منذ القرار العربي بمبادرة الحرب في العاشر من رمضان في السادس من اكتوبر عام 1973 والذي اتخذه الرئيس انور السادات باسم مصر والرئيس حافظ الأسد باسم سوريا، وبدعم عربي كبير قادته المملكة العربية السعودية واخواتها الخليجيات، وبمشاركة متعددة الدرجات من عدد من الدول العربية على جبهات القتال لامتصاص جزء لا بBس به من الرد الاسرائيلي والموالين لها دوليا، حيث امتلك العرب مزايا المبادأة، وكانوا متفقين على سقف تلك الحرب وان اختلفوا بعد ذلك على دروبها السياسية، وكان حضورهم بارزا في ساحات العمل الدبلوماسي التي اتاحتها تلك الحرب والتي خطط لها باتقان، واستخدم فيها قدر هائل من التمويه، واشتركت فيها عناصر جديدة من السلاح الذي لم تكن اسرائيل قد حسبت له الحساب مثل اسراب الطائرات الفرنسية التي لم تكن مأخوذة بالحسبان من قبل منظومات الدفاع الجوي الاسرائيلية، والتي دخلت المعركة بقرار من القيادة الليبية آنذاك، واعجاز الوسائل المبدعة التي استخدمها المهندسون العسكريون المصريون في هدم خط بارليف الدفاعي الذي كان منيعا بدرجة خارقة ولكنه انهار بلا صوت بفعل مضخات المياه المصرية.
منذ تلك الحرب التي وقعت قبل قرابة نصف قرن من عام 1973-الى عام 2015 حين جاء قرار عاصفة الحزم، فان عاصفة الحزم هي القرار العربي الأكبر والأخطر في التوقيت الحاسم فقد درست المملكة العربية السعودية كل عناصر الميدان، واستشرفت كل الأوضاع السياسية القائمة، واستغلت الاحتياج والانشغال الايراني الكامل للمفاوضات مع دول (5 + 1)، واستثمرت المفارقات الحادة لدى الخصم ممثلا بالحوثيين « انصار الله» وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي قاتل الحوثيين في ست حروب سابقة ثم تحالف معهم بعد تركه السلطة بناء على المبادرة الخليجية فأفقد الحوثيين المظلومية التي كان يتمتع بها الآباء، فعلى اي اساس قام هذا الحلف المرتبك والملتبس؟.
وصبرت المملكة العربية السعودية «صبر الجمال» وهي تلوذ بالصمت لتكتشف كل ما هو مخبوء، وتتأكد من القدرة على تشكيل حلف عربي ونسق دولي ظهر في قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي استجاب لمطالب الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ورفض فرض الواقع الحوثي.
الرئيس علي عبد الله صالح لاعب سياسي من الطراز الأول وهو نفسه الذي وصف حكم اليمن بالرقص مع الأفاعي، وحكم اليمن ثلث قرن بالتمام والكمال، وانجز الوحدة اليمنية بعد انفصال دام قرابة مئة وستين سنة، وكان معه حلف اسطوري يدعمه من رؤساء القبائل سواء في حاشد برئاسة جبل كبير ورجل عظيم هو الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وكان مدعوما من قبل رئاسات قبائل بكيل ومن رموزها الشيخ سنان أبو الحوم، والشيخ مجاهد أبو الشوارب، والشيخ ناجي الشايف، والشيخ صادق أبو راس وغيرهم، وكان لذهابهم بالموت او بالخلاف خسارة فادحة لليمن كله، فقد كان هؤلاء كما عرفتهم لفترة طويلة اعظم الرجال الحكماء الذين يأخذون القرار بعد دراسة كل أبعاده المباشرة وغير المباشرة، وكانوا جميعا على علاقة استراتيجية بدول الجوار في ظل القاعدة الذهبية « لاضرر ولا ضرار» وخاصة المملكة العربية السعودية ومصر والعراق، ويكفي انه طوال فترة الحرب بين العراق وايران التي انتهت في عام 1988 كان يوجد لواء من نخبة الجيش اليمني يقاتل ايران لصالح العراق، وكان ذلك مفهوما ومؤيدا من قبل الرأي العام اليمني، لأن الوعي التاريخي اليمني كان يرتكز الى تجربة تاريخية عميقة كما لو انها اسطورة خالدة تتحدث عن سيف بن ذي يزن القائد اليمني الذي ذهب الى الفرس ليساعدوه ضد الاحتلال الحبشي القديم، ولكن الذين جاءوا للمساعدة ارتكبوا ضد الشعب اليمني من الفظائع ما لا تنساه الذاكرة الجماعية.
المفارقات كبيرة جدا ابتداء من تحالف الحوثيين مع عدوهم الذي حاربهم ست مرات وهو الرئيس علي عبد الله صالح، الى الحملة التي يقودها حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني الذي اشهر عداوته للسعودية وحلفها العربي مع انه هو نفسه غارق في حلف مع النظام السوري والمليشيات العراقية، فأين الحكمة؟ ولكني اعتقد اننا سنرى ونكتشف في الأيام المقبلة المزيد والمزيد من المفارقات.