خامسا جاء في المادة ال (28) "تتمسك حماس بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الفلسطينية." هذه المادة تتناقض مع الواقع جملة وتفصيلا. لإن حماس ترفض القبول بالآخر، ولا تؤمن بالتعددية ولا بالشراكة السياسية. ولو كانت فعلا تتمسك بأي من المعايير آنفة الذكر لكان الوضع في الساحة الفلسطينية مختلفا تماما. ولقبلت حماس فعلا لا قولا بحكومة التوافق الوطني، ودفعت بعربة المصالحة الوطنية قدما للإمام. فضلا عن ذلك، عن اي تعددية تتحدث حماس، وهي تمارس سياسة تكميم الأفواه، وتقوم على مدار الساعة باعتقال كل مخالف لها بالرأي والتوجه. ولعل الإستدعاءات والإعتقالات الجارية للإعلاميين وابناء حركة فتح اليومية، التي بلغت أمس الذروة حيث تم إعتقال ما يزيد على 500 مناضل من حركة فتح، فضلا عن التحذير بإطلاق الرصاص الحي على اي نشاط لفتح لدعم اسرى الحرية المضربين عن الطعام .. إلخ  تؤكد هذه المعطيات رفضها المبدئي لما تقدم. سادسا في المادة ال(30) تؤكد حماس على "ضرورة بناء المؤسسات والمرجعيات الفلسطينية على اسس ديمقراطية سليمة ... وفي مقدمتها الإنتخابات الحرة والنزيهة .." هل ما حملته الوثيقة يرتبط بالواقع. ويعكس سياسات حركة حماس على الأرض؟ وإذا كانت كذلك، لماذا رفضت المشاركة بالإنتخابات المحلية المقرة في ال13 من هذا الشهر؟ وعن اية إنتخابات تتحدث؟ بالتأكيد ما ورد لا يتماثل لا من قريب او بعيد مع ما يجري على الأرض. ولماذا ترفض تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني؟ قد يقول البعض، إن في هذا الطرح "تعجل" و"إستباق للإحداث"، لاسيما وان الوثيقة نشرت بالأمس؟ وماذا عن التطور الملازم لمخاض بلورة الوثيقة، التي يجري الإعداد لها منذ اربع اعوام خلت؟ ألآ يفترض ان يكون هناك تناسب بين هذا الحوار وترجماته على ارض الواقع، كتمهيد له، ويُّحضر الأرضية الحزبية والشعبية لما تحمله الوثيقة. وهل يفترض ان يأتي التغيير بعد الإعلان عن الوثيقة أم يسير معها بالتوازي الإيجابي؟ النتيجة المنطقية، تشير إلى ان حماس لا تؤمن بالإنتخابات ولا بأي ملمح من ملامح الديمقراطية. لإن الديمقرطية وتطبيقها في الواقع له إستحقاقات عملية في المجتمع. أين حماس من تلك الإستحقاقات؟ وبالتالي ما ورد في المادة لا يعد أكثر من لغو لا أساس له في ممارسات وسلوكيات ومواقف الحركة. سابعا تقول المادة (32) في الوثيقة، أن حماس تؤكد "على ضرورة إستقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وعدم إرتهانه لجهات خارجية." من الواضح أن حماس تتناقض عمليا مع ما ورد في المادة. لإنها رغم عدم إيرادها لنص واضح عن إلتزامها التام بمرجعية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي إعتبر مشعل، ان حماس جزء من مدرسته، إلآ انها مازالت أسيرة هذه الجماعة. ولم تفك اواصر روابطها معه. وما حملته المادة، لا يعكس الحقيقة. ولتأكيد ما تقدم نستشهد بعدد من التصريحات لقيادة حماس والإخوان المسلمين، فيقول مشعل في لقاء مساء الثلاثاء مع التلفزيون العربي:" نعمل منذ عام 1987 تحت إسم حركة حماس. فكرنا ضمن المدرسة الإخوانية، وهي مدرسة الإعتدال والوسطية (غير صحيح) وهذا كان ولا زال." لا اعتقد ان الفقرة تحتاج إلى تعليق او تعميق، فهي تشرح نفسها بنفسها. ايضا يقول القيادي الإخواني، محمد الجوادي، الذي يعتبر رئيس حكومة المنفى للإخوان عن الوثيقة، "إنه لم ير في التاريخ السياسي وثيقة تتمتع بمثل هذا القدر من الوضوح والإنضباط مثلما ظهرت به وثيقة حماس." اي ان الوثيقة عكست عمق الروابط بين حركة حماس والتنظيم الدولي للإخوان، وتعكس إنضباطا أثلج قلوب قادة الجماعة حيثما كانوا.أضف إلى أن حماس لم تسقط إجندتها العربية والإقليمية. وبالتالي عن أي إستقلالية للقرار الفلسطيني في ظل إرتهانها للقوى المذكورة؟ ولماذا لم تتخذ مواقف تتناسب مع ما جاء في المادة، ولم تعمل لتعزيز إستقلالية القرار الوطني بالإندماج في منظمة الحرير الفلسطينية، الإطار الجامع للكل الفلسطيني، وفق ما جاء في الوثيقة؟ وما هي معايير الإستقلال للقرار الفلسطيني؟ النتيجة الواقعية لما حملته المادة، هي شكل من اشكال الألتفاف على الواقع، وتضليل للآخر الفلسطيني، وضحك على الدقون. لإن هناك بون شاسع بين ما ورد وبين الواقع المعطي على الأرض.
مما لا شك فيه، ان المرء كان ومازال يمني النفس، بإنتقال حركة حماس خطوة إيجابية للإمام ترمم من خلالها الجسور مع الكل الوطني، وتنفض الغبار والبؤس والتشرذم، الذي تعيشه الساحة الفلسطينية منذ الإنقلاب الأسود على الشرعية الوطنية قبل عشرة أعوام خلت. غير ان التمني شيء والواقع المعاش شيء آخر. حيث يعيش ابناء فلسطين في محافظات الجنوب ظلما وسحقا مضاعفا نتيجة سياسات وإنتهاكات وضرائب وإعتقالات ميلشيات حماس، وسياسات التخوين والتكفير، التي تضاعفت عشية الإعلان عن الوثيقة، ومازالت هذه السياسة وتعابيرها قائمة على قدم وساق. وبالتالي هناك فرق عميق بين ما كانت عليه حركة فتح وفصائل العمل الوطني في 1974، وما تلاها من تطور في الفكر السياسي الفلسطيني، وبين حركة حماس. وهذا ايضا يؤكد عليه مشعل بالقول، تجربتنا ليس تكرارا لتجربة فتح لا بالشكل ولا بالمحتوى. واعتقد جازما انه اصاب كبد الحقيقة، ورد على المتهافتين، الذين حاولوا الربط بين تطور حركة فتح وحركة حماس، وكأنهم شاؤوا مغازلة حماس كيفما كان، لمجرد إسترضاءها ودون وجه حق.إذا يخطىء من يعتقد ان هناك تشابها بين الكل الوطني وبين حماس.