ليست منظمة التحرير الفلسطينية فصيلاً من فصائل العمل الوطني، وليست ائتلافًا حزبيًّا أو جبهويًّا في إطار مؤقّت، إنَّها كيان فلسطين السياسي الذي انتزع بالكفاح الوطني المسلَّح اعترافَ العالم عربًا وأجانب، بوصفه الممثّل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، وبقدر ما هي كذلك، فإنّها الجامعة للكل الوطني الهادف إلى استرداد حقوق شعبنا كافة، وتحقيق أهدافه العادلة بدحر الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولته الحُرّة المستقلّة بعاصمتها القدس الشرقية، طبقًا والتزامًا ببرنامج العمل الوطني الذي أقرَّته المجالس الوطنية الفلسطينية، خاصةً مجلس إعلان وثيقة الاستقلال في الجزائر عام ثمانية وثمانين من القرن الماضي، الوثيقة التي بلورتها الانتفاضة الكبرى لشعبنا في ذلك الزمن.

ومنظّمة التحرير بقِيَم الروح الفلسطينية وأخلاقيّاتها النبيلة، وسيرتها النضالية وتاريخها الوطني الجامع، هي بيت فلسطين الآمن، من دخل إليه فهو في حمايته وفي عزّته وكرامته، ومَن خرج عليه لن يكون إلّا غريم نفسه وظالمها، حين يظلُّ واهمًا بيوتًا ليست له في تلك العواصم البعيدة، ولعلَّ الغرف الوحيدة التي يمكن أن تؤويه لبعض الوقت، وبعض الوقت فقط، هي غرف الخدم التي لن تكون هنا غير غرف التآمر والذل والمهانة، وهذه هي غُرَف الخطيئة التي لن تغسلها بحار العالم أجمع!!

"حماس" و"الجهاد الإسلامي" لا تريدان دخول هذا البيت، ولا الاعتراف به، رفضتا التوقيع على بيان موسكو لأنَّ منظمة التحرير الفلسطينية في متنه!!! لا بل إنَّ "حماس" بتصريحات قبيحة تدعو لإسقاط هذا البيت (!!) وليس من أجل منظمة جديدة، وإنَّما من أجل إقامة "مؤسّسة لا تضمُّ عبّاس وفريقه" كما كتب خليل الحية بقلم مدير مكتبه على صفحته في "الفيسبوك"!! ولأنَّ "فريق" الرئيس أبو مازن هو فريق فلسطين في بيتها الشرعي، فإنَّ "حماس" ومعها "الجهاد الإسلامي" لا تريدان هذا البيت، وإنَّما تدعوان اليوم لإقامة مجرَّد مؤسسة، لا منظّمة ولا حزب ولا حركة (!!) مؤسّسة حتّى لا يوحي هذا العنوان بأي هُويّة نضالية وطنية، وإنَّما هو العنوان الباحث عن هُويّة تقنية لمؤسّسة يحكمها مجلس إدارة بالتمويل الحرام، ولا شيء سواه لصالح ما يقرّر هذا المجلس الذي لن يخدم غير تمويله الاستثماري المناهض للمشروع الوطني الفلسطيني.

لكن على "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أن تعرفا جيّدًا، إنّ مَن لا يريد البيت الفلسطيني فإنَّ هذا البيت لا يريده أيضًا، لكنّه لن يُغلق أبوابه إذا ما عاد هؤلاء إلى الرّشد الوطني، لأنَّ بيت الجامعة الفلسطيني هو بيت الرحمة والحنو والتآلف وأهله هُم الذين يصلون الرّحم ويُكرِمون الضيف، ويحملون الخير لكلِّ الناس، ولو كان بهِم خصاصة.