لا نرى ارتباطًا بين الانتخابات الإسرائيلية وقرار (الكابينت) أي المجلس الوزاري المصغَّر لدولة الاحتلال بتجميد تسليم حكومة السلطة الوطنية حوالي خمسمائة مليون شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية، ذلك أنَّ للمشروع الاحتلالي الاستعماري الاستيطاني العنصري الإسرائيلي سياسة عملية هدفها الأول والأخير تبديد فكرة التحرر والاستقلال الوطني عند الفلسطينيين تمهيدًا لإخضاعهم وتحويلهم إلى مجرد أيدي عاملة مرتبط مصيرها بمصير دولة الاحتلال وبقوة اقتصادها.

قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي البدء بتنفيذ قانون اقتطاع وتجميد الأموال التي تدفعها الحكومة الفلسطينية لعائلات الشهداء وللأسرى كمخصصات قانونية واجبة، ليس انعكاسًا لجوهر وكينونة (السرقة والقرصنة) كمنهج عملي يتبعه نظام إسرائيل السياسي منذ إنشاء أول تنظيم يهودي إرهابي مسلح حتى اليوم وحسب، بل انعكاسا طبيعيا لمنهج الدولة الاستعمارية الحاضنة لإسرائيل في كل مرحلة، لذا فمن البديهي أن يشرع كنيست ما يسمونها هم (الدولة اليهودية) سرقة مال عام للفلسطينيين، بالتزامن مع إقدام رئيس الادارة الأميركية دونالد ترامب على "سرقة أموال الشعب الأميركي" حسب وصف مجلس النواب الأميركي لإعلان الطوارئ الذي وقعه ترامب رغم معارضة ممثلي الشعب الأميركي.. واقتطاع القدس عاصمة فلسطين التاريخية والأبدية وتقديمها كعاصمة لأعتى نظام عنصري استعماري احتلالي متمرد على القانون الدولي شهده العالم في المئة عام الماضية، قرار الكابينت هو في وجهه الآخر انعكاس لمنهج تشريد وتهجير وإحلال واحتلال استعماري طبقه الغزاة المستوطنون المستعمرون البيض في القارة الأميركية، حيث تمكَّنوا بوسائل دموية من القضاء على مواطنيها الأصليين (الهنود الحمر)، ونعتقد في هذا السياق أن أحفاد الغزاة الأوائل لفلسطين يأكلهم الندم الآن، لأن الذين سبقوهم في الغزو قبل نحو تسعين عامًا وحتى إعلان إنشاء إسرائيل في العام 1948 قد تركوا الفرصة لمليون فلسطيني بالهجرة ولم يقتلوهم على عين المكان !! لكنهم يسعون مع ادارة ترامب على تصفية قضيتهم (اللاجئين الفلسطينيين) تمهيدا لشطب ما تعداده نصف عدد الشعب الفلسطيني (5,256,321) بالتوازي مع مؤامرتهم لشطب منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لهم ولكل الفلسطينيين الصامدين على ارض وطنهم فلسطين .. فالغرض هنا إبقاء الفلسطيني رقم بلا هوية ولا وطن ولا أرض ولا عنوان، وهذه بحد ذاتها اكبر جريمة سرقة في التاريخ، تتفوق على جريمة إبادة الهنود الحمر التي تمت في زمن الهيمنة والغزو وتثبيت السيطرة بالسلاح وسفك الدماء الآدمية، فالفلسطيني المحروم من العودة إلى بيته وأرضه وأرض أجداده في وطنه التاريخي يقتل في اليوم الف مرة، في زمن تبوء شرائع وقوانين حقوق الانسان صدارة الشرائع والقوانين في العالم، وهنا يكمن الخطر الجاثم ليس على الشعب الفلسطيني وحسب بل على كل الشعوب المحبة للسلام التي قد تجد نفسها ضحية أيضا، اذا سمح العالم بمرور سياسة ترامب ونتنياهو الاستعماري العنصري والتمرد على شرائع وقوانين حقوق الانسان !..فالدول المستخدمة للدين لشرعنة جرائمها ضد الانسانية وتبريرها لن تكف عن استحضار انماط (همجية) وتطبيقها حتى لو كان ثمن ذلك السلام وألمن في العالم والمثال الحي على ذلك (دولة إسرائيل اليهودية) كما يحبون هم ذاتهم تسميتها!

يضغطون على القيادة الفلسطينية ويحاصرونها ماليا وسياسيا لاعتقادهم بقدرتهم على اخضاع قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، واستدراجها إلى بيت الطاعة ونيل صك التنازل عن القدس ومبدأ انجاز الاستقلال في دولة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، كما فعلوا ونجحوا مع جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى (حماس)، كما نجحوا مع الجهاد الإسلامي ولكن ليس مباشرة، وإنما عبر إيران حيث يأتيها كل الدعم المادي لتعزيز موقفها وموقف حماس الرافض للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، ما يسهل عليهم حسب خططهم عملية تطويق المنظمة وتفريغها من مضمونها كحركة تحرر تمثل كل الفلسطينيين بغض النظر عمن يشارك او لايشارك في هياكلها التنظيمية (مؤسساتها)، ثم يتفرغوا للانقضاض على الوطنيين فيها المحاربين من اجل حماية القرار الوطني الفلسطيني المستقل ومنتهجي السياسة الواقعية العقلانية التي تتأذى منها إسرائيل، قبل ان تتعرض حماس والجهاد وكل من رهن نفسه لأجندات خارجية للانكماش والجفاف بعد سد حنفيات الدعم الخارجي تماما، ولكن مع الإبقاء عليهما دون مستوى التأثير بضمان التفوق العسكري لجيش الاحتلال واتخاذ نشاط وشعارات وبيانات حماس والجهاد حججا وذرائعا يطرحونها أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي لتبرير إدامة العدوان والحصار على قطاع غزة، وإبقاء إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة في الضفة بما فيها القدس مع غزة في حكم المستحيل .

لا نستغرب إقدام حكومة الاحتلال الإسرائيلي على اقتطاع الأموال المخصصة للأسرى وذوي الشهداء من مال الشعب الفلسطيني، بينما تضغط على مطبعين عرب معها لتمرير المال إلى حماس تحت إشرافها، لكن سيكون مستغربا ألا يعي فلسطيني معني بالتحرر من الاحتلال أبعاد المؤامرة، فكل ما يحدث يجري في وضح النهار وفوق الطاولة، ونعتقد أن الشعب سيعتبر كل من لا يفكر ويعمل بقرار وطني ومسئول على قلبها فوق رؤوسهم خائن وشريك في جريمة العصر.