خاص مجلة القدس/ في الواحد والعشرين من آذار كل عام تسجل فيها أسطورة معركة الكرامة الخالدة درساً للأجيال وطريقاً للمناضلين نحو الحرية والخلاص الوطني، معركة الكرامة التي خاضها الفدائيون الفلسطينيون في 21/3/1968 حين كانت البدايات الأولى لقواعد الارتكازية للثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة فتح شكلت المفصل التاريخي في سيرورة النضال الفلسطيني الحديث، والراية التي حملتها الآلاف من المناضلين الفلسطينيين والعرب نصرة للقضية الفلسطينية واستعادة للكرامة الوطنية المهزومة في هزيمة النظام الرسمي العربي في حرب 1967.

الحديث عن معركة الكرامة بعد خمسة وأربعين عاماً له أهميته ودلالاته السياسية والمعنوية والفكرية، بما أنها نهاية شيء وبداية شيء أخر.

هي نقطة التحول في حياة الجماهير العربية وتحريرها من الخوف والارتهان للنظام الرسمي العربي  والتحاقهم بالثورة الفلسطينية المعاصرة، أولئك الفتحويون الذين ناقضوا الإستراتيجية العربية قبل هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 وليس بعدها.

كان لظهور قوات العاصفة عام 1965 ظاهرة جديدة لما تمثله من تحدٍ للواقع العربي ومؤسساته السياسية، كما كان للفكر الجديد ومنهجيته وممارسته الثورية الرافض لمنطق الإستراتيجية العربية لتثبيت خط الهدنة خطاً دفاعياً ثابتاً، وبما أن تحليل القيادة الفلسطينية في تلك المرحلة وقناعتهم بأن إسرائيل تستعد لجولة جديدة من الحرب على العرب على خلفية الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها وتداعياتها على المجتمع الإسرائيلي يدفع بها باتجاه الحرب كممر إجباري لحل أزماتها وترحيل تلك الأزمات في ملعب العرب، والهدف الثاني كان يستهدف مسألة التوسع واحتلال أراضي عربية جديدة في  ظل الخلل في التوازن وعدم قدرة العرب على الحرب من خلال إستراتيجية وتهيئة الظروف والمناخ نفسياً وعسكرياً.

الحقيقية الأساسية في السياسة تقول أن الحرب امتداد للسياسية ولكن بوسائل أخرى، ذلك يقودنا إلى مفهوم آخر أن المعركة تنتهي عندما يحقق أحد الطرفين هدفه السياسي ويفشل الأخر.

وبهذا المعنى فأن معركة الكرامة نضعها في إطارها السياسي الحقيقي. ولاستقراء ذلك فأن وصول قوات الاحتلال الإسرائيلي على مشارف قناة السويس ونهر الأردن واحتلال الجولان، كان ديان يقول كلما قرع باب غرفتي  أظن أن العرب قد أرسلوا رسولاً منهم ليوقع صك الصلح والاستسلام.

ملحمة الكرامة الخالدة في التاريخ الفلسطيني والعرب المعاصر أسست لمرحلة نضالية جديدة ورداً موضوعياً لمسألة الصراع ورفضاً لأهداف الهزيمة وثقافتها والانتقال من الجغرافيا السياسية ونظرياتها وتحليلاتها إلى الشروط الموضوعية والواقعية التي تحدد معايير ومتطلبات الصراع على الأرض استناداً لحركة التاريخ ومصلحة الجماهير وتطلعاتها ومستقبلها.

لقد غدت معركة الكرامة درساً يدرس للأجيال وفي الكليات العسكرية، ومادة ثقافية للأعداد النفسي والمعنوي في كيفية الخروج من حالة اليأس والهزيمة إلى محطة للصمود والثبات وتحقيق النصر.

حققت معركة الكرامة بنتائجها السياسية ما كان مطلوباً منها فلسطينياً وهما هدفين أساسين: تجويف الانتصار العسكري الإسرائيلي لهزيمة الخامس من حزيران عام 1967، والثاني تثبيت قواعد الثورة الفلسطينية في محاذاة نهر الأردن أو ما يسمى بالقواعد الارتكازية الآمنة التي هيأت الظروف لانطلاقة جديدة لممارسة الكفاح المسلح واستقبال الآلاف من المناضلين الفلسطينيين والعرب والتحاقهم بحركة فتح وممارسة حرب الشعب وبداية النهوض الوطني والقومي واحتلال الجماهير لدورها الحقيقي في مسألة الصراع.

بعد خمسة وأربعين عاماً على معركة الكرامة الخالدة محطات كثيرة في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، كل واحدة منها شكلت خريطة طريق تماهت مع ظروفها السياسية والانتقال إلى مرحلة جديدة. كان لتلك المعركة دلالات في حركة شعبنا المتواصلة بتضحياته وصموده وأكسبته المناعة والحصانة في  مواجهة كل التحديات وعبور مارثون التهميش والإلغاء والبدائل على مختلف أشكالها وألوانها ومروجيها.

استعادة للوعي والدور التاريخي المناط بالشعب الفلسطيني والتأكيد وتكريس وحدة الشعب والهدف بامتلاك الإرادة والقرار بالاتجاه الصحيح.

بعد خمسة وأربعين عاماً تبقى شعلة الكرامة متوقدة في وجدان الإنسان الفلسطيني وراية يحملها من جيل إلى جيل، منها الدروس والعبر، يحمي ثوابته ويحرس مشروعة الوطني. إنها الدرس الخالد لشعب عظيم، وقضية لا بد وأن تنتصر.