حـوار/ امـل خليفة- رام اللـه - فلسطـين

تقف القيادة الفلسطينية أمام العديد من التحديات السياسية والانتخابية والدولية والاقتصادية، وترزح تحت الضغوط الخارجية للتوصُّل إلى حلول لا يمكن أن تكون مرضية للقضية وللشعب الفلسطيني، لتبحث عن الحلول التي ترى بها المصلحة الوطنية بأقل الخسائر. وفي الوقت الذي لا تألوا القيادة الفلسطينية فيه جهداً لمحاولة حل مسائل الانقسام الداخلي والانتخابات العامة وتشكيل حكومة جديدة، يأتي تجديد الاتفاق الفلسطيني الأردني بشأن حماية القدس والأوقاف الإسلامية، ليرفع عنها بعض همومها، في وقت يستقبل الشعب فيه شهداءه الأسرى، وتسعى القيادة لرفع مستوى المطالبة بحقوق الأسرى بالتوجُّه إلى الجمعيات الحقوقية الدولية. عن هذه المواضيع وغيرها حدَّثنا عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمود العالول "أبو جهاد" خلال لقائنا به.

 

بدايةً، ما رأيك بنتائج الانتخابات التي تخوضها الحركة على المستوى الطلابي والبلديات؟ وكيف ترى تأثير هذه النتائج على الانتخابات العامة في حال إقرارها؟

لا شكَّ أننا عندما نتحدَّث عن الوضع الانتخابي فهذا يعني أننا نتحدث عن الاستحقاق الديمقراطي الذي وعدنا به شعبنا الفلسطيني، والذي نسعى دائماً لئلا يتوقَّف. ولكن بعض أشكال الاستحقاق الديمقراطي والانتخابات معطَّلة لأنها لا يجوز إلا أن تتم على مستوى الوطن ككل، وذلك نتيجة الإخفاق في غزة وعدم السماح بإجراء تلك الانتخابات فيها، كالانتخابات الشمولية التي لها علاقة بانتخابات الرئاسة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي. ولكن هناك أيضاً أشكال أخرى من الانتخابات بالإمكان إجراؤها وتتم، كمجالس البلديات والانتخابات المحلية. والآن هناك انتخابات تحدث في كافة أنحاء الوطن في كافة جامعات الضفة الغربية على الأقل. ولأن هذا الأمر محظور ومعطَّل في قطاع غزة، الناس والطلبة يتعطَّشون لإمكانية ممارستهم لحقَي الانتخابات والاختيار لديهم. وحتى الآن أجرينا انتخابات في ست جامعات وهناك متابعة مباشرة لهذا الأمر، علماً أن الشبيبة الفتحاوية تحصد أكثر المقاعد في كل الجامعات التي أُجريت فيها هذه العملية الانتخابية. وهذا الحصاد والنجاح الرائع مرده لأسباب عديدة، أولها السبب المحلي لكل جامعة أي السبب النقابي. فكافة المجالس الطلابية التي سيطرت عليها حركة "فتح"، كانت تقوم بواجباتها من حيثُ خدمة الطلاب والدفاع عنهم وعن حقوقهم. من جهة ثانية، فجمهور الطلبة بشكل عام لا يؤيِّد الكتلة الإسلامية بسبب حظر الانتخابات في غزة، وإدراك الجميع بأن حماس هي التي تعطِّل المصالحة الوطنية واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، إضافةً إلى الجانب الهام والأساسي وهو رؤية الجمهور لما يجري في المنطقة، وما يصنعه هذا الإسلام السياسي، وكيف أنه كلما دخل بلداً أو موقعاً أدخل هذا البلد وهذا الموقع بالصراع الداخلي الذي لا يتوقف، كما في مصر. والذي يجعلنا قلقين على وضع مصر والأمة العربية هو قدرة مصر ووزنها وتأثيرها على الأمة العربية. كذلك فالطلبة يرون كيف قاد الإسلام السياسي المنطقة باتجاه الخراب والدمار والفوضى، وهذه بمجموعها أسباب تدفع الجمهور بكافة فئاته لعدم تأييد حركة حماس وكتلتها الانتخابية.

برأيك هل يمكن إسقاط نتائج الانتخابات في البلديات والمجالس المحلية والجامعات على الانتخابات العامة في حال إقرارها؟

بالتأكيد فهي مؤشر جيد لما قد تكون عليه نتائج الانتخابات العامة، لأنه عندما نتحدَّث عن الجامعات فيجب ألا ننسى أنها مرآة المجتمع. ومن يمارسون حق الانتخاب في الجامعات من الطلبة يمثلون كل فئات وشرائح هذا المجتمع ويجسِّدون انعكاساً لوضعه. فانتخابات الجامعات بالذات تشكِّل مؤشراً يُظهر وجهة الشارع في الرأي السياسي. ولهذا فنحن مطمئنون لنتائج الانتخابات العامة القادمة، ونعمل في الحركة دوماً على بناء قواعد في كافة الأطر النقابية والطلابية والمجتمعية لتكون أساساً مهمَّاً في بيان الرأي العام من كافة الترتيبات والإجراءات، وإيصال الرسائل الصحيحة دون تشويه إلى الجمهور.

بالنسبة لموضوع تجديد الاتفاق الفلسطيني الأردني لحماية القدس والأراضي المقدسة، فما هو برأيك الدَّافع وراءه؟

لقد أتى هذا التجديد تحديداً في هذا الوقت بسبب حصولنا على العضوية المراقبة كدولة في الأمم المتحدة، مما أثار تساؤلاً أردنياً حول إذا ما كان التزامنا بشأن حماية المقدسات والأوقاف ينتهي مع الحصول على الدولة والعضوية، وهذا غير صحيح كلياً. واعتقد أن الكثير من الأوساط حمَّلت هذا الأمر ما لا يحتمله. ونحن كفلسطينيين من مصلحتنا أن يكون للأردن دور في حماية المقدسات وهو مطلب نحرص عليه. فنحن أولوياتنا هي مواجهة الاحتلال وحماية أرضنا وأيضاً حماية مقدساتنا، ومن مصلحتنا أن نشرك أيَّاً كان في هذا الواجب، و"لنضع أقدام الجميع معنا بالفلقة" كما يقولون. فالعبء كبير للغاية، ويجب أن تساهم الأمة الإسلامية والعربية جميعها في تحمُّله وليس الأردن فحسب، وأساساً هذا أمر مؤقت إلى أن تتم السيادة الفلسطينية على كل الأراضي المحتلة عام 1967. فالموجود الآن ما هو إلا نفوذ شعبي من قِبَل الشعب الفلسطيني. وهذه المناطق ما زالت تحت الاحتلال  الإسرائيلي.

ما هي الترتيبات القانونية المتعلِّقة بالأسرى في المعتقلات الإسرائيلية، خاصة أنه في الآونة الأخيرة كان هناك العديد من الشهداء الأسرى؟

إن موضوع الأسرى موضوع هام إلى درجة كبيرة للغاية، وهو موضوع مؤثِّر ومؤلم وضاغط على مشاعرنا كشعب فلسطيني. فهو موضوع شامل، حيثُ لا يوجد منزل فلسطيني خلا من أسير أو أكثر، ولا يوجد حي أو عائلة لم يعتقل منهم أحد. وقد زاد الألم خلال الفترات الأخيرة لاستقبالنا لكمٍّ جديد من جثامين أبنائنا داخل المعتقلات، إما مقتولين تحت التعذيب أو نتيجةً للإهمال الطبي، وبعضهم استشهد لاستخدامهم كحقول تجارب للأدوية والعقاقير. ونحن في هذه المرحلة نشهد ثورة الأسرى وعنفوانهم ومواجهتهم للسجَّان دفاعاً عن كرامتهم وكرامة شعبهم. وهم بالنسبة لنا أبطال نفخر بهم لدرجة كبيرة جداً، لأنهم مضحون كما الشهداء. فقد ضحَّى هؤلاء الشجعان بأغلى ما يملك الإنسان ألا وهو الحرية من أجل حرية شعبهم، ونحن سعيدون للغاية لهذا التفاعل الرائع مع قضايا الأسرى من قِبَل كل الشعب الفلسطيني وفي كل المواقع والأماكن وحتى في فعاليات المقاومة الشعبية التي نمارسها باسم الأسرى. ولا شكَّ أنه خلال الفترة الماضية والراهنة كان لقضية الأسرى الأولوية، حيثُ أنه لا يمكن أن يتم بحث أي قضية وعلى أي مستوى على الإطلاق دون أن يرافقها دوماً موضوع الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية. ونحن نعمل من أجل صناعة شيء من الضغط العالمي على هذه الحكومة الإسرائيلية للإفراج عن الأسرى، ووضع ملف الأسرى كأحد الشروط لأي تقدُّم سياسي خلال الفترة القادمة. وكما نؤكِّد إيقاف الاستيطان، كذلك نشدِّد على ضرورة إطلاق سراح الأسرى كافة، ونسعى من أجل إقامة مؤتمر دولي لمناقشة أوضاع الأسرى وحقوقهم، وهناك مجموعات مختصَّة تعمل من أجل الانضمام إلى المنظمات الحقوقية العالمية للتمكُّن من المطالبة بحقوق أسرانا في معتقلات الاحتلال، واعتبارهم أسرى حرب تنطبق عليهم القواعد والقوانين الدولية واتفاقية جنيف المتعلِّقة بأسرى الحرب، ونحن نبذل ما نستطيع من جهد للإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين. ولكننا اليوم متخوفون على حالة الأسير سامر العيساوي الذي أمضى فترة طويلة من الإضراب عن الطعام ووضعه الصحي غير مستقر بتاتاً، إضافة إلى زملائه الأسرى الذين يقفون وقفة عز حقيقية لمواجهة هذا السجَّان.

كان هناك دعوة لانعقاد المجلس التشريعي لمناقشة موضوع الموازنة، فلماذا لم يُعقد؟

المسألة تتعلَّق بعدم قدرة المجلس التشريعي على الاجتماع ككل نتيجةً للانقسام الحاصل، باعتبار جسم المجلس التشريعي ككل جسماً معطلاً، ولكننا نستعيض عنه بهيئة من ممثلي الكتل البرلمانية التي تجتمع بشكل دائم، وتقوم ببعض أشكال الرقابة على الحكومة، وتتابع الموازنة والقرارات الصادرة وأموراً من هذا القبيل. وهذه اللجنة لا توجد أيَّة مشكلة في انعقادها وهي تدرس الأمور كافة، وربما لأن وضع المجلس التشريعي ككل معطَّل فهذه اللجنة أحياناً ليست ملزمة، لذلك فقد ظهر شكل من أشكال التناقض مع رئيس الوزراء، كالسبب وراء عدم عرض الموازنة على هيئة الكتل البرلمانية، وما زال هناك خلاف على هذا الأمر، وليست هناك أية حلول مطروحة لحل هذه الأزمة، وهذه إحدى أسباب الخلاف العميق مع رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض.

ما هي احتمالات تشكيل الحكومة القادمة برأيك؟

تشكيل الحكومة قادم لا محالة. ثمَّ وقبل أن يكون هناك خلافات بين هيئة الكتل البرلمانية ورئاسة الوزراء، فمسألة تشكيل حكومة جديدة، كانت موضوعاً يُرحَّل ويؤجَّل في انتظار أن ترسو سفينة المصالحة على بر ما، بسبب وجود اتفاق الدوحة الذي تمَّ بتشكيل حكومة مستقلين برئاسة الرئيس أبو مازن، وانجاز ملف المصالحة على أن تشرف هذه الحكومة على الانتخابات العامة القادمة. لذا كنا نرحِّل تشكيل هذه الحكومة بانتظار نتائج المصالحة، ولم نكن معنيين بتشكيل حكومات مؤقتة. وقد حصل خلاف مع رئيس الوزراء خلال الفترة الماضية وقدَّم استقالته وتمَّ قبولها. والآن سوف يتم السعي لاستثمار كل المهل القانونية التي تسمح باستمرار حكومة تسيير الأعمال لاستطلاع الوضع بخصوص إمكانية حدوث مصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة مستقلين، وأيضاً استطلاع بعض المسائل التي لها علاقة بالحراك السياسي وأين ستصل. كل هذا نحاول استطلاعه خلال المدد القانونية المتاحة لنا وسوف يكون هناك حكومة جديدة. أمَّا بالنسبة للانتخابات خلال الفترة القادمة، فستشرف عليها حكومة مستقلين برئاسة الرئيس أبو مازن أو حكومة أخرى بديلة لحكومة سلام فياض.

ما هي احتمالات المصالحة خلال هذه الفترة القانونية التي نتحدث عنها؟

الآن وبعد أن أنهت لجنة الانتخابات التحضيرية التحضيرات، فخلال الأيام القادمة سيكون هناك شيء من التواصل مع حركة حماس لنرى إمكانية دوران عجلة المصالحة كي نبدأ بالتشاور بشأن تشكيل حكومة المستقلين أم لا، وهذا بحاجة إلى الانتظار قليلا لرؤية النتائج، ونحن حريصون على إنجاز المصالحة الوطنية وهذا هو قرارنا لبذل كل الجهد في هذه المسألة، إلا أنه في الكثير من الأحيان فإن بعض التصريحات التي تخرج عن حركة حماس تجاه السعي لتسعير الوضع الداخلي تدفعنا إلى عدم التفاؤل، إلا أن حرصنا على الوحدة الوطنية يجبرنا على التغاضي عن هذه التصريحات.

لقد حاولت جهات عديدة الضغط بعدم قبول استقالة الدكتور سلام فياض، برأيك هل سيؤثِّر قبول الاستقالة على الوضع الاقتصادي والمالي للسلطة؟

استقالة سلام فياض لن تؤثِّرَ على وضع السلطة. فالدَّعم الذي يأتي كان أساساً يأتي للشعب الفلسطيني وليس لسلام فياض، وهذه مسألة واضحة. أمَّا كون سلام فياض شخصية مرضياً عنها من قِبَل الغرب والأمريكان، فهذا أمر آخر. فالدعم المالي يأتي للشعب الفلسطيني وليس بسبب وجود شخصيات معينة على رأس الحكومة، ومسألة الدعم المالي في هذه المرحلة خاصة، مرتبطة بالموقف السياسي، لاسيما في ظل وجود حالة تعارض عميقة بيننا نحن والإسرائيليين، وأيضاً بيننا وبين الأمريكان. لذا فهم أحياناً يستخدمون الدعم المالي من أجل الضغط علينا لنيل مردود سياسي.

ما هي فحوى مبادرة الخارجية الأمريكية؟ وهل من الممكن العودة إلى المفاوضات خلال الفترة القليلة القادمة؟

حتى الآن لا توجد معالم لمبادرة أمريكية واضحة. فمن الجلي تماماً أن هناك محاولة أمريكية للتهرُّب من الاستحقاق السياسي باتجاه ما كان يسمَّى سابقاً بالسلام الاقتصادي، إلى اتجاه البحث عن رزمة من التسهيلات والدعم الاقتصادي، وهذه المسألة بالنسبة لنا مرفوضة جملةً وتفصيلاً. فهذه التسهيلات هي استحقاق، ونحن لا نرفض ذلك، ولكن هذا ليس بديلاً عن طرح سياسي له علاقة بقضية سياسية، والمطلوب ليس فقط تسهيلات، وهذا صراع دائم وطويل بيننا وبين المحتل، ولا يوجد لدى أيٍّ منا وهم بأنه يمكن صناعة السلام مع مثل هذه الحكومة الإسرائيلية ومثل هذه القيادة الإسرائيلية التي ترتكب كل هذه الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، والتصريحات الإسرائيلية تؤكِّد ذلك خاصةً فيما يخص بناء المستوطنات على الأراضي المحتلة عام 1967، وسياسة الاعتقال، وكافة الجرائم التي ترتكبها هذه الحكومة الإسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني. ولكننا سنبقى نقاوم، وسيبقى عنواننا الصمود على الكثير من الأصعدة، سواء أكانت على صعيد سياسي متمثِّل بالتمسُّك بالموقف السياسي القوي والمتقاطع عليه فلسطينيا، أم بالصمود على المستوى الميداني باستمرار مقاومة هذه الانتهاكات الإسرائيلية.