العالم العربي يعيش هجمة غير مسبوقة من قبل قوى الشر العالمية بهدف تمزيق دوله وشعوبه إلى دويلات وإمارات دينية وطائفية واثنية، ولذلك اسباب عديدة، منها: تلاشي اي قوة او فعل نهوضي، تسييد الصراع الديني والطائفي والمذهبي والاثني؛ انهيار مكانة الدولة الوطنية؛ طغيان مكانة القوى التكفيرية الاسلاموية؛ غياب العقل والمنطق العلمي في محاكاة الواقع؛ سطوة القدرية والفتاوى الظلامية والعبثية؛ سقوط البرامج التعليمية في المراحل التعليمية المختلفة من الروضة حتى الجامعة في متاهة التجهيل والبداوة الامية؛ تراجع مكانة الثقافة الوطنية والقومية لصالح زنادقة المرحلة من التكفيريين او رموز الدولة الاتوقراطية وادوات اميركا واسرائيل.
المشهد العربي يعاني في كل مناحي الحياة من الفوضى البناءة، التي رسمها له الاخرون. ويشير إلى ان الامة العربية، تعيش لحظة فارقة في تاريخها من حيث الانكفاء والتراجع والانهيار، بفعل تكالب القوى الداخلية والخارجية المتربصة بالامة، ودفعها إلى مستنقع التخلف والتشرذم. ووفق البراهين الدامغة فإن جماعة الاخوان المسلمين وتفرعاتها التكفيرية وبدعم من حلفائها الاقليميين والدوليين لعبت دورا مهما في ما آلت اليه الامور في الساحات العربية المختلفة، لانها القوة الاكثر جاهزية وقوة في المشهد العربي، ولغياب حوامل وطنية او قومية نهضوية.
تتعاظم التحديات المنتصبة امام الشعوب العربية ليس فقط نتاج شدة الهجمة الاميركية وادواتها الداخلية والاقليمية، بل لان البنية التحتية خصبة، ولديها القابلية للتعايش مع كل حالات الارتداد، ومحدودية خياراتها وتوجهاتها للخروج من دائرة ازماتها العميقة. وذلك يعود: لان العديد من البلدان العربية لا تملك القدرة على تجاوز موروثها السلطوي؛ وكونها اسهمت خلال العقود السابقة من حكمها بتهيئة المناخ لانتعاش الجماعات التكفيرية؛ ولانها تخشى التغيير وتعميم الديمقراطية والمعرفة في اوساط شعوبها؛ وبحكم ارتهانها وتساوقها مع سياسات الغرب الرأسمالي عموما والاميركي خصوصا؛ وعندما تنبهت للمخطط الشيطاني، الهادف الى شطب الدولة الوطنية، نخشى ان يكون السيف سبق العذل، وتأخر إمساكها بزمام الامور للخروج من النفق.
نجحت السياسات الغربية في إدخال شعوب الامة العربية في مستنقع الفوضى الخلاقة. مزقتها الى فرق ومجموعات دينية وطائفية ومذهبية وإثنية، وذلك لتبديد وحدتها، واستبدالها بامارات وهمية خرقاء، حتى بات في كل حارة من حارات المدن والقرى أكثر من "امير" فاسد. والبسطاء من العامة تلتف حول هذا او ذاك من "أمراء" الفسق،ممن يدفع لهم اكثر. وبات الوعي الجمعي في هذا البلد او ذاك الشعب يدور في متاهة اولئك الجهلة، الذين لا يفقهون في الدين ولا الدنيا ولا الاخلاق، ولا تهمهم مصالح العباد. ولا يوجد من يصدهم او يعيدهم الى رشدهم، ويعيد الاعتبار لوحدة الشعوب ومصالحها.
اخفق العرب النهضويون حتى الآن، لانهم غير مستشعرين دورهم، ومعظم الاحزاب الموجودة، هي بنت الانظمة ولا تخرج عن سياساتها، والمال السياسي شل التوجهات الوطنية والقومية الديمقراطية. وواقع الحال العربي بحاجة ماسة للثورة على الواقع لحماية وحدة الشعوب والدول على اساس المواطنة الواحدة والمساواة بين الجنسين، وفصل الدين عن الدولة، وحرية الراي والتعبير والاختيار الحر لممثلي الشعب في الرئاسة والبرلمان عبر صناديق الاقتراع، وبالاستناد لبرامج تربوية تعليمية تنسجم وروح العصر للنهوض بالمجتمعات العربية.
مع ذلك يمكن التأكيد، ان الفشل الراهن ليس مؤبدا، ولا هو مفروضاعلى العرب، وليسوا اسرى له، بل يمكن للشعوب العربية وقواها الحية، إعادة الاعتبار لذاتها ومكانتها ودورها، إذا ما استشعرت مسؤولياتها، وأدركت واجبها المناط بها لقلب الطاولة رأسا على عقب في وجه قوى الظلام والاستبداد والشر مهما كانت قوتها، وللعرب في النموذجين المصري والتونسي مآل للخروج من عتمة النفق.