إن محاولة إعادة ترتيب موازين القوى ورسم خريطة سياسية مختلفة للمنطقة على أساس الهيمنة الاستعمارية الصهيونية اقتضت كل هذه المشاركة الغربية خاصة الأميركية في العدوان على شعوب المنطقة من أجل اضعاف أي قوى قد تشكل عقبة أمام تلك الهيمنة الصهيونية، كانت المشاركة بالحماية في المؤسسات الدولية حينًا وبالتدخل المباشر عبر الجسور الجوية والبحرية لنقل الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل في كل الأحيان غير آبه بتحذيرات المؤسسات الدولية بأن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية، فالشرق الأوسط الجديد ليس هدفًا إسرائيليًا جديدًا.
وقف بيبي نتنياهو على منصة الأمم المتحدة حاملاً خريطتين شملت الأولى مناطق تكتسي باللون الأخضر للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وضمت مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن، أما الخريطة الأخرى فقد شملت مناطق صبغت باللون الأسود، وسماها نتنياهو "الملعونة"، وضمت إيران وحلفاءها في المنطقة؛ سوريا والعراق واليمن وكذلك لبنان.
ومن أجل إنجاز مشروع الشرق الأوسط الجديد فتحت إسرائيل في آن واحد معارك متفاوتة على كل الجبهات المشار إليها باللون الأسود في الخريطة الثانية حيث تزامن مع عرض الخرائط والحرب الضروس التي تُشن على كل الجبهات، التصريحات المتطرفة داخل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، مما آثار مخاوف البعض من التطلعات التوسعية نحو ما يُعرف بإسرائيل الكبرى وفي هذا السياق حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الطموحات التوسعية الإسرائيلية وقال: سيطمعون في أراضي وطنناً بين دجلة والفرات ويعلنون صراحة من خلال خرائط يلتقطون الصور أمامها أنهم لن يكتفوا بغزة.
وأمام التطورات على جبهة الشمال خاصة ما له علاقة بإضعاف قدرات حزب الله إلى أقصى حد ممكن ونشر قوات إسرائيلية في الجنوب على مساحات تعدت كثيرًا أماكن تواجد هذه القوات عشية اتفاق الهدنة مما قد يُحول تواجد هذه القوات إلى تواجد دائم قد يصل مستقبلاً إلى نهر الليطاني. ما الجزء الآخر من الجبهة الشمالية والمرتبط بسوريا فإن تسارع الأحداث وسرعة سقوط الدولة السورية أعطى نتنياهو فرصة ذهبية سمحت بصيد ثمين تمثل في تدمير الجزء الأكبر من قدرات ومقدرات الجيش السوري حيث شنت إسرائيل مئات الغارات الجوية التي دمرت خلالها المعدات التي امتلكها الجيش السوري على مدى عقود، من جهة أُخرى وأثناء انشغال العالم بما يحصل في دمشق توسع الجيش الإسرائيلي في مناطق جنوب سوريا خاصة الجولان مما جعل دمشق العاصمة ساقطة عسكريًا.
وهكذا تكون إسرائيل قد حيدت جبهتين رئيسيتين وأضعفت الجبهة الثالثة وهي قطاع غزة إلى أبعد الحدود عبر القتل الممنهج والتدمير المدروس للمباني والبنى التحتية مما سيعقد إعادة الحياة الطبيعية إلى غزة في حال التوصل إلى هدنة بغض النظر عن نوعها وهنا سيكون أهل غزة أمام خيارين، إما الموت من الجوع والأوبئة أو الهجرة الطوعية في ظاهرها والقصرية في جوهرها.
أما في الضفة الغربية فإن إسرائيل لا تخفي نواياها بشأن تمديد مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية وأعلنت وبشكل صريح عن نيتها مضاعفة عدد المستوطنين إلى مليون معتمدين على وعود لمريم أديلسون من قبل دونالد ترامب تسمح لإسرائيل بضم مساحات من الضفة الغربية ويشار إلى أن هناك عدد من الوزراء في الحكومة اليمينية الإسرائيلية لا يؤمنون بحل الدولتين غير آبهين باتساع رقعة الانتقادات العربية والدولية.
من جانب آخر وبعيدًا عن جبهات الصراع العسكري هناك جبهة لا تقل أهمية وهي جبهة التطبيع التي توقف قطارها نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حيث تمارس أميركا ضغوطًا على دول عدة أهمها السعودية للقبول بالتطبيع مع إسرائيل مقابل السماح ببناء مفاعل نووي سلمي ووعد أميركي إسرائيلي بتوفير حماية للسعودية أمام أي خطر خارجي إلا أن السعودية تصر على ربط التطبيع بإيجاد دولة فلسطينية وتجسيدها على الأرض.
ومن العقبات التي تواجه مشروع الشرق الأوسط ضمن الرؤيا الإسرائيلية الموقف المصري الذي عبر عن قدراتها العسكرية ومكانتها الدولية الذي سيمنع تنفيذ الشق المرتبط بالتوسع الإسرائيلي تجاه الأراضي المصرية، أما العقبات الأخرى فلا زال اليمن يشكل تهديد جدي للكيان من خلال ما تقوم به من مهاجمة العمق الصهيوني وصعوبة السيطرة على اليمن حيث فشل الغزاة عبر التاريخ في اخضاع الشعب اليمني.
أما سوريا فرغم الوضع الداخلي الصعب وتعدد الأجندات بين فصائل المعارضة فليس مضمونًا أن يبقى الوضع الذي أعلن عنه غير قائد سوري على ما هو عليه من حياد تجاه إسرائيل. فالشعب السوري الذي دفع الكثير لن يتوانى عن محاسبة أي متنازل عن الأراضي السورية المحتلة ثم إن الكثير من الفصائل قد تجد ضالتها في إيجاد حلفاء في العراق ولبنان وربما الأردن مما سيضع إسرائيل أمام محيد إسلامي معادي على عكس ما كان عليه وضع الأنظمة.
أما العامل الأهم في إفشال المشروع الصهيوني فهو العامل الفلسطيني الذي يتحدى في رفض التنازل عن فلسطين حتى في ظل الانقسام ومع ذلك فإن وحدة البرنامج الفلسطيني بما في ذلك إنهاء ظاهرة الفوضى والتعدي على القانون ضرورة قصوى لهزيمة مشروع طمس وإنهاء القضية الفلسطينية، وبما أن الوحدة الوطنية متعذرة فإن إيجاد برنامج مشترك مع كل مكونات الشعب الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى قاعدة برنامجها السياسي سيشكل الصخرة التي ستتحطم عليها كل المشاريع وأولها مشروع الشرق الأوسط الجديد وإن بدى أنه يحقق تقدمًا ما.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها