خاص مجلة القدس/ على ضوء نتائج الإنتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي ، وبروز قوة يائير لبيد الذي يقود حزب "هناك مستقبل " ، الفائز بتسعة عشر مقعداً، يبدو أن عقد التحالف القوي بين الليكود وشاس والحريديم بشكل عام قد انفرط .

فالشرط الأساس للبيد العلماني - لقبوله الشراكة مع نتنياهو تركز حول تجريد الحريديم عامة من امتيازاتهم على حساب الشعب الإسرائيلي ، أي تقليص الخدمات المقدمة لهم تاريخياً وفرض التجنيد في الجيش الإسرائيلي عليهم إسوة بباقي مكونات إسرائيل البشرية .

قبول نتنياهو شروط لبيد لم تكن برغبة منه، رغم أنه أعرب علناً عن طموحه لخلافة رئيس الوزراء الإسرائيلي والليكود على زعامة إسرائيل مستقبلا، إنما بسبب تدني مكانة إسرائيل التي وصلت إلى حضيض الدول ذات السمعة السيئة عالميا، رغم احتفاظ نتنياهو بكرسي الخارجية بانتظار ما ستؤول إليه الملاحقات القضائية بحق زعيم إسرائيل بيتنا ليبرمان .

القادة الجدد الذين أفرزتهم الإنتخابات البرلمانية الأخيرة ليسوا أفضل من المتطرفين الدينيين، كشاس وغيرها، بل هم يساوونها في معدل العداء للفلسطينيين وإنكار حقوقهم الوطنية. فيما وزيرة العدل في الحكومة الجديدة تسيبي ليفني، التي طالما هاجمت وتمنعت عن الإشتراك في حكومة بقيادة نتنياهو، تبرر موافقتها الإيجابية بالمشاركة باشتراطها العمل على إيجاد المناخ الملائم للشروع في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني ، فيما اتهمها الآخرون في حزبها السابق وكبريات الصحف الإسرائيلية "بالإنتهازية والكاذبة والمزيفة وبغير ذات الثقة".

الحكومة ذات ال 21 وزيراً التي ألفها نتنياهو يبدو أنها سوف تركز على الوضع الداخلي الإسرائيلي، لجهتي تحسين الإقتصاد المتردي والخلل الكبير الذي أصاب الطبقتين المتوسطة والفقيرة، فيما يرى محللون إسرائيليون منح وزارة المالية للبيد فخاً محكماً له، لأن الشعب الإسرائيلي سوف يحمله مسؤولية الأوضاع الصعبة التي يعانيها وما سوف يترتب عليها من مصاعب لاحقة، فيكون نتنياهو بذلك قد سدد إليه لكمة قاسية دون كبير عناء ، خاصة وأن المراقبين لا يتوقعون تحسناً في الإقتصاد الإسرائيلي على المدى القريب، نظراً لارتباطه الوثيق بأزمة الإقتصاد العالمي .

تعليقاً على زيارة أوباما للمنطقة، قال المحلل السياسي الأميركي المرموق توماس فريدمان عبر صحيفة "نيويورك تايمز":  أوباما قد يكون الرئيس الأميركي الوحيد الذي يزور إسرائيل كسائح.

قد يكون كلام توماس صحيحا لجهة دور إدارة أوباما الحالية بالنسبة لمسألة التسوية في المنطقة وذهابها باتجاه اهتمامات أخرى خارجها. أما بالنسبة لجوهر الزيارة، فهي تأتي لتؤكد على مركزية إسرائيل كذراع استراتيجي في منظومة السياسة والمصالح الأميركية على السواء، ولكي يثبت ما هو ثابت في العلاقة بين البلدين على "تحالفهما الأبدي"  وعلى أنه "من مصالح أمننا القومي الرئيسة الوقوف مع إسرائيل، لأن ذلك يجعل كلا منا أقوى".

أوباما جاء إلى المنطقة مؤكداً لنا، ولجميع من يهمهم الأمر، حقيقة السياسة الناعمة التي بدأتها الإدارة الأميركية للتطهر من إرث خلفه جورج دبليو بوش، مع ان هذه السياسة ليست حيادية ولا خارج الفعل في دائرة الصراع الحالية. هي تشبه أداء الطائرة دون طيار التي تنشط في اليمن وباكستان، مع فارق الحضور الحالي للرئيس الأميركي الذي عزم على كسر الجليد في علاقته مع نتنياهو، كون العلاقة بين الدولتين تتجاوز الأشخاص والمطبات، ايا كان نوعها، حتى لو وصلت إلى حد الدعم العلني لنتنياهو لخصم أوباما – الجمهوري جو بايدن خلال السباق إلى البيت الأبيض.

ومن خلال وجوده في إسرائيل جاء الرئيس الأميركي لاستعادة المشهد العام عن قرب، ومن خلال العين الإسرائيلية، والمخاطر الحالية المتعلقة بالملف النووي الإيراني والحرب الدائرة في سوريا، وبالطبع إعادة إسرائيل إلى تركيا، بعد الإعتذار الذي أعلنه نتنياهو لرئيس الوزراء التركي خلال اتصاله الهاتفي معه بحضور أوباما، للظهور من جديد كلاعب أساسي خلال الاعمال الإنقلابية الجارية في المنطقة ضد النظام السياسي القائم وكيانية البلدان التي تخوض معركتها الحالية في التغيير والديموقراطية.

