خاص- مجلة القدس- العدد السنوي 322 / حـوار: وسام خليفة
دخلت الهبّة الجماهيرية في فلسطين ضد الاحتلال الاسرائيلي شهرها الثالث، وفي خضم الأحداث هناك من يرى أن الهبّة في طريقها للإنتهاء وأن الموقف الرسمي والفصائلي لا يرقى للمستوى المطلوب وأن على الفصائل ان تكون فعّالة أكثر. للإجابة عن هذه التساؤلات وتقييم الوضع في فلسطين أجرت مجلة "القدس" حواراً مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء سلطان ابو العينين.
ما تعليقك على ما يقوله بعض المراقبين عن أن هدوء الأوضاع وخاصةً في القدس وغياب القيادة الشعبية الفاعلة عن المشاركة في الهبّة الشعبية من شأنه إضعاف قوة الهبّة وإنهائها؟
متوهّمون من يعتقدون أن الهبّة الجماهرية أو الحراك الشبابي قد يتوقّف او تنتهي مفاعيله لأن الأسباب التي أوجبت هذه الهبّة الجماهيرية لا تزال قائمة. فهي بالأصل وُجِدَت لأهداف محدّدة بعينها وهذه الأسباب لن تزول نظراً لما يجري في المسجد الاقصى وفي كل بقاع فلسطين، حيثُ تمعن إسرائيل بممارسة سلوك عُنصري ممنهَج لاغتيال حلم الاطفال الذين لم يُولَدوا بعد، وما يتم ممارسته يومياً مع شعبنا الفلسطيني هو المؤجّج لعواطف أبنائنا في الشارع والدافع بهم للبحث عن سكين، وبرأيي فهؤلاء الذين يبحثون الآن سكين، سيبحثون غداً عن بنادق وأسلحة في وجه هذا الارهاب. وإن كانت الهبّة قد تراجعت قليلاً في قوتها ووتيرتها فهذا لا يعني أنها توقّفت، بل هي تستعد لموجات من الغضب أشد ضراوة مع العدو الاسرائيلي، ونحن نتعلّم من الثغرات التي تقع هنا وهناك لأن هذا ما تفرضه علينا المواجهه اليومية والحتمية مع الاحتلال.
من جهة ثانية، فإنّ ميزة هذا الحراك أنه وُجِدَ بشكل عفوي ومن يدّعي من القوى السياسية الفلسطينية أنه الأب الشرعي لها فهو يفتري على عذاب وآلام هؤلاء الشباب، وقد يكون شرفاً لبعض القوى السياسية المشاركة في ذلك، ولكنها لا تمتلك أي سلطة لوقفها أو احتوائها، والرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله قال: (انا انتمي لشعب عظيم) ونحن الآن في هذا نشهد كم هذا الشعب أعظم منا جميعاً.
برأيك هل سيؤثّر غياب الدعم المادي على الهّبة الشعبية؟
قد لا تروق للبعض اجابتي، ولكن أتحدّى أيّاً من القوى السياسية الفلسطينية ولا استثني أحداً منها بأن تساهم مادياً في هذا الحراك إلا القليل القليل. أمّا ما بقيَ من مصاريف فهو من جيب هؤلاء الشباب الذين يشاركون في الحراك، ولكن هذا الحراك يحتاج الى أمرَين ليستمر. الأمر الأول مرجعيّة وقيادة سياسيّة لديها الرؤية الواضحة والجرأة والشجاعة والبصيرة لتطوير هذا الحراك وفقاً لأهداف سياسية واضحة، ولا مانع من تشكيل قيادة سياسيّة متجانسة من هذا الحراك على طول امتداد الوطن تضع في أولويّاتها أهدافاً سياسيّة تنقل هذا الحراك من مرحلة لأخرى وتطوّره على قاعدة ضبطه، حيث أنه من حق الشعب الفلسلطيني أن يدافع بكل ما أُوتي من قوة بالسلاح او بغيره عن أماكن تواجده وعن بيوته الآمنة وعن شجره وعن حقوله، ولكن حذارِ من أن يستغلَّ بعض المتسلّقين هذا السلاح من داخل هذا الحراك لأنه سيكون إجهازاً على هذا الحراك، كما يحتاج الحراك لقيادة ميدانية ليتطوّر وتكون له آلية لتطوير نفسه بالمواجهات، وبحيث يصبح وجود هذا العدو الاسرائيلي على أرضنا مكلفاً وباهظَ الثمن ومؤلماً، إذ لا يجوز أن تبقى الأمهات الفلسطينيات وحدها تبكي، وقد قال الله تعالى: "إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ"، لذا لا بدّ أن يتألّم الاحتلال بكل مكوّناته على أرضنا الفلسطينية، وأنا لا أفهم غباء هذا الاحتلال الذي يعي أنه مصدر هذا الحراك الشعبي وأن احتجاز جثامين شهدائنا يؤجّج مشاعر كل الشارع الفلسطيني، ولكن قيادة الاحتلال قيادة عمياء همُّها الوحيد ارضاء الناخب الاسرائيلي حتى لو كان ذلك على حساب بقائهم واقتصادهم واستقرارهم.
ما هي المكاسب التي حقّقتها هذه الهبّة الى الآن؟
من لا يرى المكاسب التي تحقّقت يكون أعمى البصيرة. فعلى الصعيد الاقتصادي، لحقَت الاحتلال الاسرائيلي حتى هذه اللحظة خسائر تزيد على سبع مليارات شيكل، وقد بدأت هجرة معاكسة بسبب حالة الخوف والقلق والرعب التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي الذي يرى أن قيادته هي المسؤولة عمّا يجري من الشارع الفلسطيني، وهناك استنزاف متواصل في ظل وجود عدم التكافؤ ما بين القوتين الموجودتين في الميدان، اضف الى ذلك تحريك العقل السياسي الدولي الذي كان غائباً عن الخارطة السياسية الفلسطينية من مقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية الى الانتقال لتحميل الاحتلال مسؤولية ما يجري من سفك الدماء، وان كانت الولايات المتحدة الامريكية هي الوحيدة التي تريد رؤية الهيمنة الاسرائيلية، فإن المجتمع الدولي بدأ يشعر بخطورة ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني، والتعاطف الموجود الآن من التأييد والاعتراف بدولة فلسطين ليس بفعل خطبة سياسية أو دينية، وإنما بفعل هذا الدم الذي يسيل على أرضنا الفلسطينية.
برأيك كيف يمكن أن ترد السلطة الفلسطينية على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل يومياً؟
أولاً لا بدّ من اتخاذ اجراءات سياسية تكون مؤلمة للعدو الاسرائيلي على الصعيد الدولي من توجه لمحكمة الجنايات او لمجلس الامن الدولي او للمؤسسات الدولية قاطبة من جهة وللأمم المتحدة من جهه اخرى، بهدف تعزيز العلاقات مع المنظومة العالمية وإبراز قضيتنا الفسطينية بأننا نحن ضحية وما يجري ضد شعبنا هو عمل إجرامي منظّم. ثانياً، لا بد من اتخاذ اجراءات جدية تجاه مقاطعة الاحتلال بكل مكوناته كونه لم يلتزم بكل الاتفاقيات الموقّعة معه، بحيث تكون مؤلمة للاحتلال ومخفَّفة على شعبنا، ولكن هذه الاجراءات يجب أن تكون بدون ارتجالات ولا مزايدات عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، لأن مصلحة شعبنا هي الأولوية. ومن بين تلك الخطوات فرض ضرائب باهظة على السّلعة الاسرائيلية ليس فقط في المستوطنات بل أيضاً على كل من تسوّل له نفسه التجارة ببضائع إسرائيلية ومعاقبته بالقانون، واعتبار ذلك تجريماً بالقانون الفلسطيني، وأن تكون العقوبة عشرة أضعاف ما كانت عليه سابقاً، وبذلك نوجّه ضربة للاقتصاد الاستيطاني ونحمي منتجنا الوطني الذي علينا كذلك مراقبة جودته ونوعيته وكلفته أيضاً. ثالثاً، توفير فرص العمل لشعبنا الفلسطيني وتخفيض نسبة البطالة بانشاء مؤسسات استثمارية فاعلة.
