بقلم: جمال قشمر

خاص -مجلة القدس العدد السنوي 333

عقدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" مؤتمرها السابع على أرض الوطن في رام الله وفي المقاطعة داخل قاعة المغفور له "أحمد الشقيري" في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 2016م. اختارت حركة "فتح" هذا التاريخ باعتباره يوم "التضامن العالمي" مع الشعب الفلسطيني، لذا حشدت له كل هذا الحضور الدولي والعربي والصديق، دولاً وأحزاباً، عدا عن الحضور الفلسطيني فصائل وشخصيات، وبمشاركة "حركة الجهاد الاسلامي"  وحركة "حماس" التي كان لرئيسها خالد مشعل كلمة ألقاها بالنيابة عنه أحد قياديها.

جاء مؤتمر "فتح" السابع متأخراً عن موعده سنتين وبضعة أشهر، وهذا يطرح اشكالية عن مدى وضرورة احترام الاستحقاقات التنظيمية والديمقراطية سواء كانت قاعدية أم قيادية!! وفي هذا الأمر يجب أن لا نكتفي بالقول: "أن ينعقد المؤتمر متأخراً خير من أن لا ينعقد" ذلك أن الديمقراطية وتداول المسؤولية واحترام شرعية الأطر والتفويض المعطى لها ليس تفصيلاً في حياة أي تنظيم سياسي، بل أساس من الأسس التي ترتكز عليها الحياة الديمقراطية والعلاقات الداخلية، مع معرفتنا وتقديرنا لصعوبات وتعقيدات الظروف والأوضاع الجغرافية والسياسية والأمنية للوضع الفلسطيني وتداخلاته.

ان اختيار "فتح" مدينة رام الله داخل أرضنا المحتلة لعقد مؤتمرها، سبقته نقاشات تناولت خيارات ثلاثة: أ- الكونفرانس (داخل- خارج): إذا تعذر اللقاء في مكان واحد. هذا الخيار يحمل سلبيات لا ينكرها أحد، لأنه لا يتيح فرصة اللقاء والتفاعل والتشاور بين مكونات المؤتمر.

ب- في الخارج: أي في احدى الدول العربية أو في ضيافة جامعة الدول العربية. هذا الخيار لا ضرورة له في ظل الانقسامات العربية، وما يمكن تفسيره من الذهاب إلى هذه الدولة دون تلك. فضلاً عن محاذير لا داعي لتعدادها.

ج- في الداخل: فوق أرضنا، وفي ظل سلطتنا الوطنية.

هذا الخيار كان تعبيراً عن ارادتنا في التشبث بأرضنا، وبناء كياننا الوطني، ورفض المقولة عن قدرة العدو في التأثير على قراراتنا وتوجهاتنا في ظل حرابه واحتلاله. وهذا الخيار أكدت عليه اللجنة المركزية لحركة "فتح" في اجتماعاتها الأخيرة، وعمل الأخ الرئيس أبو مازن على تذليل العقبات أمامه حتى لا تتكرر تجربة المؤتمر السادس بمنع اخواننا في غزة من المشاركة خاصةً وأننا أكدنا في كل المناسبات أنه لا مؤتمر دون مشاركة غزة.

وهكذا نجحت "فتح" في عقد مؤتمرها في مكان واحد، في مدينة رام الله، وفي قاعة واحدة احتضنت المؤتمرين والضيوف، القادمين من كافة أنحاء الوطن والشتات، وكان الحضور كاملاً، باستثناء من حالت ظروفهم الصحية، والأخوة من الأردن، والبعض الذين لم يمنحهم الاحتلال تصريحاً.

استمر المؤتمر أسبوعاً تقريباً، فكانت كلمات لدول وشخصيات صديقة، أكدت على حقنا ووقوفها معنا. وكانت للرئيس أبو مازن كلمة طويلة شاملة معبرة، قوبلت بتصفيق لم تشهده حركة "فتح" من قبل، وهو أمر حاول البعض الغمز منه، والبعض الآخر أعاد التذكير بالرئيسين الراحلين حافظ الأسد وصدّام حسين وما يعنيه هذا التشبيه. نسي هؤلاء أن هذا التصفيق هو رسالة للأقربين والأبعدين، للأصدقاء والأعداء، وكل من استهدف الرئيس وما يعنيه هذا الاستهداف لثباته وصلابته في حماية الحقوق الوطنية  للشعب الفلسطيني وقرارنا الوطني المستقل، وهو استهداف أيضاً لـ "فتح"  ومشروعها الوطني ودورها وقرارها، فكان من الطبيعي أن نشهد هذا الالتفاف وهذه الحفاوة وهذا العصب الذي يشتد دائماً عندما تستشعر "فتح" خطراً عليها وعلى قضيتها وديمومتها هكذا كان الأمر في المؤتمر الرابع في دمشق وردت فتح بـ "غلابة يا فتح.. يا ثورتنا غلابة".

وفي المؤتمر السادس في بيت لحم عندما استشعرت بالخطر على وحدتها ونجاح مؤتمرها فارتفع الهتاف "أنا ابن فتح ما هتفت لغيرها"، ويتكرر الأمر اليوم وان بشكل مختلف. إذا كنا نفهم هذا الكم من التصفيق في هذه اللحظة السياسية والرسالة التي بعثتها إلا أننا كمناضلين نعلم تماماً أن فتح والرئيس يحتاجان لأيدينا للمساعدة وحمل المسؤولية الثقيلة والأمانة الغالية، أكثر بكثير من التصفيق، واجزم أن هذا معدن فتح ورئيسها وقادتها وأبنائها، ويقيني أن الأيدي التي تجيد التصفيق وتمتهنه لا تجيد القبض على الجمر.

انعقد المؤتمر السابع، في ظل ظروف سياسية صعبة ومعقدة، إذ فشلت الجهود الدولية في ايجاد حل لقضيتنا خاصة بعد أن استفردت الولايات المتحدة ونجحت في تهميش دور الرباعية الدولية، والمفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية توقفت منذ وقت طويل نتيجة التعنت الاسرائيلي وتحويل المفاوضات إلى هدف بحد ذاته، والاستيطان يزحف على مزيد من المساحات من أرضنا، والمستوطنون تضاعفت أعدادهم عدة مرات، ومحاولات مستمرة في وضع اليد على القدس وتقسيم المسجد الأقصى مكانياً وزمانياً، وأعمال القتل والحرق والاعتقال تتصاعد دون توقف، والسلطة الوطنية لم تتحول إلى دولة وصارت سلطة بلا سلطة، وحلم ومشروع الدولة الفلسطينية على أراضي الـ 67 وعاصمتها القدس يتلاشى، والوضع الفلسطيني الداخلي يتسم باستمرار الانقسام مع فشل كل المبادرات والمشاريع للمصالحة وإعادة اللحمة الداخلية. أمَّا الوضع العربي فأقل ما يقال فيه أنه مستمر في سياسة "الانتحار الذاتي" وتدمير المقدرات الاقتصادية والعسكرية والبنى الاجتماعية مما يجعل اسرائيل هي الدولة الأقوى في منطقتنا والمستفيد الأوحد مما يجري في أوطاننا.

أما الوضع الدولي فأبرزه سياسة أمريكية أكثر انحيازاً لإسرائيل عبَّر عنها الرئيس الأمريكي ترامب بالتأكيد على قرار أمريكي بنقل السفارة إلى القدس الشرقية، والمبادرة الفرنسية بعقد مؤتمر دولي في باريس مطلع العام القادم دونها الكثير من العراقيل.

وسط هذه المعطيات ناقش المؤتمر أوراقه الثلاث: 1-  التقرير السياسي. 2- النظام الداخلي. 3- برنامج البناء الوطني. وبالختام جرى انتخاب الهيئات القيادية للمجلس الثوري واللجنة المركزية وكان قد اختار الرئيس أبو مازن رئيساً في بداية المؤتمر ولاحقاً زكَّى  ثلاثة من القادة المؤسسين في اللجنة المركزية وخارج التنافس وهم: 1- الأخ فاروق القدومي (أبو اللطف) 2- الأخ أبو ماهر غنيم 3- الأخ سليم الزعنون (أبو الأديب). وكان ذلك اشارة تعبر عن الاحترام والوفاء من أعضاء المؤتمر للأخوة الذين أفنوا حياتهم في خدمة "فتح" والقضية الفلسطينية. كما أصدر المؤتمر في ختام أعماله البيان الختامي.

أكدت فتح في بيانها أنها ما زالت حركة تحرر وطني، وأن هدفها إقامة دولة مستقلة على حدود الـ 67 وعاصمتها القدس، وأن "المقاومة المشروعة" حق لها لتحقيق هذا الهدف. وأكدت أن لا دولة دون غزة، وحق العودة بموجب القرار 194، وحيَّت شعبنا في أراضي ال 48 وحمايتهم للهوية الوطنية ونضالهم من أجل العدالة والمساواة. كما أكدت على البعد القومي للقضية الفلسطينية مع رفض التدخل في شؤوننا الداخلية. ورسمت خط التحرك للمرحلة الحالية والحصول على عضوية كاملة، والانضمام إلى كافة المؤسسات الدولية، وأبدت دعمها للمؤتمر الدولي الذي تسعى إليه باريس والذي تحدد منتصف الشهر الأول من السنة القادمة، كما أكدت على قضية الأسرى وحريتهم، والقدس ومكانتها، والحوار والتواصل مع المجتمع الاسرائيلي، ورفضت كل أشكال التطرف، وتضامنت مع المملكة السعودية في رفض قانون جاستا"، ومع مصر في مواجهة الارهاب.

وكانت فتح أشارت في مقدمة بيانها إلى حرصها على الوحدة الوطنية والتصدي للانقسام والعمل على تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.

أنهت فتح جهادها الأصغر، وبقي عليها الجهاد الأكبر لمواجهة الاحتلال ومشاريعه وجعل الاحتلال مكلفاً كي يضطر العدو الجلاء عن أرضنا، لذا دعت فتح إلى "تنظيم متعافٍ" مستند إلى قواعد النظام الداخلي، وهذا التنظيم وحده القادر على الفعل والحركة والمقاومة التي حدد المؤتمر شكلها ومضمونها بـ "المقاومة الشعبية".

وهنا  دعا إلى تعزيز دور "المرأة والشبيبة" مما يستدعي تعديلات في النظام الداخلي تسمح بضخ دم جديد في أطرنا ومواقعنا تكون قادرة على الحضور في الميدان.

ثمة قضية تحتاج أيضاً إلى مزيد من الجهود، وهي علاقاتنا العربية، وإذا كان المطلوب عدم القبول بكل ما تدفع به هذه الدولة أو تلك، إلا أننا معنيون بفهم "دكتاتورية الجغرافيا" من جهة وعمقنا العربي من جهة أخرى.

أما على الصعيد الدولي، فقد أظهرت المعارك السياسية مكانة فلسطين وهذا الحشد الهائل من الأصدقاء، ولعل قرار مجلس الأمن الأخير بتجريم الاستيطان ووقوف 14 دولة معنا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت ما يؤكد ذلك لكن هذا سيدفع العدو إلى مضاعفة جهوده على المستوى الدبلوماسي وربما تعطيه الادارة الأمريكية الجديدة مزيداً من الدعم، لذا نحن معنيون بتعزيز علاقاتنا الدولية ونقاط الاشتباك السياسي والدبلوماسي مع العدو.

إنَّ كل ما تقدم يشير إلى حقيقة واحدة، إنّ فتح مدعوة بعد مؤتمرها السابع، معالجة نقاط الضعف، وتعزيز حضورها في مختلف الميادين. هذا قدر فتح.. وهذا قرارها.