بالطبع الإضاءة على الملف النووي الإيراني، وتسليط الضوء عليه كخطر داهم على إسرائيل والعالم، يعني استحضاراً رئيساً لقضية تعفي إسرائيل من استحقاق التسوية مع الفلسطينيين، وتهمش خطر استمرارها وتماديها في ملف الإستيطان وأسرلة ما تبقى من أراض على مساحة الضفة الغربية المحتلة.

فحين يتحدث اوباما خلال زيارته لرام الله ولقائه الرئيس محمود عباس عن إسرائيل اليهودية، مقابل الإشارة عن عدم ضرورة الذهاب إلى الأمم المتحدة لنيل عضوية دولة فلسطين – ولو الناقصة – متمنياً السلام وداعياً للعودة إلى المفاوضات لحل القضايا العالقة، فإنة يستدرج القيادة الفلسطينية إلى فخ التخلي عن ملف اللاجئين من جهة، ومن جهة ثانية يستعمي عن كون هوية إسرائيل القومية والسياسية تحددها حكوماتها وليس القيادة الفلسطينية أو سواها.

ما سبق يعني أن أوباما غسل عهده السابق من وعوده وبلاغته في خطاب القاهرة عام 2008، ومن تشدده في ملف الإستيطان الذي ينهش ما تبقى من أراض يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية العتيدة، وبالتالي جاء بصفته رئيساً أميركياً تقليدياً همه الأساس الاصغاء إلى توجسات إسرائيل وما تتخيله من مخاطر تحدق بأمنها القومي، ولو على حساب العالم أجمع.

إضافة إلى ما سبق تنسق الإدارتان الأميركية والإسرائيلية الخطوات التي تفرغ مساعي القيادة الفلسطينية في محاكمة إسرائيل على جرائمها وتماديها الإستيطاني، بواسطة آليات وإجراءات محكمة، منها الحصار والضغط المالي والإقتصادي وعلى محاور وبواسطة دول ومرجعيات أساسية دولية وعربية.

التوجس الذي أبداه قادة المستوطنين من زيارة أوباما واستطلاعات الرأي لم تكن في مكانها مطلقاً، ولا مبالاة الرأي العام الإسرائيلي الذي اعلن 52% منه عدم ثقتهم بالرئيس الأميركي مقابل 36% اعتبروه أقرب للفلسطينيين، خاصة بعد تصريحات أوباما التي رد عليها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بالقول "عالم دون صداقتكم سيدعو إلى عدوان ضد إسرائيل، في اوقات السلم وفي اوقات الحرب، دعمكم لإسرائيل ثابت".

بالطبع الزيارة لم تحمل جديداً على المستوى الإستراتيجي ولا على مستوى إنتاج حدث بفعل الآلة الدبلوماسية للحكومتين، لذلك كانت باردة إلى الحد الذي لم تعهد مثله أية زيارة لرئيس أميركي إلى إسرائيل .

التظاهرة التي خرجت في مدينة رام الله للتنديد بمواقف الرئيس الأميركي زينت المشهد الرتيب بشيء من الحيوية الفلسطينية المعهودة، وأدت رسالتها لإدارة اعتادت التعامي على أية حقوق إنسانية ووطنية للفلسطينيين، وبالتالي أشارت الى أن الضيف الآتي فوق زوبعة من قوة وسطوة غير مرحب به لديهم.

السبب جلي وواضح، سلطت الضوء عليه القيادة الفلسطينية من خلال موقف الرئيس عباس ورئيس الوزراء د. سلام فياض والمرجعيات الممثلة والناطقة باسم الشعب الفلسطيني، فهو لا يبدأ بقضية الأسرى في سجون الإحتلال، الذين يعانون القهر والإضطهاد وفقدان أي مسوغ قانوني لإبقائهم رهائن السجون والزنازين الصهيونية. والحصار الإقتصادي الخانق الذي تعاني منه السلطة والشعب حيث نسبة البطالة التي بدأت بالارتفاع وصولا إلى مستوى ال 24 % في الضفة ومثلها نسبة أكبر في قطاع غزة، وحجز العائدات الضريبية التي هي حق صرف للدولة الفلسطينية تحجزها إسرائيل لدواع سياسية ولابتزاز السلطة ومعاقبتها على مواقفها تجاه شعبها وقضيته. ولا تنتهي عند الحواجز التي تقتل كل حياة في الضفة الغربية ويتجاوز عددها ال 450 حاجزاً أساسياً، عدا الحواجز المتنقلة والثانوية. بالطبع مسألة الإستيطان ومساسها المباشر بحقوق المواطن الفلسطيني الشخصية والوطنية، وتهديدها الدائم لمشروع إقامة الدولة.

المفارقة في الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي تكمن في عدم حملها تهديدات واضحة و"عينية" تحمِّل القيادة الفلسطينية مسؤولية وقف المفاوضات وما ترتب عليها من إجراءات ومواقف إسرائيلية مباشرة وغير مباشرة، مع أن رسالته بضرورة البدء بالمفاوضات دون شروط وضرورة حل النزاعات بالمفاوضات قد وصلت.

زيارة الرئيس الأميركي أكدت ما كان مؤكداً قبلها أن ملف المفاوضات والتسوية سيبقى على رف الظروف التي قد تفرضها حقائق وموازين قوى الزمن الآتي، وليس لدى الفلسطينيين سوى مراكمة نضالاتهم السلمية المستمرة وتكريس المصالحة الوطنية كأداة فعالة لتغيير واقع الحال المظلم.