برأيك هل إسرائيل معنية بإطالة هذه الهبّة؟
قد تكون لهم مصلحة في ذلك ولكن بلا شك هناك ثمن سيدفعونه أيضاً، حيثُ أن إسرائيل اليوم في حفرة عميقة جداً سياسياً واقتصادياً وأمنياً ودولياً، إلى جانب الرعب اليومي الذي يمر به الإسرائيليون بفعل هذه الهبّة. وبرأيي فإن وقف هذه الهبّة أمر بيد حكومة الاحتلال المتغطرسة وذلك يكون بأن تزيل الأسباب التي أوجدت هذا الحراك، عبر عدم الاقتراب من محرّماتنا ومقدّساتنا، وإطلاق سراح أسرانا، وإيقاف الاستيطان والتعدي على شعبنا الفلسطيني، ووقف سلوكهم الاجرامي العنصري الكفيل بتفجير ثورة لا حراكاً فحسب، وقد تمادوا بإجرامهم وعنصريتهم إلى حد اعتبار قاتل عائلة الدوابشة وغيره من مرتكبي الجرائم بحق شعبنا مجانين لا يحاكمهم القانون، في حين أنهم يحتجزون الفتى أحمد المناصرة الذي لم يتجاوز عمره الـ14 عاماً، بانتظار أن يصبح في سن الـ15 عاماً ليحاكموه، وبالتالي فإن الاحتلال بعنصريته هذه هو من يتحمّل مسؤولية الهبّة.
ما صحة ما يقوله البعض عن ان القيادة الفلسطينية تحاول تهدئة الأوضاع الحالية؟
من المعيب اتهام القيادة الفلسطينية بالسعي لايقاف الحراك، لأن القيادة الفلسطينية حريصة على هذا الحراك وعلى ألا تتم عسكرته وتسليحه وهذا موقف تجمع عليه القيادة الفلسطينية وشعبنا الفلسطيني، مع التأكيد على حق شعبنا بالدفاع عن نفسه بكل ما أُوتي من قوة ضد اي اعتداء على قرانا الآمنة وتجمعاتنا الفلسطينية كي لا يحرق محمد ابو بخضير مرة اخرى وكي لا يكون بيننا يومياً عائلة دوابشة تُحرَق من جديد.
أمّا في موضوع منع الشباب الفلسطيني من الوصول لبعض نقاط التّماس، فإن ذلك قد حدث بسبب مرور وفود بتلك المناطق تهدف السلطة لتنقلهم بأمان، علماً أنني على الصعيد الشخصي ضد ذلك وأرى أن ندعهم يتألمّون كما يتألم ابناء شعبنا الفلسطيني وأن ندعهم يسيرون في الطرق الطويلة والخطيرة وغير الآمنة مثلنا ليروا معاناتنا.
كيف تردون على من يقولون بأن ذهاب الشباب والأطفال لمناطق التماس بصدورهم العارية لرمي الحجارة هو إلقاء بأنفسهم الى الموت ضد جيش مسلّح؟
عندما يستفزنا عدونا أيتوقعون منا أن ننزل ونحن نحمل الرايات البيض ويسمعون صراخنا ويصوروننا بآلات التصوير رافعين وروداً بيضاء؟! نحن في حالة مواجهة دائمة مع الاحتلال، وحين يكون هناك شكل من أشكال المواجهة فلا بدّ أن يكون هناك احتكاك مباشر مع العدو، وأن نبقيه في حالة اليقظة والخوف والرعب، ولكنني مع تجنيب الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم أن يكونوا شهداء في اي حراك بأن لا نجعلهم رأس حربة، وإنما بإشراكهم ولكن على مسافة بعيدة عن الخطر حتى يتثقّفوا بأساليب المواجهة مع العدو، لا سيما أن كثيراً ممن ارتقوا شهداء لم يكونوا يشكلون خطراً على حياة جنود الاحتلال ولكن الأخيرين متعطشون للارتواء من دماء أبنائنا، هذه هي التربية العسكرية والتربية السياسية التي تربّى عليها جيش العدو الاسرائيلي، ونحن من حقنا ان نربي أبناءنا على الانتقام لدمائنا البريئة التي تسقط. فانظر لفتيات بعمر 13 عاماً يُقتَلون بدم بارد ثُمّ تُرمَى إلى جانبهم سكاكين وهي ليست بحوزتهم ليوجدوا ذرائع لقتلهم وليدَّعوا البطولة على جسد طفل أو طفلة لا تملك سوى ملابسها وكرامتها وعفَّتها.
وللأسف فإن إعلامنا الفلسطيني وعلى رأسه صفحات التواصل الاجتماعي بأغلبها لم ترقَ لمستوى الأحداث، وهي تُقدِّمنا، عن غير قصد، بصورة المعتدين لا الضحية، وبالواقع نحن الضحية، والضحية من حقها الدفاع عن نفسها قبل لفظ انفاسها الاخيرة، لكن صفحات التواصل الاجتماعي تتغنّى بعمليات وبغيرها، وقد يكون أصحابها ضحية إعلامنا المرئي والمقروء. لذا فالإعلام الفلسطيني اليوم مُطالَب بتقديم أرضنا وشجرنا وشبابنا وأطفالنا بالصورة الحقيقية، وهي أننا نحن ضحية لمستعمر على أرضنا مدجّج بالسلاح ولعدوانه المتواصل والمنظم على شعبنا الفلسطيني منذ اكثر من 68 عاماً، وأننا لسنا من نبدأ القتال وانما نحن في موقع الدفاع الذاتي المشروع عن أنفسنا.
ما ردكَ على الانتقادات التي وُجِّهَت لأداء الفصائل الفلسطينية، ومن ضمنها حركة "فتح"، في هذه الهبّة الجماهيرية ووصف دورها بالضعيف؟
هؤلاء الذين يتحدثون عن حركة "فتح" بهذه الطريقة هل كانوا يحصون الشهداء والجرحى؟! دعهم يحصون الجرحى والشهداء وليُسجّلوا من كان في المواجهات وعندها فقط سيعلمون من الفصيل الذي نال شرف المواجهة في الميدان. قد يكون قسمٌ كبير منهم ليس له انتماء سياسي حتى الآن، ولكنك تجد أن عائلتهم جميعها لها شرف الانتماء لحركة "فتح"، ولا بدّ أن اقول أيضاً إن من يدعي أن القوى السياسية الفلسطينية مُجتمِعة أعطت قراراً لعملية طعن او لدهس فهم يضحكون على الشعب الفلسطيني، فلا أحد استأذن أحداً، ولا أحد وفّر لهم سكينه أو أعطاهم كلفة المواصلات، وحتى أهلهم وأقرب الناس إليهم لم يكن لهم علم بما كانوا مُقدِمين عليه، وبالتالي فأغلب الشهداء خرجوا بشكل غير منظّم ولا حتى وفقاً لقرار، وذلك لأنهم ذاقوا الكثير من الاحتلال، ونحن في حركة "فتح" نفتخر بكل الشهداء بغض النظر عن انتمائهم ولن نسمح أن تُمسَّ عوائلهم، فهؤلاء الشهداء أولادنا كما هم أولادهم، وسنعمّر بيوتهم التي يهدها الاحتلال الاسرائيلي مهما كلّف الأمر.
القيادة الفلسطينية اتخذت المقاومة السلمية طريقا لمجابهة الاحتلال فهل هذا كافٍ في ظل العنف الاسرائيلي المتزايد؟
نحن نصرُّ على المقاومة السلمية، لكن اذا استُخدم العنف ضدنا وتم الاعتداء على بيوتنا الآمنة، فمن حقنا الدفاع عن أنفسنا والقتال، وأذكر أن هناك قانوناً أمريكياً يُعمَل به في ولاية تكساس، وهو يعطي الحق لأي امريكي او أي مقيم في هذه الولاية عندما يرى اي مسلّح في أرضه او قريباً من بيته أن يقتله بالرصاص لأنه قد يكون أتى بهذا السلاح لقتله، أي أن أقتله قبل أن يقتلني، والاسرائيليون يقولون في وسائل إعلامهم العبرية أن الفلسطيني له الحق في تطبيق القانون المعمول به في تكساس، وإذا كان الاعلام العبري يجيز هذا الحق فكيف نتخّلى عن ذلك؟! لا سيما أن الاحتلال يمارس جرائم قتل بدون أي سبب او مبرر وبدون اي عذر قانوني مشروع. ففي جريمة حرق ثلاثة من عائلة دوابشة بقي طفل صغير عمره 4 سنوات، ماذا سنقول له غداً؟ الذي حرق أباك وأمك لم يحاكمه القانون لأنه مختل ولكن في وقت الحرق كان بكامل وعيه؟!
هل من كلمة أخيرة توجهّها لشعبنا المنتفض في فلسطين؟
التحية لكل شهدائنا ولكل من كان له شرف اطلاق الشرارة الاولى في هذا الحراك من مقدسيين، ثم من تلاهم في باقي الوطن وأهلنا في محافظة الخليل الذين زرعوا الرعب في كل هذا الجسد السرطاني الاسرائيلي. ونحن ننحني لكل نقطة دم سالت من اطفالنا ونسائنا، ونحني هاماتنا لكل شهيد ولأم الشهيد التي حملت بفلذة كبدها وربّته حتى صار شاباً، وعندما أنبؤوها بخبر استشهاده أطلقت عنان زغاريدها للسماء، إن مثل هذه الامهات لا تُهزَم، وهذا هو شعبنا الذي قال عنه الرئيس الشهيد ابو عمار انه شعب الجبّارين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها