الشأن العام الفلسطيني ومنذ خمسون عامًا ظل محور التجاذبات المحلية والإقليمية، وبالرغم من كل المحاولات في الحفاظ على استقلالية القرار الوطني المستقل، كانت التجاذبات لها تأثير كبير على وحدة الموقف والجغرافيا الفلسطينية. نحن هنا في الأراضي الفلسطينية وحتى مجيء السلطة الفلسطينية كان قرار إجراء انتخابات محلية في المؤسسات الوازنة مثل مؤسسات الحكم المحلي "البلديات"، والغرف التجارية تجري بعد موافقة وزير الدفاع الإسرائيلي والمشاركين في الانتخابات يحصلون على موافقة من الحكم العسكري الإسرائيلي، وفي حال عدم موافقة الحكم العسكري فإن المرشح يفقد حقه في المشاركة في هذه الانتخابات، وأكثر من ذلك فإن الحكم العسكري إذا لم يعجبه الحال يوقف إجراء تلك الانتخابات. لذا فإن الانتخابات البلدية وحتى الغرف التجارية أجريت مرة واحدة أيام سلطة الاحتلال العسكري قبل قدوم السلطة الفلسطينية، واعتلى إدارة هذه البلديات القوى الوطنية، التي عملت إسرائيل على إنهاء دورها وقتل البعض من رؤسائها، ونفت البعض الآخر إلى خارج البلاد. ومن ثم قامت بتعيين رؤساء مجالس محلية بعضهم ضباط في الإدارة المدنية الإسرائيلية مثلما حصل في الخليل. ولقد بقي التأثير الإسرائيلي كبيرًا وما زال حتى وقتنا الحاضر في قضايا الشأن العام الفلسطيني، وحاولت إسرائيل إنشاء أجسام جديدة مثل روابط القرى تارة، وعينت المخاتير، وتقربت من العشائر لضبط الأمور العامة في الضفة الغربية وغزة.

هذه المقدمة، هي من أجل إظهار الواقع الذي تفرضه الهيمنة الإسرائيلية على الحياة العامة الفلسطينية. وإذا كنا ننسى فلعل الدعم الإسرائيلي الكبير للانقسام الذي قامت به حركة حماس في غزة سنة 2007 خير مثال على ذلك، وبقي الانقسام إلى أن أيقن الاحتلال أن إدارة تنظيم الإخوان المسلمين، تعمل لأهداف لا تخدم مصالحها.  ومع ذلك لا زالت تعمل مع شرائح مجتمعية من أجل تنفيذ أهدافها في إدارة الملف الفلسطيني، ضمن خططها وبرامجها في ما يسمى السلام الاقتصادي، عززت إسرائيل اتصالاتها مع رجال الأعمال ومنحتهم تسهيلات كبيرة في دخول المناطق الإسرائيلية، والسفر عبر موانئها الجوية والبحرية، وكانت تقيم لهم لقاءات تعارف مع رجال أعمال إسرائيليين.

لم ولن تتوقف إسرائيل بالتدخل في الشأن العام الفلسطيني بالرغم من وجود اتفاقية أوسلو منذ 1993، وهي اليوم تتملص من تلك الاتفاقية وبنودها وكان أهم بنودها التي أصلاً نبذتها هي تمديد العمل في الاتفاقية أو بعض بنودها التي تنفذ صلاحيتها بعد خمس سنوات من توقيعها لتبدء مرحلة جديدة كان يفترض أن تفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا الذي تنبذه إسرائيل على الدوام هو منع إقامة الدولة الفلسطينية، ووحدة الجغرافيا بين الضفة الغربية وغزة.

وإسرائيل التي تحتل قطاع غزة اليوم، تسعى لإطاحة منظمة التحرير الفلسطينية، بهدف تشكيل حالة انفصالية جديدة، لن يستطيع أي من المؤثرين الدوليين الحاليين العمل لإعادة لحمة الجغرافيا الفلسطينية وهذا سيبقي الحالة الفلسطينية دائمًا في مهب الريح، وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية من الوجود، وقد يكون ذلك في حكم الأمر الواقع المستدام.

فالشرعية الدولية من الصعب التلاعب بها، هناك الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأحد افرازات هذه الشرعية هو السلطة الفلسطينية التي منذ نشأتها عملت في إدارة الشأن العام الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وخضعت للأنظمة والقوانين الفلسطينية. وهي التي يمكن الاعتماد عليها وعدم خلق أجسام جديدة تبقى في مهب الريح وتحت التأثير الاحتلالي الإسرائيلي. وهنا أود أن أطالب السيد الرئيس محمود عباس بإعادة تعيين المحافظين الذين هم ممثلي الرئاسة الفلسطينية ويشكلون رمزية وجود السلطة الفلسطينية ووحدة الجغرافيا الفلسطينية، وإعادة تنشيطهم لإدارة الشأن العام الفلسطيني. أما الحكومة الفلسطينية فهي حكومة الشرعية الفلسطينية والتي ستبقى الضامن الوحيد للتعامل مع وحدة الجغرافيا الفلسطينية وتقدم الخدمات للشعب الفلسطيني أينما تواجد على أرضه ووطنه أو في الشتات، ولا توجد أي ضرورة لإنشاء أجسام ولجان جديدة تفاقم من معاناة الفلسطينيين، ويجب على من يسوق لها أن يفهم أسباب عدم قبولها.