خاص- مجلة القدس- العدد السنوي 322 / حــوار: عـدي غـزاوي
51 عاماً مرّت على انطلاقة حركة "فتح" قامت خلالها بإعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني بدأتها بالكفاح المسلّح ضد الاحتلال الاسرائيلي مشكِّلةً كابوساً مرعباً قضَّ مضاجع العدو. وبعد سنوات طويلة للحركة في الدفاع عن القضية الفلسطينية بالتوازي مع فصائل العمل الوطني ما زالت سائرة على درب الكفاح الفلسطيني. وبمناسبة الذكرى الحادية والخمسين للانطلاقة أجرت مجلة "القدس" مقابلة مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د.جمال المحيسن تمحورت حول الهبّة الجماهيرية التي تجري في فلسطين ودور حركة "فتح" في مواصلة العمل النضالي الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي.
الهبّة مستمرة حتى لو خفّت حدتها في بعض الأحيان
يؤكّد د.جمال المحيسن أن الهبّة الشعبية موجودة ومستمرة وإن تفاوتت حدتها بين الحين والآخر بحكم بعض العوامل، ويضيف "الهبة الشعبية لا تقاس بعدد المشاركين فيها، بل باستمرارها مقاومة الاحتلال، وقد يتفاوت الحراك الشعبي من محافظة لمحافظة خاصةً أن الجرائم الاسرائيلية التي يرتكبها الاحتلال هي عامل يزيد من استمرارها ووصولها لانتفاضة، ولكن الاسباب التي دفعت لوجودها مازالت قائمة، فالاستيطان مستمر، وقد أعلنَت إسرائيل مؤخّراً عن 55,000 وحدة استيطانية تستقبل ربع مليون يهودي في منطقة شرق القدس، والاعتداءات اليومية على الاقصى ما زالت مستمرة، والاعدامات الميدانية ما زال الاحتلال يمارسها بشكل شبه يومي إضافةً لمواصلته الاعتقالات وهدم البيوت وتقطيع الاشجار، لذا فالمطلوب اليوم تصعيد هذه الهبة الشعبية".
السُّلطة لا تمنع الفعاليات في مناطق التماس
حول ما يُشاع عن منع السلطة لبعض الفعاليات في مناطق التّماس يقول د.المحيسن: "مناطق التَّماس موجودة من الشمال للجنوب ومن الشرق الى الغرب، وهناك مناطق تماس قريبة جداً مثل الخليل والقدس، وكل المناطق مفتوحة لمواجهة الاحتلال ولا يوجد عنصر أمن يمنع توجُّه الشُّبان لتلك المناطق، لكن البعض يحاول تسجيل نقاط على السلطة الفلسطينية بأنّها تمنع الشُّبان من التوجه لمناطق معينة كما حصل عندما منعت قوات الأمن مظاهرة لأسباب منطقية في منطقة البالوع شمال مدينة البيرة، علماً أن هناك أكثر من 80 منطقة يمكن للشبان التوجُّه لها ولا يمنعهم أحد، فلماذا يتم التركيز على منطقة واحدة فقط؟!".
ويتابع "المدخل الشمالي لمدينة البيرة عبارة عن ممر للدبلوماسيين وأصحاب الشركات والوفود التي تأتي لزيارتنا، وعند إغلاق هذه البوابة كأنما نعاقب أنفسنا كون ذلك سيُصعّب وصول الناس لمدينة البيرة، وفي نفس الوقت أؤكّد أنه لا يجوز للأجهزة الامنية منع الفلسطينيين من التوجه لهذه المناطق في أيام العطل كالجمعة والسبت لأن المؤسسات والأشخاص الذين يمرون منها لا يعبرونها في هذه الايام، وأيضاً لا يجوز لأجهزة الأمن الاعتداء على الصحفيين، فالصحافي يقوم بدور وطني مهم، وقد قدّمنا المئات من الصحفيين الذين استشهدوا في الميدان، واذا كان هناك اي اثبات على اعتداء عنصر أمن على صحفي فيجب محاسبته، لكن يجب ان نشير الى ان عناصر الامن الفلسطينيين هم أيضاً مناضلون في الميدان، وقد قدّموا الكثير من عناصرهم لخدمة الشعب والقضية ولا يُزاوِدَنّ أحدٌ على أحد".
الهبّة ارجعت القضية الفلسطينية للخارطة السياسية العالمية
"قبل الهبّة الشعبية كانت المنطقة ساخنة بما يجري فيها من أحداث في مصر وليبيا والعراق وسوريا وغيرها، مما أثّر على حضور القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية الدولية"، يقول د.المحيسن، ويضيف "عندما تكلّم الرئيس الامريكي باراك اوباما في الامم المتحدة لم يتحدّث بكلمة واحدة عن فلسطين، لذا فقد جاءت هذه الهبّة لتقول للعالم نحن هنا، ونتعرّض لجرائم من قِبَل الاحتلال، وإن أساس التوتر في المنطقة هو الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين بالارهاب المنظّم الذي تقوده حكومة نتنياهو وارهاب عصابات المستوطنين الاسرائيليين مثل عصابة تدفيع الثمن. ومن هنا فهذه الهبّة أعادت الاعتبار للشعب الفلسطيني ورافقها حراك سياسي تقوم به القيادة الفلسطينية على رأسها سيادة الرئيس أبو مازن، وهناك انجازات تتم عبر التواصل مع البرلمانات الاوروبية، ففي الفترة الاخيرة كان هناك اجماع من البرلمان اليوناني على الاعتراف بفلسطين كدولة، ونأمل أن تُترجَم هذه الخطوة باعتراف رسمي أيضاً، لا سيما أن المجتمع الدولي بدأ يدرك أن اسرائيل تمارس ارهاباً وجرائم يومية بحق الشعب الفلسطيني، وبدأت العديد من الشعوب تطالب حكوماتها بالاعتراف بدولة فلسطين، وهذا انجاز للشعب الفلسطيني حيث تغيّرت وجهة نظر الشارع الاوروبي للقضية الفلسطينية، بعد أن كانت حاضنة للوبي الصهيوني ولقيام دولة إسرائيل، واليوم حركة المقاطعة الدولية لاسرائيل تحقّق نجاحات كبيرة في تكبيد الاقتصاد الاسرائيلي خسائر كبيرة".
المؤتمر السابع والمجلس الوطني
المراحل الأساسية والاوراق المطلوبة للمؤتمر السابع لحركة "فتح" والأسماء المرشّحة للمؤتمر جاهزة تقريباً بانتظار ثلاثة أقاليم أخرى في غزة لتكمل أوراقها، بحيث ستكون الاقاليم قد باتت مستعدةً خلال أسبوعين الى ثلاثة، بحسب د.المحيسن، الذي يوضح أن ما يحكم وقت انعقاد المؤتمر بعدها هو الوضعَان السياسي والامني، مشيراً إلى استحالة عقد المؤتمر في ظل الظروف التي تمر بها فلسطين. أما بالنسبة للمجلس الوطني فيقول: "انعقاده سيكون أسهل من انعقاد المؤتمر السابع، لأنه إن لم تسمح الظروف بانعقاده في فلسطين يمكن عقده في مقر جامعة الدول العربية، لكن لا بد من انعقاد المجلس الوطني لوضع استراتيجة وطنية جديدة في ظل الاوضاع الحالية فلا يمكن استئناف المفاوضات، وذلك واضح من خلال كلام المبعوث الامريكي جون كيري بأن العام 2016 لا يحمل حلولاً سياسية في ظل استمرار الاستيطان".
أدوات الصراع تغيّرت
يرى د.المحيسن أن "شعبنا الفلسطيني كان مغيّباً في الماضي عن الخارطة السياسية ولم يكن أحد يكترث لما يحدث في فلسطين، ولذلك لجأنا للسلاح في بداية مقاومة الاحتلال ليسمعنا العالم، فهو لم يكن يسمع إلا صوت البندقية، وهكذا بدأت "فتح" بالكفاح المسلّح واستمرت في ذلك لسنوات طويلة، لكن بعد ذلك حصلت العديد من المتغيّرات في العالم وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فتوجّهنا للعمل السياسي الى جانب العمل العسكري، وبعدها بسنوات جاء اتفاق اوسلو الذي أدّى لانتقال القيادة السياسية لأرض الوطن مما استدعى تغييراً جزئياً في أدوات النضال ضد الاحتلال. ومن يقول لك أن الكفاح المسلّح هو الحل في هذه المرحلة فهو يكذب على الشعب الفلسطيني لأن الوضع اليوم مختلف عما كان عليه في الماضي، حيث كانت لنا قواعد عسكرية ومعسكرات تقوم بقتال العدو، وواجهنا الاحتلال ثمانين يوماً في بيروت، ولكن بعد اوسلو دخلنا باتفاق سياسي محدّد بخمس سنوات يتم بعدها قيام دولة فلسطينية، إلا أن الجانب الاسرائيلي تنكّر لجميع الاتفاقات. وفي وضعنا الحالي لا نملك السلاح الرادع فأكبر الامكانيات هو سلاح "الكلاشن كوف"، وهو في الواقع سلاح شرطة وليس سلاح جيش مناسب للقتال، ولو كانت القيادة في الخارج لكان ممكناً أن يكون سلاح مقاومة من خلال ايجاد خلايا عسكرية متواجدة في الوطن، أما اليوم فمقر الرئيس معلَن ومقر الحكومة معلَن ومقرات الأجهزة الامنية وفصائل العمل الوطني معلَنة، والكفاح المسلّح ضمن الظروف الحالية لا يعطي نتيجة، ومن هنا لجأنا للمقاومة الشعبية والتي آذت الاحتلال كثيراً وأحرجته أمام العالم، وحقّقت مكاسب سياسية على الساحة الدولية، وهذا واضح من خلال قلة الدول الداعمة لاسرائيل على عكس الماضي، وعلينا ان لا ننسى الحراك القانوني في الساحة الدولية والذي بدأ بالتأثير أيضاً لصالحنا".
الوحدة الوطنية وحماس
يؤكّد د.المحيسن أن "على حماس تغيير سياستها الحالية وأن تعود الى الصف الوطني ضمن برنامج منظمة التحرير وتخرِج نفسها من دائرة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، حيث نرى أن الحركة لها نفس مطالب منظمة التحرير وهي دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعودة اللاجئين، لكنّها تراوغ بأعذار كأنها مُطالَبة بالاعتراف بإسرائيل.. من الذي طالبها بالاعتراف باسرائيل؟ حركة "فتح" لم تعترف باسرائيل وليس مطلوباً منها ذلك من اعترف باسرائيل منظمة التحرير التي تقود نضال الشعب الفلسطيني بعد اعتراف اسرائيل بمنظمة التحرير لذلك على حماس ان تكون واضحة مع الشعب الفلسطيني، انظر الى الشيخ احمد ياسين رحمه الله قبل استشهاده كان يطالب بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وحق اللاجئين بالعودة".
ويردف "أيضاً نحن نتحدّث عن حكومة وحدة وطنية انظر الى الوضع الذي تفرضه حماس في غزة، فإذا ارادت "فتح" تنظيم احتفال بذكرى انطلاقتها يجب عليها أخذ موافقة حماس، وليس حكومة الوفاق الوطن. لماذا نتحدّث إذاً عن حكومة وفاق وطني اذا كان من يحكم غزة هو حماس؟ يجب أن يكون هناك اتفاق واضح وقوى امنية واحدة، لذلك فالقوى الامنية لحماس يجب أن تكون جزءاً من القوى الامنية الفلسطينية، وهذا واضح في اتفاق القاهرة الذي لم يُنفَّذ. ونحن نتحدث عن دولة واحدة ولكنْ هناك جيشان وحكومتان وبرنامجان مختلفان، وأتصوّر أن موضوع المصالحة مع حماس ما زال بعيداً وداخل حماس تناقض واضح فهناك ما يقوله رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل وما يقوله الزهار".
"فتح" جعلت للقضية الفلسطينية مكاناً في الخارطة السياسية العالمية
ينوّه د.المحيسن إلى أن حركة "فتح" قادت النضال الوطني الفلسطيني طوال واحد وخمسين عاماً، مضيفاً "قبل ذلك كنا جزءاً من الصراع العربي العربي، ولكن بعد الرصاصة الاولى لفتح أُعيدت للشعب الفلسطيني كرامته ومكانه في الخارطة السياسية الدولية. فحركة "فتح" راكمت انتصاراتها ضمن دعم سياسي ومالي وعسكري امريكي وعالمي لإسرائيل ونتيجة تراكُمِ هذه الانتصارات أوجدَت لنا مكاناً كشعب له هوية ووطن منذ زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومن ثم استكمل الطريق سيادة الرئيس ابو مازن حيث حقّق اعترافاً دولياً بفلسطين كدولة عضو في الامم المتحدة، ونرى ان العديد من الدول والمؤسسات الدولية باتت داعمة للقضية الفلسطينية نتيجة هذا النضال الذي خاضته "فتح" مع جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني".
وجوب تطوير أدوات الصراع
يشدّد د.المحيسن على وجوب دعم الهبة الشعبية لتصل الى مرحلة انتفاضة بحيث يصبح الاحتلال مُكلفاً على نفسه، وعلى وجوب تحقيق انجازات اكثر سرعة ولكن ان تكون مدروسة وبدون ارتجال وتصعيد المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي في الساحة السياسية والقانونية الدولية.
ويتابع "لا بد ان يشهد العام 2016 نهاية للانقلاب الاسود لحركة حماس الذي دخل في عامه التاسع والذي سبّب آلاماً ومعاناة لأبناء شعبنا، وزاد نسبة الفقر في قطاع غزة لتصل الى 50%، وهناك اكثر من 50 ألف خريج بلا عمل".
ويختم قائلاً: "غزة تراجعت في السنوات الاخيرة، وبات وضعها تعيساً نتيجة جرائم الاحتلال وعدم تحكيم العقل في استخدام أساليب المواجهة مع الاحتلال التي تعود سلباً على الشعب في غزة، فتدمير المؤسسات والمستشفيات والمدارس في غزة ليس انتصاراً. لقد آن الاوان لنحكِّم العقل لما هو في صالح العشب الفلسطيني".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها