بقلم: سامي أبو سالم

لا ثلاجة الموتى، ولا أرضية الغرفة الموضوعة فيها بمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح جنوب قطاع غزة، تتسعان للعدد الكبير من جثامين الشهداء الذين تحولوا لكومة من اللحم المتفحم، بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، التي أطلقها الطيران الحربي على قطاع غزة خلال الساعات الماضية.

بما تيسر من أكياس وبطانيات لف الناس جثامين 25 شهيدًا من أحبائهم من نساء ورجال وكبار في السن وشبان يافعين سحقت أجسادهم بالصواريخ، بينهم 6 شهداء من عائلة أبو لبدة منهم: الطفل محمد (6 أشهر)، وهبة (5 أعوام) وحسن (7 أعوام)، لف هؤلاء الأطفال في البطانيات ذاتها التي كانوا يلتحفون بها لتقيهم البرد في نومهم.

صباحًا، تكشف حجم الجريمة التي ارتكبها الاحتلال تحت جنح الظلام، أسرة أبو لبدة مسحت من السجل المدني بفعل الصواريخ، حيث انهال ركام المنزل المستهدف على رؤوس أفرادها وهم نيام.

يقول المواطن محمد أبو منديل: عند الساعة العاشرة مساءً شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على المنزل وقتل العائلة.

ويضيف: هرع الجيران والمتطوعون ونقلوا رجلاً وامرأتين من عائلة أبو لبدة، كانوا مقطعين أشلاء وغارقين بالدم، واستمر البحث عن ثلاثة أطفال منهم رضيع لا يتجاوز من العمر ستة أشهر، وبعد بحث مضنٍ استمر ساعات بالمعدات البدائية تم إيجادهم متفحمين.

في صورة أخرى من صور الفاجعة التي يعيشها قطاع غزة منذ عام ونيف، حيث وفي المستشفى ذاته يبكي الزملاء الصحفيون الزميل عمرو الديراوي، الذي استشهد مع والديه وشقيقه الأصغر كرم، في غارة جوية، استهدفت منزلهم في قرية الزوايدة وسط القطاع، جاء ذلك بعد ساعات من أدائه صلاة الجنازة على جثمان شقيقه محمد الذي استشهد برفقة ثمانية مواطنين على الأقل في غارة استهدفتهم على شارع صلاح الدين في القرية ذاتها.

وفي غمرة البكاء تلك، انشغل أقارب عائلة الديراوي في البحث عن أكفان ليتم لف أجساد شهداء العائلة بها، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل. لقد نفدت الكمية لكثرة أعداد الشهداء، ما اضطر الناس هناك لاستخدام الأكفان البلاستيكية.

وفي مشهد آخر في مستشفى شهداء الأقصى، اقترب الشاب محمد اللداوي النازح من شمال غزة نحو جنوبها، صوب جثمان أحد الشهداء، وكشف عن وجهه بحثًا عن صديق له لكنه لم يكن هو، يقول: إنه يواصل منذ ساعات البحث عن صديقه، وكل محاولاته باءت بالفشل، ليغادر المستشفى نحو الشوارع وأماكن أخرى عله يجده.

وفي زاوية ثانية، وضع جثمان لرجل وإلى جانبه طفل يقدر الأطباء أن عمره لا يتجاوز العشرة أعوام، لم يتعرف عليهما أحد، وبقيا على هذا النحو بانتظار أن يجدهما أحبائهما.

ومنذ فجر يوم الجمعة، قتلت طائرات الاحتلال ما يزيد على مئة شهيد، فيما يقترب عدد الشهداء الذين ارتقوا منذ بدء العدوان على قطاع غزة من 46 ألفًا، غالبيتهم من النساء والأطفال.