تم التواطؤ الاستعماري الصهيوني على إقامة كيان إسرائيلي على أرض فلسطين التاريخية، هذه الارض التي سكنها أجدادنا الكنعانيون واليبوسيون منذ ما يزيد على أربعة آلاف سنة، وتقاطعت المصالح بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، والحركة الصهيونية العالمية التي أعلنت عن بداية تاسيسها في العام 1897 في مدينة بال في سويسرا بزعامة تيودور هرتزل، وقد استفادت الصهيونية من عجز، ثم هزيمة الدولة العثمانية، وتبعية الدول العربية لدول الانتداب التي قسَّمت الوطن العربي.
في ظل هذه المرحلة من الهيمنة الاستعمارية على الوطن العربي تم الاعلان عن اتفاق سايكس بيكو في العام 1916، ثم الاعلان عن وعد بلفور العام 1917 والذي يقضي باعطاء وعد رسمي من وزير خارجية بريطانيا لمنح المهاجرين الصهاينة من شتى بلاد العالم دولة على أرض فلسطين التاريخية، وهي أرض الشعب الفلسطيني، وترافق ذلك مع إزدياد عملية الهجرة اليهودية من مختلف الدول العالمية بما في ذلك الدول العربية، وهذا الاستيطان اليهودي في المدن العربية، والاراضي الفلسطينية أدى إلى صدامات شبه يومية بين الطرفين، ووصلت إلى سقوط العدد الكبير من الشهداء والجرحى، وعدد أكبر من اليهود المدعومين من حكومة الانتداب البريطانية التي ساعدت اليهود في بناء منظمات عسكرية إرهابية كان لها دور لافت في ارتكاب المجاز ضد الشعب الفلسطيني فيما بعد وخاصة عندما اكتملت حلقات المؤامرة الدولية واغتيال السيد الكونت برنادوت السويدي الذي عارض موضوع التقسيم.
لقد نجح قرار التقسيم الجائر وهو أول قرار في الامم المتحدة يتعلق بالقضية الفلسطينية بتاريخ 29/11/1947. وقد كانت هناك محاولة في العام 1937 بعد ثورة العام 1936 من قبل اللجنة الملكية البريطانية اقترحت تقسيم فلسطين إلى دولتين. واستمرت الحركة الصهيونية بإقامة البنية التحتية لدولتهم اليهودية بمساعدة بريطانية أميركية، وتكللت جهود الحركة الصهيونية بنيل التأييد للتقسيم بغالية (33) دولة مقابل (13)دولة، وامتناع (10) دول عن التصويت وتغيٌّب دولتين، وهذا القرار حمل الرقم (181)، وهو يشتمل على أربعة أجزاء/
دستور فلسطين
حدود الدولتين
مدينة القدس
امتيازات
لقد شكّل قرار التقسيم الذي رفضه الفلسطينيون جملةً وتقصيلاً مجزرة سياسية وتاريخية بحق الشعب الفلسطيني، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ قرار الامم المتحدة الذي ينص على الاعتراف بالكيان الاسرائيلي مرتبط بالاعتراف الاسرائيلي بالقرار 194 في 11/12/1948 وحق الفلسطينيين اللاجئين الذين شردوا من أرضهم بفعل المجازر الصهيونية بالعودة إلى أرضهم والتعويض عليهم.
والمؤسف أن الامم المتحدة التي اعترفت بقرار التقسيم رقم (181) واكتفت بأن أعطت كافة الحقوق السياسية لاسرائيل، واغتصبت الارض الفلسطينية، وسلمتها للعصابات الصهيونية، بينما تجاهلت الحقوق الوطنية والسياسية والتاريخية للشعب الفلسطيني، ولم تقم بتنفيذ الشق الثاني من قرار التقسيم الذي يعترف أن هناك دولة للفلسطينيين، وقد مورست بعد النكبة سياسات قمعية وتدميرية، وتصفوية للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وللأسف أن المؤسسة الدولية ومجلس الامن تحديداً هو الآن من يسعى إلى توفير المُناخات المناسبة للاحتلال الإسرائيلي كي يثبّت استعمارة واحتلاله للأرض، وعلى العكس تماماً فإن هذه المؤسسة الدولية تتعمد إحباط كافة القرارات والمشاريع السياسية المرفوعة إلى مجلس الأمن، والتي تطالب بإزالة الاحتلال، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التاريخية فلسطين، كما أن مجلس الأمن المهيمن على قرارات المؤسسة الدولية عاجزٌ تماماً عن تطبيق قرارات الشرعية الدولية وإلزام الكيان الاسرائيلي بها، فالكيان الصهيوني يمارس التهويد، والاستيطان، والإجرام، والقتل، وتدمير البيوت، والتهجير، وكل هذه القضايا محرَّمة دولياً، وهناك مئات القرارات التي تدين الاحتلال الاسرائيلي، لكن الواضح أن الكيان الصهيوني الغاصب أصبح فوق المساءلة، وفوق المحاسبة، وأصبح نتنياهو وحكومته المتطرفة تتطاول حتى على الرئيس الأميركي، وتهدد المؤسسات الدولية.
ولا شك أن الاعتراف الدولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة العام 1967 عبّر عن التعاطف الكامل مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وحقه في تقرير مصيره، وقد أذهل هذا الانتصار بواقع (138) دولة مع فلسطين ضد (9دول) مع إسرائيل، أذهل الولايات المتحدة، ثم جاءت الاعترافات الاوروبية وبرلماناتها بالدولة الفلسطينية إنتصاراً جديداً، كما أن إنضمام الدولة الفلسطينية المعترف بها دولياً إلى اتفاقات جنيف الأربع، وبالتالي إلى محكمة الجنايات الدولية ليهزَّ الكيان الإسرائيلي ويشعره بحجم الخطر الذي بات يشكله الشعب الفلسطيني على عدوه.
التحديات أمام الشعب الفلسطيني كبيرة، فالتحدي الأكبر والأهم هو الاحتلال الغاشم وكيفية مواجهته، والتصدي لسياساته التدميرية، ومقاومة وجوده على أرضنا، وتجاهله لكافة حقوقنا الوطنية والسياسية والاجتماعية، وضرورة تهيئة الظروف الفلسطينية الداخلية لجعلها أكثر تفاهماً، وتوحداً، وقدرة على إنهاء الانقسام الذي بدأ مع الانقلاب في العام 2007، وبالتالي الالتزام بما وقّعنا عليه جميعاً في القاهرة، والدوحة، والطريق واضح وصريح ولكنه يحتاج إلى حسم الخيارات، واعطاء الاولوية لحماية البيت الفلسطيني وهي "م.ت.ف" المعترف بها دولياً، وأيضاً لقطع الطريق بشكل كامل أمام المشروع التصفوي الاسرائيلي للقضية الفلسطينية، والرد على ذلك من خلال وحدة الارض الفلسطينية أي الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. ووحدة الارض الفلسطينية هي الضمانة لوحدة الشعب، ووحدة قواه الوطنية والاسلامية في إطار المشروع الوطني الفلسطيني، ورسم استراتيجيات فلسطينية موحّدة سياسياً، واعلامياً، ومقاومة، ودبلوماسية، وهذا الأمر إذا توفر حقيقة يكون هو المدخل الثوري لتشكيل قوة واحدة، وخطة سياسية واحدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
من هنا نستطيع الإنطلاق لتهيئة الظروف ميدانياً، وسياسياً، وقانونياً لتصعيد كفاحنا باتجاه حق العودة إلى أرضنا فلسطين، والعودة لاشك هي لخمسة ملايين في الشتات، كما أنها لعودة أهالي ما يقارب 530 مدينة وقرية وقبيلة عربية فلسطينية، وقد دُمّرت هذه القرى جميعها واستولى عليها الكيان المحتل ومساحتها بحدود 18،6 مليون دونم وعددهم حوالي (250) ألف، وأيضاً أهالي المخيمات في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
ووفقاً للقرار رقم 194 / الفقر 11 تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر من الممتلكات. الدكتور محمد إشتيه يحدد طبيعة حق العودة فيقول:
إنه حق فردي، لكنه ذو بُعد جماعي لأنه يعني أغلبية الشعب.
إنه حق ذو طبيعة مدنية ، لكنه أيضاً ذو طبيعة سياسية، إذ يعني استعادة المواطنة أياً تكن في أية حال.
إنه حق فردي، وحق مُنشئ لحقوق قومية في آن، وهذا ما يعطيه بعداً جماعياً.
إنّ الطابع الفردي لهذا الحق هو على الارجح الطابع الذي يبدو بالطريقة الأوضح. وفي هذا الصدد يمكن ذكر المادة رقم (17) الفقرة رقم (2) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على أنه " لا يمكن أن يحرم أحد بصورة تعسفية من ملكيته، ولا شك أن ممارسة هذا الحق من قبل الانسان الفلسطيني تسمح بتحقيق حق قومي هو حق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن علينا أن نتذكر بأن وجود ملايين من الفلسطينيين خارج أرضهم أضعف فعاليتهم في ممارسة حق العودة ميدانياً.
والتعريف الواضح للاجئ الفلسطيني أنه كل فلسطيني (غير يهودي) طُرد من محل إقامته الطبيعية في فلسطين العام 1948، أو بعده، أو خرج منها لأي سبب كان، ولم تسمح له إسرائيل بالعودة إلى موطنه السابق، ويبقى اللاجئ محتفظاً بهذه الصفة إلى أن يعود هو و نسله إلى موطنه الأصلي.
إننا نفهم من سياق هذا التعريف أن عودة أي إنسان فلسطيني إلى أرض دولة فلسطين لا يعني إسقاط صفة اللاجئ عنه طالما هو لم يعد إلى مسكنه الاصلي، وهذا المعيار ينطبق أيضاً على أهالي القرى المدمّرة من قبل الاحتلال.
الانروا أضافت إلى التعريف السابق أن اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من 1/6/1946 حتى 15/5/1948، والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948، ولهم حق تلقي المساعدات من الانروا. من الواضح أن لا أحد يستطيع التحكم بحق العودة، ولا بالحقوق السياسية والقانونية المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي يحتل فيها اتجاه حق العودة، خاصة أن أصحاب هذا الحق مضى عليهم سبعة وستون عاماً وهم ينتظرون تنفيذ هذا الحق.
والواضح أن هناك إجماعاً فلسطينياً على تنفيذ هذا الحق، وهذا بارز في المواقف السياسية للفصائل عامة، كما أنّ هناك إجماعاً سياسياً وشعبياً على رفض كل أشكال التوطين كبديل عن العودة إلى فلسطين التاريخية.
ولا شك أن القيادة الفلسطينية عندما تؤكد على تنفيذ حق العودة إستناداً إلى القرار الاممي 194 أي العودة إلى فلسطين التاريخية، فهذا يؤكد أن هذه الارض التي نريد العودة إليها أي الجليل والمثلث والنقب، وهذا ما أقرته الشرعية الدولية يؤكد روايتنا الفلسطينية التاريخية بأن الارض أرضنا، وإنّ شعبنا واحد، وانّ العودة حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها.
في هذا الوقت بالذات يؤكد نتنياهو وحكومته أنّ إسرائيل دولة يهودية،وهذا يعني رفض حق العودة للفلسطينيين من ناحية، ومن ناحية ثانية الاصرار على طرد وتهجير كل من هو غير يهودي في هذه الدولة.
هذا الواقع يؤكد بأن رحلة تنفيذ حق العودة ليست خطابات سياسية، وليست إتهامات لهذا الطرف أو ذاك، إنها بأمس الحاجة إلى إرساء قواعد صلبة مدروسة لتحقيق مجموعة قضايا أساسية:
أولاً: إنهاء الانقسام نهائياً، وتحقيق الوحدة الوطنية الكاملة، واجراء الانتخابات الكاملة، ووضع الاستراتيجيات العسكرية والسياسية من أجل مقاومة الاحتلال.
ثانياً: أن نخوض المعركة السياسية والدبلوماسية والقانونية معاً وجنباً إلى جنب لأن هذه المعركة الموحَّدة ترغم الامم المتحدة والمجتمع الدولي الذي أعطى الكيان الاسرائيلي كل ما يريد، وحرمَ شعبنا من كل حقوقه، بأن يكون على مستوى المسؤولية ويعترف بحق شعبنا في العودة وتقرير المصير. بمعنى أوضح لا بد أن تحاربهم بالامم المتحدة التي حاربونا بها، وحصلوا على ما أرادوا.
ثالثاً: إن شعبنا يريد شيئاً من الاطمئنان، وتهدئة النفوس، وهذا مطلوب من القيادة الفلسطينية بشكل واضح بأننا نحن قيادة موحَّدة، ولدينا غرفة عمليات موحَّدة، وبرنامج سياسي موحَّد، وأننا ملتزمون بما وقّعنا عليه، والاهم أننا سنضع فلسطين فوق كل الحسابات الفصائلية، والمصالح الحزبية، واننا لن نكون طرفاً في الصراعات الدائرة حولنا حتى لا نستهلك قدراتنا في معارك جانبية، وأن نُبقي قضية فلسطين قضية الجميع، وبعيدة عن النزاعات والصراعات.
من هنا يبدأ العمل الصواب والجاد في معركة تنفيذ حق العودة.
رابعاً: علينا أن لا ننسى المؤامرة الكُبرى التي تحاك ضد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وبيوتهم التي شُرِّدوا منها، هذه المؤامرة التي تقودها الولايات المتحدة لصالح الاحتلال الصهيوني، وهذا برز مؤخراً من خلال تخفيض الخدمات من قبل الانروا، واتخاذ قرارات تمهد لإغلاق هذه المؤسسة الدولية التي وُلدت مع بداية نكبة الشعب الفلسطيني، والتي كانت شاهدة على مأساته، وعلى التداعيات الاجتماعية والانسانية والسياسية، والحقوقية للنكبة التي مضى على حدوثها سبعة وستون عاماً. فاليوم المفوض العام للانروا يعلن صراحة بأنه ينوي إقفال سبعماية مدرسة في الاقطار التي تضم المخيمات إذا لم يتم دفع المبالغ المطلوبة من قبل الدول المانحة ليس لهذا العام فقط، وإنما ما يضمن وجود موازنات كافية للسنوات القادمة. وإذا ما عرفنا أن العجز الحالي هو (101) مليون دولار فإننا نستغرب أن الدول المانحة العربية وغير العربية ترفض دفع هذا المبلغ المقدور على دفعه عمليا ، وهذا ما يثير الاستغراب والتساؤل. ونحن لا نستطيع إلاَّ أن نربط بين هذه الاجراءات التي ترعاها الولايات المتحدة ، وعملية تصفية القضية الفلسطينية التي يسعى إليها الكيان الصهيوني .
شكراً لكم على حسن الاستماع .
والسلام عليكم
الحاج رفعت شناعة أمين سر اقليم لبنان 8/8/2015
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها