دولة إسرائيل تمضي قدما بخطى حثيثة نحو مستنقع العنصرية دون تردد، ودون التفات للخلف او للامام قليلا لرؤية الابعاد والتداعيات الناجمة عن ذلك المسار، ودون ان تفكر بمستقبل المجتمع الاسرائيلي نفسه. لا احد ينكر، ان في دولة إسرائيل كفاءات علمية وسياسية، ومراكز ابحاث متقدمة وقادرة على استقراء الواقع والمستقبل. لكن على ما يبدو ان تلك الكفاءات والمراكز البحثية، أما انها لا تستشرف المستقبل بشكل دقيق او انها باتت أسيرة المزاج الاسرائيلي العام المتجه بقوة نحو اليمين المتطرف او ان القيادة الاسرائيلية الحاكمة والمتغطرسة، لم تعد تأبه بما تقدمه تلك المراكز، لان العنصرية والغرور اعماها، فلم تعد تسمع او ترى إلا ما تريده وينسجم مع برنامجها، اي باتت كبقرة الساقية، التي يوضع بجانب عيونها ساتر من الجلد كي لا ترى شيئا آخر غير خط الحراثة المحدد لها. كما لم ينكر أحد في ثلاثينيات القرن الماضي، ان المانيا النازية، كانت تغص بالكفاءات ومراكز الابحاث، لكن القيادة النازية بزعامة هتلر، جيرت كل العلم والمعارف لخدمة اغراضها واهدافها النازية. اوجه الشبه متقاربة ان لم تكن متطابقة بين النازية الهتلرية ودولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، وإن وجدت فروق او تباينات، فانها تنحصر في خصائص كل دولة والشروط الزمانية والمكانية وانعكاساتها على واقع هذا المجتمع او ذاك.

آفي ديختر، وزير الامن وعضو الكنيست سابقا عن "كاديما"، ادلى بتصريح الاسبوع الماضي ينضح بالعنصرية، قال فيه: لتبك الف ام فلسطينية ولا تبكي ام إسرائيلية؟" الاسئلة التي يطرحها موقف رئيس جهاز الشاباك عديدة، وكل سؤال يحمل في طياته جوابا، منها: وماذا بعد بكاء الامهات الفلسطينيات؟ هل سينتهي بكاء الامهات الاسرائيليات؟ هل ستتوقف دورة العنف؟ وهل التغول العنصري الاسرائيلي ضد الفلسطينيين يحمل جوابا على خيار السلام؟ وإلى متى ستبكي الامهات الفلسطينيات؟ وألا تفتح العصا الاسرائيلية الغليظة (الارهاب) المجال امام ابناء الشعب الفلسطيني للدفاع عن دموع امهاتهم وارواح اشقائهم واحلامهم وطموحاتهم؟ وهل يعتقد ديختر وكاتس ونتنياهو ومن لف لفهم، ان اللغة الفاشية ستلجم إرادة البقاء والحياة عند الفلسطينيين؟ وهل يفترض قادة الائتلاف الحاكم ان واقع الحال الفلسطيني سيبقى على ما هو عليه؟ وألا يروا بأم اعينهم، ان الهبة الشعبية المشتعلة منذ مطلع اكتوبر 2015، جاءت ردا على فقدان الشباب الفلسطيني الامل بخيار السلام؟ وهل يعتقدون ان القيادة الفلسطينية، التي تحلت حتى الان بأعلى درجات المسؤولية، ستبقى تتعامل بذات الروحية؟ وإذا تمكن رئيس الوزراء نتنياهو ووزيره كاتس من تشريع قانون في الكنيست الأكثر يمينية بطرد عائلات الشهداء، هل سينتهي النضال عند هذا الحد؟ وهل يعتقدان ان الفلسطينيين سيرفعون الراية البيضاء امام حكومتهما المتطرفة؟ هل فكروا لمرة واحدة بالارتدادات الناجمة عن ذلك؟ وهل لديهما رهان على إمكانية استكانة وخنوع الشعب الفلسطيني لواقع الحال البائس والمذل؟ وألم يتعلموا من تجربة العقود الخمس الماضية، من ان الفلسطينيين لم يستسلموا ولن يستسلموا لمشيئة إسرائيل واميركا ومن لف لفهم؟

من السهل آفي ديختر، ان ترى دموع الامهات الفلسطينيات، ولكنك سترى مثلها وأكثر من دموع الامهات الاسرائيليات. ولن تحميك، ولن تحمي الامهات والمجتمع الاسرائيلي ككل اسلحة الموت الجرثومية والكيمياوية والنووية والتقليدية من ارادة الدفاع الفلسطينية عن الذات والاهداف الوطنية. لذا من الافضل لك ولنتنياهو وكاتس وبينت واريئيل الالتزام بدفع استحقاقات السلام والقبول باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194 بدل استمرار الامهات بالبكاء. فهل تتوقف إسرائيل وقادتها عن النضح من مستنقع العنصرية والنازية حتى لا تبك الامهات أكثر مما بكت؟