خاص مجلة "القدس" العدد 341 ايلول 2017 بقلم: هيفاء الأطرش
تتسارع مؤخراً أحداث التسوية والتهدئة في سوريا والدول المجاورة كل حسب وضعها، مثلما تسارعت في السنوات السابقة الأخيرة كرة ما سمي بالربيع العربي ، الصخرة التي سحقت أجساد الأبرياء ودمرت منازلهم، ومزقت أحلامهم.
وهي إذن حركة التاريخ المتوالية والمتكررة على أجزاء الدول العربية والتي تشتعل في شرقها الأوسط أكبر قضية عادلة، ألا وهي القضية الفلسطينية، حيث يتآمر عليها القاصي والداني.
ورغم سعي الدول الكبرى لدفع العملية السلمية السياسية في سوريا للحل ، إلا أن المطامع لدى الأولى لا زالت تترسخ على أرض الواقع، فتتحكم في مسارات تلك السياسات الدولية، لتُشَرِّع كل التدخلات لها كونها الأقوى دولياً.
والسؤال هنا لمَ كانت كل تلك الأحداث والحروب والثمن المدفوع دماً وضحايا وخسائر بشرية واقتصادية واجتماعية وغيرها من خسائر فادحة في حق الشعوب العربية ؛ ولمَاذا لمْ تتم الاتفاقات بشكلٍ مباشرٍ بين حكام العرب وإسرائيل، دون كل تلك المناحرات والدمار، خاصةً أن الحراك السلمي كان فاعلاً بدءاً من محادثات مدريد بين بعض الدول العربية وبينها، بالإضافة إلى الطرف الفلسطيني، وحتى السياسة التطبيعية كانت على أشدها في الخفاء مع البعض الآخر للعرب في آسيا أو إفريقيا، هذا غير الدول الموقعة لاتفاقيات السلام مثل الأردن ومصر.
لكن ما بدا جلياً وواضحاً في تدهور الأوضاع في الدول العربية المنكوبة والممتدة على خارطة وطن عربي لا يمت بصلة لمفهوم المواطنة والوطنية، هو تحقيق تهالك مـُحـَتـَّم للبنية التحتية وأساسات دوله وبالتالي القضاء على مقومات الشعوب العربية، كي تبقى تحت نير الديون والتخلف الاقتصادي المرتبط بالاستعمار الجديد، والذي يفرض ظلاله بشكلٍ قسريٍّ على العرب، كي تفترش إسرائيل عرش الدولة المسيطرة في المنطقة، وما أشبه اليوم بأمس دول المماليك الأندلسية التي اقتات أعداؤها على فتات أمجادٍ تناثرت بسبب ممارسات حكامها اللا مسؤولة.
وبالعودة إلى ما يحدث حالياً في دول ما يسمى بالربيع العربي ونخص بالذكر سوريا، فإن ما دعت فرنسا له مؤخراً على لسان وزير خارجيتها لودريان والذي حذر بمعرض حديثه من تقسيم سوريا ومن الخطر الإرهابي، حيث دعا إلى تشكيل مجموعة اتصال مستندة إلى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، على أن يتم جمع الأطراف الرئيسة في النزاع، حيث سيـُطرَح ذلك في نيويورك أثناء الاجتماع الوزاري لمجلس الأمن الدولي؛ كل ذلك يؤشر إلى التوجه الدولي إلى فرض الحلول المناسبة لهم، بما يتوافق مع التحديات الماثلة أمامها من أعمال إرهابية ضد دولها، أو حتى الأزمة الكورية والامريكية المتصاعدة، بالإضافة إلى تحديد مناطق نفوذها وسيطرتها في سوريا خليفةً لسايكس بيكو جديد، والتي بالتأكيد ستشمل لاحقاً بقية الدول العربية وبأشكال متعددة، رغم رفض الولايات المتحدة الأمريكية لفكرة مجموعة الاتصال طالما بقي الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة هناك، مع تأكيدها أن للشعب السوري الحق في اختيار الرئيس القادم لسوريا.
وهذا ما يـُرجـِع الكرة إلى الملعب الشعبي السوري، والذي يتوجه برغبةٍ جامحة إلى إنهاء الحرب والعودة إلى حياة الاستقرار في البلاد كما كانت على سابق عهدها قبل الأزمة السورية، خاصةً بعد الخسارات المتوالية عبرالسنوات الست الماضية، والتي أفرزت نتائج صادمة للشعب السوري، حيث أدت الحرب إلى فقدان كل مقومات الحياة والتي اقنعتهم بعدم جدوى جر تجربة الربيع العربي إلى سوريا، حيث أدركوا مخاطر ما تم إيهامهم به من قـِبـَل الرؤوس المدبرة عبر أجهزة المخابرات الامريكية والبريطانية والاسرائيلية.
كذلك تكثر التصريحات السياسية والتي تنادي بإنهاء مشكلة النزاعات والعنف، والفقر الشديد في العالم، ووقف انتهاكات حقوق الانسان، كما جاء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، من أجل حل مشكلة اللاجئين وقضايا أخرى تتعلق بالمرأة والشباب من أجل تحقيق التنمية المستدامة ؛ تكثر الدعوات من هنا وهناك لأن التوجهات أصبحت ناضجة لذلك، وبالطبع في النهاية من أجل مصالح الدول العظمى المتحكمة بدفة مسار حياة الشعوب في العالم وخاصةً العربية منها.
أما من جهة النظام الرسمي السوري فإن الحكومة السورية تؤكد يوماً بعد يوم تمسكها بإثبات جديتها في إعادة إعمار البلاد من جميع النواحي التي تمت بصلة إلى ذلك، وما يجري هناك في سوريا مؤخراً، من عودة الحياة إلى الأنشطة الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية، والخدماتية، التي تقوم بها وزارات الحكومة وحتى اللقاءات السياسية السورية العربية من جهة والسورية الاجنبية من جهة أخرى، وعلى صعيد الصف الأول؛ يـُظهـِرُ تحركاً سريعاً من أجل التغيير للأفضل، وهذا سيؤثر إيجاباً حتماً على مجريات ما يحدث دولياً على صعيد التدخل الأجنبي في سوريا ودعم الإرهاب، مما سيقوي الموقف الرسمي السوري داخلياً وخارجياً.
ويرى مراقبون أنه ربما تأتي تلك الخطوة لتترافق مع المحاولات الدولية لتطبيق الحل السياسي في سوريا، والذي سيقوي مجريات التطبيع العربي مع إسرائيل وخاصةً من قبل دول الخليج العربي.
ومما لاشك فيه أن كل ما تحدثنا عنه آنفاً يلقي بظلاله بقوة على خارطة الطريق الفلسطينية والتي تمخضت عن اتفاق المصالحة الأخير بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، ويبدو أن جدول العمل الزمني للعملية السلمية قد شارف على الانتهاء مترافقاً مع التهدئة في سوريا وباقي الدول العربية.
أيضاً يبدو أن التوافقات على إعلان إقامة دولة فلسطينية على أراضي ال67، ستفضي إلى إطلاق هديرها في نهاية العام الحالي 2017، ومن ضمنها سيتم حل مشكلة اللاجئين بشكل نهائي، خاصةً أنه سيتم لقاءات متعددة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، بالإضافة إلى ممثلي الدول الحاضرة في اجتماع وزراء الخارجية لمجلس الأمن؛ ولا يعني ذلك أن حق العودة قابل للتصرف ممن ذكرناهم، بل ربما للتوصل إلى عدة حلول حسبما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي والاعلامي العربي والعالمي، من احتمال تقديم عدة سيناريوهات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين إما بتوطينهم أو بتهجيرهم إلى أوروبا أو عودتهم إلى أراضي الدولة الفلسطينية، ومن ثم طرح الحلول على الاستفتاء الشعبي الفلسطيني.
وفي كل الحالات فالوضع العربي مرتبط لا محالة بالوضع الفلسطيني، كما تتحرك المسننات الدائرية داخل الساعة تدفع وتحرك بعضها بعضاً بنفس القدر.
لذلك على الشعوب العربية أن تطالع بنظرةٍ ناقدة لما حدث خلال السنوات الأخيرة والتي من المفترض أن تثمر على الأقل بالحفاظ على هويتها التي تشوهت نتيجة الهجمة الكبرى عليها، فاتخاذ هذه الخطوة سيكفل بقاء نواة قابلة للحياة لنهضة عربية قادمة تنفض غبارها يوماً ما.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها