خاص مجلة القدس/ لا شك ان الاحداث العربية المتنامية والمتصاعدة والمتنقلة والآتية في سياق ما بات يعرف بثورات "الربيع العربي". ساعد على غياب المشهد العراقي عن دائرة الاهتمام الاعلامي والسياسي سواء على المستوى العربي او حتى على المستوى الدولي، وذلك على الرغم من ان العراق شهد العديد والكثير من الاحداث التي قد تفوق بأهميتها كثيراً من الاحداث الأخرى في الوطن العربي..

فمنذ اللحطة الاولى لتعيين المجلس الحاكم وعلى رأسه برايمر بصفته حاكماً مطلقاً ووحيداً بعد الاحتلال عملت الادارة الاميركية على ترتيب الشأن العراقي الداخلي وترتيب اوضاعه الاقتصادية والسياسية بما يتلاءم مع مصالح الادارة الاميركية وعلى حساب المصالح الوطنية العراقية.

ولهذا لم يأتِ الانسحاب الاميركي الا بعد ان اطمأنت الادارة الاميركية بأنها أخذت ما تريد أخذه من العراق ومن حكامه الجدد. الذين تسلموا الدفة والقيادة من مجلس برايمر الاميركي على الرغم من تشكيل حكومات عراقية الهوية واجراء انتخابات برلمانية وصياغة دستور جديد وانتخابات رئاسية اسفرت في نهاية المطاف انتخاب جلال الطالباني رئيساً وتنصيب نوري المالكي على رأس الحكومة، وهي التي تابعت ما كان مرسوماً لها من قبل الحاكم الاميركي. وتكملة احكام السيطرة الاميركية على المقدرات العراقية على الرغم من الموافقة على ادخال شريك آخر لها وهي ايران بطريقة بدت وان المصالح الاميركية – الايرانية المتباعدة في كل شيء تلاقت حول العراق الذي كرس كنقطة وحيدة لالتقاء المصالح الاميركية -  الايرانية في منطقة الخليج العربي وهذا ما كان ليتم لولا الكثير من المحطات والتحولات والتبدلات بدأت منذ توقيع اتفاق أربيل الذي اسفر عن تكليف نوري المالكي رجل ايران القوى تأليف الحكومة العراقية على الرغم من حصول تكتل "دولة القانون" على المرتبة الثانية خلف تكتل "العراقية" التي يترأسها اياد علاوي المعروف بعلاقاته العربية وصداقاته مع الكثير من زعمائها.

وعلى الرغم من النجاح في هذه التسويات والتشكيلات الا ان الحكومة العراقية الحالية وبرئاسة نوري المالكي ومن خلال ممارساتها المتواصلة التي فاحت منها الفضائح وروائح الفساد الاداري والمالي والسياسي المدعوم بكثير من القمع الأمني والعسكري تجسدت من خلال استبعاد أو ابعاد خصومها السياسيين عن دائرة التأثير في الحاضر والمستقبل العراقي، وهو ما يعني تعرض العقد العراقي للانفراط وبالتالي تفسيمه على أسس جديدة يسعى اليها البعض الا ان حسابات حقل المالكي وبالتالي ايران – اميركا لم تتطابق مع حساب البيدر العراقي الذي يبدو انه تنبه لما يحصل حوله وعليه مستفيداً من الاحداث المحيطة المعروفة"بالربيع العربي" لتنطلق ومنذ اكثر من عام سلسلة من الاحتجاجات والاعتراضات على سياسة الحكومة الأمنية والاقتصادية وكذلك سياسات التهميش الممارسة ضد العديد من التشكيلات السياسية والاجتماعية وحتى المذهبية التي تشكل مجتمعة خريطة العراق المستهدفة من كثير من الدوائر الاميركية – الايرانية والتي تصب كلها في خانة تقسيم العراق جغرافيا بعدما تم اقتسامه سياسياً واقتصادياً. وهذا ما يُخشى منه خلال الفترة القادمة ليتفاجأ الجميع بتطورات "عراقية" دراماتيكية لم تكن واردة بالحسبان مستفيدة من تحول الاهتمام صوب ما يجري في الوطن العربي من "ثورات ربيعية"، وصلت الى حدود العراق نفسه ودخوله طرفاً رئيساً فيها وهو ما وضعه امام خطر جديد بدأت علائمه تظهر وتجلت في اعمال أمنية كبيرة سواء على حدوده مع سوريا ونسبها لتنظيم القاعدة او في داخله من خلال عودة مسلسل التفجيرات الكبيرة وايقاع الخسائر الهائلة والتي لم تجد الحكومة العراقية الحالية طرفاً تنسبها اليه بعدما فقدت الورقة "الفزاعة" التي كانت تستخدمها اطراف ارهابية داخلية لها هوية مذهبية محددة ومرتبطة برموز وقيادات ليست موجودة على مساحة المشهد العراقي الحالي.

ويبدو ان هذه الممارسات كانت الدافع والمحرك الاساسي وراء "انتفاضة" الشعب العراقي في وجه حكومة المالكي والتي يبدو انها لن تمر بسهولة ويسر وسيكون لها  نتائجها المختلفة على الحالة العراقية الذي يبدو انه يسير نحو المجهول المظلم مهدت له السنوات العشر الماضية التي مرت.