خاص مجلة القدس/ تحقيق/ منال خميس

بمرور أكثر من ثلاثة أسابيع على انطلاق شرارة انتفاضة القدس، وما يزيد عن ثلاثةٍ وخمسين شهيداً وأربعة آلاف وخمسمائة جريح في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين تحميسٍ للشباب الفلسطيني من هذا الطرف، أو ذاك، وبين محاولاتٍ لاحتواء الأمر لعدم الانجرار نحو موجة عنفٍ جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي في كافة المناطق، وبين حجرٍ وسكين.. وزجاجةٍ حارقة. هذا ما أشعلته قطعان المستوطنين وقوات جيش الاحتلال الاسرائيلي من خلال الاقتحامات المتكررة وعمليات تدنيس المسجد الأقصى المبارك الـمُتعمَّدة والاستفزازيّة لأي فلسطيني على وجه الخصوص، ومسلم عامةً.

غضبَة الفلسطينيين تؤكّد وحدتهم وعزمهم على انتزاع حقوقهم
يرى المتحدّث باسم حركة "فتح" في قطاع غزة فايز أبو عيطة أن "الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول عن الهبّة الشعبية في فلسطين بفعل الاستفزازات التي يقوم بها تجاه شعبنا بأقدس مقدساته الدينية والتاريخية وهي مدينة القدس والمسجد الأقصى، ومن خلال جرائمه المتتالية بحق الشعب الفلسطيني الذي شعر بإهانةٍ واستخفافٍ كبيرين من قبل العدو الإسرائيلي، ولذلك جاءت هذه الغضبة ليؤكّد امتلاكه الإرادة والعزم والتصميم على انتزاع حقوقه المشروعة، وفي مقدّمها حقه في تقرير المصير".
وعن الخيارات المطروحة أمام القيادة الفلسطينية في هذه المرحلة، قال أبو عيطة في حديثه للـ"قدس": "القيادة الفلسطينية قالت كلمتها بوضوح خلال كلمة السيد الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة وما تلاها من كلمات عندما وصل رام الله، فتمثّل الخيار الأول بالانحلال من الاتفاقيات التي تلتزم بها السلطة الفلسطينية طالما أن إسرائيل لم تلتزم بها وبتنفيذها، والخيار الثاني هو تصعيد المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال الإسرائيلي، أمّا الخيار الثالث فهو تعزيز صمود شعبنا من خلال تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية مع كافة الفصائل".
وحول دور قطاع غزة في الهبة الفلسطينية رأى أن المواطن الغزّي أدى دوراً مميزاً ومهماً، وأضاف "هذه رسالة مهمة رسمها أبناء الشعب الفلسطيني عبر اندماجهم بشكلٍ مباشر في نشاطات هذه المواجهة، حيث سقط عدد من الشهداء والجرحى الذين أكدوا بدمائهم أن الوطن وحدة واحدة، والمقدسات واحدة وهدف الشعب الفلسطيني واحد وهو الخلاص من نير الاحتلال، وأن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لن يقبلوا بالانفصال ولن يتوانوا عن تقديم واجبهم تجاه ما يحدث في أراضي الضفة الغربية وفي القدس المحتلة".
وبشأن دعوات حركة حماس لتصعيد الأمور في الضفّة الغربية والقدس، قال أبو عيطة: "حماس معنية بتصعيد الأمور في الضفة الغربية لغرضٍ في نفس يعقوب، ولكننا في فتح نتعامل مع المواجهة الحاصلة في الضفة الغربية على أنها ضرورة وطنية في هذه المرحلة للدفاع عن مقدساتنا وشعبنا ونحن في فتح لا ننظر من منظور خاص، وإنما من منظور وطني يعود بالمصلحة والمنفعة على الشعب الفلسطيني، فلا يعنينا أن يكون تصعيد في غزة أو هدوء في الضفة أو العكس، بقدر ما تعنينا الحالة الوطنية بشكلٍ عام وعودتها بالمصلحة على أبناء شعبنا".
وعند سؤاله عن موضوع العودة لطاولة المفاوضات قال: "لا عودة لطاولة المفاوضات دون إعلان إسرائيل رسمياً التزامها وتقيُّدها باستحقاقات عملية السلام أو التسوية، وعلى رأسها وقف الاستيطان وتحديد مرجعيات واضحة للمفاوضات تقود إلى قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وبدون التزام إسرائيل بهذه الاستحقاقات لن يكون هناك لقاءات أو مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وسنترك الميدان ليُحدِّد خياراته".
وتابع "كلمة الرئيس أسّست لمرحلة جديدة سيكون لها تداعيات خطيرة على كل المستويات، بمعنى أنه سيكون هناك مواجهة شاملة مع قوى الاحتلال لأن شعبنا الفلسطيني يصر على انتزاع حقه وعلى الخلاص من الاحتلال ومن الجرائم التي يتعرّض لها من قطعان المستوطنين والاستفزازات التي يواجهها بشكلٍ يومي في القدس وكافة الأماكن الفلسطينية".
وأكّد أن "أبناء حركة "فتح" يقومون بواجبهم إلى جانب الشعب الفلسطيني سواء أكان في القدس من خلال الدفاع عن المقدسات وصد المستوطنين الذين يسعون لفرض أمر واقع جديد في المدينة المُحتلة أو في الضفة الغربية، حيث بادروا فوراً بعد إحراق عائلة دوابشة لتشكيل لجان حراسة وحماية شعبية في كافة المخيمات وكافة القرى المحاذية للمستوطنات، وأيضاً أبناء حركة "فتح" لديهم القدرة على التقاط رسالة السيد الرئيس بشكلٍ واضح، فهم هبّوا للدفاع عن شعبنا وهبّوا لهذه المواجهة لإلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية".
وحذّر من احتمال سعي إسرائيل لجر المنطقة إلى العنف وحرف الأنظار عن الانتفاضة الشعبية الجارية في أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة من خلال تسخين الأوضاع بتوجيه ضربة عسكرية لشعبنا في غزة.
غزة غير مهيّأة لمواجهة مباشرة مع الاحتلال
تطرح الكاتبة والصحافية الفلسطينية نجوى قطيفان، عدداً من التساؤلات حول دعم الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة لأهالي القدس والضفة الغربية، فتقول: "أين الحاكمون بغزة الذين خرجوا دعماً للقدس والضفة ودعوا إلى الجهاد بالمساجد؟ أين شيوخ هذه المساجد ممن حملوا السكين داخل المسجد ونادوا المصلين للجهاد والقصاص؟ أين هم وأولادهم من ساحات المعارك على حدود غزة الفاصلة بيننا وبين الاحتلال؟ إنهم في بيوتهم ينعمون، إنهم على التلفاز يومياً يستنكرون ويشجبون ويُهددون الاحتلال برد قوي، أين هم من الواقع؟ إنهم لا شيء".
واستنكرت قطيفان في حديثها، الموت المجّاني الذي يحصل عليه الفتية العُزّل في قطاع غزة، حيث يتم الزّج بهم بعد شحذ الهِمم بمواجهاتٍ غير عادلة، على عكس تلك التي تدور في أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة، فيُقاوم الفتية عدوّهم الـمُحصّن بجدارٍ عازل وخط دفاعي اسمنتي يمنع الوصول إليه، ويقوم هؤلاء الأبرياء برشق الحجارة على جنود الاحتلال دون أن يُصاب أحد منهم، فما يكون سوى إصابات مباشرة لهؤلاء الأطفال غير الـمُحصّنين بأي دروع تحميهم من أية رصاصة غادرة.
ووصفت الحالة على تخوم غزة بأنها كعمليّة اصطياد العصافير، حيث يستمتع جنود الاحتلال بطرق الاصطياد التي يبتدعونها وكأنهم يتراهنون على حياة هؤلاء الفتية والأطفال دون رحمة.
ولفتت قطيفان إلى أنّها ليست ضد الجهاد والمقاومة، مُشددةً على أن غزة غير مهيّأة لمثل هذه المواجهات، بحيث يفصل بينها وبين جنود الاحتلال حواجز سلكية واسمنتية وأي شخص يقترب منها يتم اقتناصه بدم بارد، بينما في الضفة والقدس ساحات المعركة مفتوحة حيث يتجوّل جنود الاحتلال وعصابات المستوطنين من مكانٍ لآخر قرب الفلسطينيين وفي شوارعهم.
وطالبت السلطة الوطنية الفلسطينية وكافة القوى الوطنية والاسلامية في فلسطين باستثمار هذه الهبة الجماهيرية لصالح القضية الفلسطينية، حيث أنه لم يتم دعمها داخلياً من قِبَل فصائل المقاومة، ولم يتحرك السياسيون بالتقدُّم للعب على المكشوف مع الاحتلال وحكومته، وفي المقابل فإن هذا الاحتلال يطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة الفلسطينية لوقف ما يحدث من حراك فلسطيني وكأنه لا يقع عليها مسؤولية أي شيء.
وختمت بالتأكيد على ضرورة توجه القيادة الفلسطينية الفوري إلى مجلس الأمن، وطرح مشروع انهاء الاحتلال مرة أخرى، واجبار اسرائيل على الموافقة على كل الشروط الفلسطينية، فهي فرصة لكنس الاحتلال مقابل انتهاء انتفاضة السكاكين، انتفاضة القدس.
إذن فهي هبّة شعبية فلسطينية تبدو مفتوحة، انتفاضة عفوية تدحرجت ككرة الثلج، يقودها جيل فلسطيني شاب، جاءت نتيجة لممارسات هذا المحتل الغاصب، وامتدّت شرارتها لتشمل مختلف بقاع فلسطين، لتسقط في قلب الاحتلال، موقِعة في صفوف جنوده ومستوطنيه عدداً من القتلى والجرحى، في ظل صمت دولي، وطبطبة أمريكية، وحكومة صهيونية لا تشبع من إراقة الدم الفلسطيني النازف.