قبل اسابيع قليلة تعاطى الكثير مع التصريحات المعبأة بالكراهية التي أطلقها "دونالد ترامب"، الساعي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، بأنها مجرد كلام غير مسؤول لمرشح لن يذهب بعيداً في سباق الانتخابات الرئاسية، لكن الأيام الأخيرة اثبتت عدم صحة ذلك خاصة بعد اقتراع "الثلاثاء الكبير" الذي حقق فيه ترامب فوزاً في سبع ولايات من أصل 11 ولاية في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، التي تعتبر محطة مفصلية في السباق التمهيدي نحو البيت الأبيض، وبالتالي بات ترامب الأقرب إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، ولا يعني ذلك أن هيلاري كلينتون التي حققت هي الأخرى فوزاً في الانتخابات التمهيدية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي أنها أمام مهمة سهلة في مواجهة ترامب.

لم يكن تصريح ترامب المتعلق بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة هو الوحيد الذي يحمل كل معاني العنصرية، بل دعى إلى ضرورة الترحيل الجماعي للمقيمين غير الشرعيين في الولايات المتحدة إلى بلدانهم الأصلية، فيما الجارة "المكسيك" طالتها تصريحات ترامب العنصرية المليئة بالكراهية حين قال بأنه ينبغي تشييد جدار كبير جداً بين الولايات المتحدة والمكسيك في الوقت الذي اعتبر فيه أن الكثير من المكسيكيين المقيمين في أميركا هم من المجرمين ومغتصبي النساء، لا شك أن تصريحات ترامب العنصرية تثير القلق ليس فقط داخل الولايات المتحدة بل لدى العديد من دول العالم، لكنها بالوقت ذاته تجد ترحيباً من قبل الاحزاب اليمينية المتطرفة في تلك الدول.

في الوقت الذي يرى دونالد ترامب ضرورة اغلاق الولايات المتحدة أمام الهجرة وملاحقة المقيمين فيها، حقق رئيس وزراء كندا الشاب جاستن ترودو فوزا واسعاً في الانتخابات الكندية الأخيرة حين شيد حملته الانتخابية على قاعدة أنه كلما زاد التنوع في كندا باتت أكثر قوة، وهو الذي كان على رأس المستقبلين لفوج من اللاجئين السوريين، من الواضح أن الملياردير ترامب يريد أن يعتلي مقعد البيت الأبيض بطريقة مغايرة بالمطلق للتي وصل من خلالها جاره إلى سدة الحكم، لا يرى سوى الكراهية والعنصرية سبيلاً للوصول إلى البيت الأبيض.

لعل المهم هو ما قاله ترامب فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي فاجأ به الكثير وخرج به عن منظومة التقاليد في السباق نحو البيت الأبيض حين قال: إن أحد أهدافه التي يصبو إلى تحقيقها حال وصوله للرئاسة هو تحقيق السلام بين اسرائيل وجيرانها، وهو يعتقد بأن ذلك لا يمكن تحقيقه بتصنيف طرف بالخير والأخر بالشرير، ومن المفيد أن تلعب أميركا دور المحايد من خلال عدم تبني المفاوض موقف طرف ضد الآخر، في الوقت الذي أغدق منافسوه الولاء لدولة الاحتلال، حيث هاجمه منافسه السيناتور "ماركو روبيو" في المناظرة التلفزيونية التي سبقت اقتراع "الثلاثاء الكبير" قائلاً:عندما يتعلق الأمر بإسرائيل لا توجد منطقة محايدة، ولا يعني موقف ترامب هذا من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أنه سيتخلى عن دعم أميركا المطلق لدولة الاحتلال، حيث اكد مراراً أنه موال لها.

بالمقابل تم الكشف عن رسالة أرسلتها هيلاري كلينتون إلى الملياردير اليهودي "حايم طابان" ذكرت فيها أنها في حال تولت رئاسة الولايات المتحدة فإنها ستسمح لإسرائيل بقتل 200 ألف فلسطيني، من الواضح أن ما جاء بالرسالة ينسف جملة وتفصيلا ما قالته كلينتون سابقاً بأن نتانياهو عقبة أمام السلام، حيث بينت رسائل بريدها الالكتروني التي تم تسريبها مدى تعاطفها وتأييدها لدولة الاحتلال.

دوماً ما تم تجميد الدور الأميركي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي خلال ماراثون الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومن الواضح أننا أمام تنافس بين دونالد ترامب العنصري وهيلاري كلينتون صاحبة بلفور جديد بلغة الدم، وبالتالي بقدر ما علينا ألا ننتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بقدر ما علينا أن نرتب بيتنا الفلسطيني ونصنع مستقبلنا بايدينا.