر مليا بواقعها البائس والمثلوم. لإن هكذا جرائم ليست نتاج القوانين المعمول بها في الولايات المتحدة فقط، إنما هي إنعكاس أيضا لتوحش المجتمع الأميركي، الذي لا يحترم قيمة الإنسان. رغم أن الإدارات الأميركية تقيم الدنيا ولا تقعدها في حال تعرض اي اميركي لإي مكروه في دول العالم الأخرى، وتتخذ من اي عملية إختطاف لمواطن أميركي هنا او هناك ذريعة لشن حروب على الدول الضعيفة والمغلوبة على أمرها وبإسم حقوق الإنسان!؟
أميركا بحاجة ماسة إلى التوقف جديا أمام قوانينها، وإعادة النظر فيها، وتحريم شراء وإقتناء وحمل السلاح دون ضوابط، أو تشكيل عصابات وجيوش خارج المؤسسات الأمنية الرسمية. كما تحتاج إلى ثورة ثقافية تؤصل لديمقراطية حقيقية تعلي من شأن الإنسان في اميركا اولا وفي العالم ثانيا، وتعيد النظر في منظومتها الفكرية والسياسية والقانونية، وتتخلى عن نظام إرهاب الدولة المنظم، والتوقف عن دعم ومساندة الدول المارقة في العالم وخاصة إسرائيل الإستعمارية، وتعزيز قيم حقوق الإنسان في العالم اجمع، وليس في أميركا فقط، ولديها ما يؤهلها لذلك من كفاءات تربوية وثقافية وفنية، بالإضافة للإمكانيات المادية العالية المتوفرة لديها. وبالمقابل إلغاء قانون الإعدام فيها، لإنه ثبت بالملوس انه لا يشكل كابح لعمليات القتل والجرائم المتوالدة، ولإنه يتناقض مع قوانين ومواثيق الأمم المتحدة، وتعميق المساواة بين ابناء الشعب الأميركي دون تمييز من اي نوع، وتصفية آثار العنصرية بشكل جذري، ووقف التحريض على السود والملونين من حملة الجنسية الأميركية. لإن الجريمة الوحشية التي تمت قبل ايام فضحت وعرت الوجه القبيح لإميركا.
جريمة لاس فيغاس: بقلم عمر حلمي الغول
05-10-2017
مشاهدة: 535
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها