ردَّاً على الرسالة التي وجَّهتها الإدارة الأمريكية ممثَّلة بوزارة الخارجية وبإيعاز من الكونجرس الأميركي لمكتب سيادة الرئيس أبو مازن للمطالبة بإقالة عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء سلطان أبو العينين على خلفية زيارته لعائلة "الزغل" لفلسطينية التي قتل ابنها مستوطناً، وتعقيباً على ما ورد في الرسالة الأميركية، أصدر اللواء أبو العينين تصريحاً جاء فيه:

لقد أثبت الأمريكيون بشكل لا لبس فيه ولا غموض أنهم ليسوا مع السلام، وانهم دائماً إلى جانب الاحتلال الذي يطبق على شعبنا الفلسطيني. إنه لامر مخجل بأن ترى الإدارة الأميركية مشكلةً بزيارة سلطان أبو العينين لعائلة تعيش في ظروف لا تتناسب والحياة الآدمية حيث الابوان  مقعدان وشاب مصاب بحالات تشنج يومية في منزل لا يُصلح لسكن البشر.

إن الاحتلال الإسرائيلي مسؤول عن مقتل المستوطن، لأنه يصر بأشكال ووسائل وأساليب متعدِّدة على الإيقاع بشقيق سلام في شباك التعامل، ولـمَّـا رفض مرات ومرات كان شقيق سلام على دراية فهدَّده الإسرائيليون بالثبور وعظائم الأمور، ولما رفض تم تهديده.

 لذلك كان من الطبيعي أن ينتقم سلام من الاحتلال الذي حاول أن يُدنِّس شرف هذه العائلة وانتمائها الوطني وكبريائها ومكانتها في المجتمع الفلسطيني.

للأسف فإن الاحتجاج الأمريكي لم  يرَ سوى زيارة سلطان أبو العينين وكأنها ذنب لا يُغتفر، في وقت تقوم فيه عجلات المستوطنين بقتل أطفالنا. ففي الأسبوع المنصرم، التهمت سيارات المستوطنين لحم ما يزيد عن ثمانية أطفال، ولم نسمع كلمة من الجانب الأمريكي حول هذا المسلسل الإجرامي للمستوطنين في أرضنا الفلسطينية.

وهنا أقول: أيعقل أن تكون زيارة سلطان أبو العينين لعائلة فلسطينية لأن ابنها قتل مستوطناً إسرائيلياً جريمة لا تُغتفر، فيما أكل لحمنا حياً من قِبَل المستوطنين مسألة لا تستحق النظر؟.

لذلك أقول لشعبنا الفلسطيني لا تراهنوا على الإدارة الأميركية التي تصر على ألَّا ترى الجرائم المنظَّمة للمستوطنين ولجيش الاحتلال الذي يهدم المنازل في مدينة القدس وفي كافة المحافظات، ويصادر الأراضي، ويقتل ويعتقل ويستبيح كل المحرمات، حيثُ لم تسلَم أية محافظة من اعتداءات المستوطنين على أماكننا المقدسة، ولم تسلَم محافظة من محافظات الوطن من التعدي اليومي على الأرض والحجر والبشر وكأن هناك مسلسلاً إجرامياً يومياً على ايدي قطعان المستوطين الذين تتم حمايتهم من قبل جيش الاحتلال.

انني ارى في الاحتجاج الأمريكي على الزيارة والمطالبة بطردي من "فتح" وإبعادي عن الأراضي الفلسطينية لهو تعبير عن مزيد من انكشاف الرعاية الامريكية لمشروع الاحتلال، إنها الوقاحة بعينها حيث أن الإدارة الأميركية كدابها في ادانة الضحية الفلسطينية ورعاية المشروع الاستيطاني الاسرائيلي والاهتمام بالمستوطنين الذين ينفذون جرائمهم اليومية بحق الانسان والارض في فلسطين. حتى انها لا ترى ولا تعترض إلا على الجانب الفلسطيني في أمر بديهي ووطني وأخلاقي كزيارة هذه العائلات بهدف مداواة جراحها والتخفيف من عذاباتها وآلامها وهذا حد أدنى من واجبنا الوطني تجاه شعبنا الفلسطيني.

هم قدَّموا وثائق زعموا فيها بالكثير، ولكنَّني أقول بأن قرارات الشرعية الدولية تُعطي لكل شعب احتلت أرضه الحق في مقاومة المحتل. فنحن ننفِّذ قرارات الشرعية الدولية المتعلِّقة بأرضنا الفلسطينية، لأن من حق أي شعب أن يقاوم الاحتلال بكل أشكال المقاومة. فهم يعتدون علينا ويقتلون أطفالنا ونحن علينا فقط أن نُشيِّع ضحايانا وشهداءنا يومياً ونبلع لساننا، ولكننا لن نصمت إزاء هذه الجرائم المنظَّمة بحق شعبنا الفلسطيني. فخلال الأسبوع الفائت تمَّ هدم عشرة مبانٍ التهمتها جرَّافات الاحتلال، فيما أصحاب هذه المباني يقفون على أطلالها وينظرون لمستقبل مجهول. وبالتالي لن نستغرب أن يأتي اليوم الذي لا نجد فيه فلسطينيين مقدسيين يعيشون في مدينتهم ويزورون مقدساتهم. لذا فسؤالي الآن موجَّه للعالمين العربي والإسلامي، هل نسيتم أن الله سبحانه وتعالى خصَّ بيت المقدس بأن أسرى إليه نبينا محمد (ص)، ومنه عرج إلى السماوات العُلا وصلَّى بالأنبياء جميعاً..فهذا ما سوف تسألون عنه يوم القيامة؟.

نحن كشعب فلسطيني نحمد الله بأننا في رباط على هذه الأرض نواجه المحتل الإسرائيلي بكل ما أوتينا به من قوةٍ، محاولين منع العدوان من تحقيق ماربه الاستعمارية.

نحن طلاب سلام، ولكننا لن نقبل سلام العبيد مهما قدَّمنا من تضحيات، فهناك 7 آلاف أسير في معتقلات الاحتلال، ويومياً يتم اعتقال العشرات دون أي أسباب أخلاقية أو قانونية. إن هناك استباحة لكل شيء، ودوس بالحذاء الإسرائيلي على كافة الاتفاقيات التي وُقِّعت. لذا أدعو السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير لأخذ قرارات جريئة وشجاعة لإعادة النظر بالوظيفة السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلِّقة بالجانب الإسرائيلي.

فلا يجوز أن يبقى دور السلطة كما كان قبل عشرة أعوام. حيث ان الجانب الإسرائيلي لم يُنفِّذ من هذه الاتفاقيات إلا ما يتناسب مع مصالحه. أمَّا مصلحة شعبنا الفلسطيني، فهو لا يتوانى عن دوسها بحذائه ولا يلتفت إليها أبداً.

لذلك أشدِّد على أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مطالَبةٌ بأن تُعيد النظر بكل الاتفاقيات التي وُقِّعت مع الجانب الإسرائيلي وبالالتزامات الأمنية والسياسية والاقتصادية للسلطة الوطنية الفلسطينية.

كما أنوَّه إلى أن هذه الهجمة ليست سوى محاولات ابتزاز للرئيس أبو مازن من اجل تقديم تنازلات سياسية، فالإدارة الأمريكية أيقنت وتيقَّنت بأن الرئيس أبو مازن لن ولم يقدِّم تنازلات سياسية لأنه يقف على الخطوط الحمراء وحريص على الثوابت الوطنية الفلسطينية. انه استهداف للقيادة السياسية في حركة "فتح" وللرئيس أبو مازن بموقعه رئيساً للحركة وللدولة ولمنظمة التحرير.

فكيري لم يأتِ إلينا بجديد، ولا بأي شيء يشجِّع على العودة للمفاوضات. لذلك أعتقد بأن الرئيس أبو مازن كان حاسماً بموقفه السياسي الثابت. وهنا أقول بأن كل شعبنا الفلسطيني يقف خلف رئيسه، ولن يقبل بالاعتراف بدولة يهودية، لأن ذلك يعني بأنني كلاجئ فلسطيني لا مكان لي في هذا الوطن، ويعني أيضاً بأن الفلسطينيين الذين تمسَّكوا بأرضهم منذ العام 1948 وحتى الآن، بمجرد قبولهم بدولة يهودية فهم سيكونون بصدد نكبة جديدة، ولن نقبل بذلك مهما تعرَّضنا للضغوط. ورغم أن هذه الضغوط السياسية تمارس بأشكال متعدِّدة ساعة بالرصاص، وساعة بتدمير المنازل، وساعة بجرف مزروعاتنا، وساعة بالاعتقالات، وبالتهديد بالثبور وعظائم الأمور، فموقفنا سياسي ثابت، لم ولن نقدِّم تنازلات سياسية ولن تبدل مواقفنا.

ولا بدَّ أن أعيد وأكرر أن الحد الأدنى من واجبنا هو التواصل الدائم مع شعبنا الفلسطيني والوقوف إلى جانبه، والتخفيف من عذاباته وجراحه. أمَّا إذا كان الأميركي يرى بزيارتي لهذه العائلة جريمةً، فهو شرف أدَّعيه إن زرت عائلة فلسطينية مناضلة ضد الاحتلال الذي الحق بها الاذى، وحاول تشويه صورتها بتوريط أحد أولادها، وما رفضُ الإذعان للوقوع بمصيدة الإسرائيليين إلا ردُ فعلٍ طبيعيٍّ من قِبَل ابنهم، لذلك اضع هذه الجريمة امام المجتمع الدولي الذي هو صاحب القرار القاضي بإعادة الحق لأي شعب تحت الاحتلال بما فيها مقاومته.

نحن طلاب سلام وسنبقى كذلك، لكن من حقنا أن نقاوم المحتل الذي يتفوَّق علينا بالآلة العدوانية. فلدينا إرادة البقاء في أرضنا، كما لدينا ثابت سياسي ولا يمكن أن نقدِّم تنازلات.

أجزم بأن القيادة الفلسطينية لن تعود إلى طاولة المفاوضات ما لم يلتزم الاحتلال بحدود الرابع من حزيران ووقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى بضمانات دولية.

 

اللواء أبو العينين