خاص مجلة القدس- بقلم: د. سميح شبيب
جاء التوجه الفلسطيني الرسمي، لمؤسسات العمل السياسي الدولي، خاصة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد مسار تفاوضي طويل 1993-2012.
وصلت المفاوضات إلى طريق شبه مسدود في مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000، ولم تتمكن الأطراف الثلاثة الرئيسية: فلسطين – إسرائيل- الولايات المتحدة، من وضع الأسس الأولية لتسوية فلسطينية – إسرائيلية، وتلى ذلك اندلاع الانتفاضة الثانية، وكانت انتفاضة مسلحة، وترتب عليها اجتياح القوات الإسرائيلية مناطق السلطة الفلسطينية، ونشر ما يزيد عن أربعمائة حاجز، تفصل بين المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وفرض حصار شديد، على مبنى المقاطعة في رام الله، حيث يقيم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. ولم تتورع إسرائيل من وصفه، بالداعم للإرهاب بعد أن كان قبل ذلك، بفترة زمنية قصيرة، بطلاً للسلام، ويستحق جائزة نوبل.
فشلت إسرائيل، من تطويع قيادة م.ت.ف، بعد توقيع الاتفاق معها، وبدأت تراهن على قيادة بديلة، ولم تخف رغبتها تلك.
بعد رحيل عرفات، أخذت إسرائيل والولايات المتحدة، تراهن على خيارات وسياسات القيادة الفلسطينية، بزعامة محمود عباس (أبو مازن)، وعادت عجلة المفاوضات للدوران، ودخلت في مرافق بارزة، أهمها مؤتمر أنابولس، ومن ثم المفاوضات الماراثونية بين م.ت.ف، والقيادة الإسرائيلية بزعامة أولمرت، لكنها لم تثمر، ولم يتمخض عنها وثائق منشورة، تفيد بإمكانية التوصل إلى حل شامل وعادل، بل على النقيض من ذلك، فقد تزايدت حدة الاستيطان، خاصة في القدس، كما وتتالت الإجراءات الإسرائيلية، والتي كان من شأنها تقطيع أوصال الضفة الغربية، وإحكام الحصار على قطاع غزة، وجنوح الشارع الإسرائيلي أكثر فأكثر نحو اليمين.
تزعم نتنياهو قيادة إسرائيل، وعبر تحالف ثلاثي في الأساس، من الليكود وشاس وإسرائيل بيتنا، وجرى التوافق على برنامج مشترك، تقدمت به تلك الكتلة، للكنيست، كبرنامج حكومي، وهو في حقيقة أمره، يوجز النقاط المركزية المشتركة، لبرامج هذا التحالف الثلاثي، وكان من أبرزه تبني الاستيطان ودعمه، كجزء من العقيدة الصهيونية.
وصلت أمور التفاوض، حد الجدار بسبب تنامي الاستيطان، والإصرار على تواصله. سادت حالة الجمود طويلاً، وأخذ الموقف الفلسطيني التفاوضي في التآكل والانهيار. لم يكن هنالك من منفذ وطني مقبول، سوى تعزيز مسارات المقاومة المدنية – السلمية، والتوجه لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. لم تتمكن الدبلوماسية الفلسطينية من تحقيق تقدم ملموس في مجلس الأمن، بسبب الضغط الأميركي على الدول الأعضاء في هذا المجلس، والإعلان رسمياً، بأنها ستستخدم حق الفيتو، في مجلس الأمن.
مارست الولايات المتحدة، ضغطها ذاته، بعد الإصرار الفلسطيني للتوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة، بل أنها هددت وتوعدت القيادة الفلسطينية إن هي ذهبت وطلبت التصويت على مشروع قرار فلسطيني، لنيل صفة الدولة غير العضو – المراقب من الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما وهددت إسرائيل، بإمكانية حل السلطة، على اعتبار أنها اتخذت خطى منفردة!!!
تماسك الموقف الفلسطيني، ولم يتراجع، وطرحت م.ت.ف، موقفها الرسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر خطاب ألقاه الرئيس محمود عباس، ونالت فلسطين 138 صوتاً مؤيداً، وتمنعت دول، كانت قد وعدت بالرفض، كألمانيا مثلاً.
شكلّت هذه النقلة النوعية، في إطارها الزمني، فتح آفاق مرحلة جديدة، فلم تعد الأرض الفلسطينية، أرضاً متنازع عليها، بل أراضٍ محتلة، وبات الاستيطان، كمعلم من معالم تغيير الجغرافيا والديمغرافيا للأراضي المحتلة، مداناً دولياً، بل وتجوز مقاومته بالوسائل كافة. وبات إعادة فتح ملف المفاوضات مجدداً، يقتضي وقف الاستيطان، تمهيداً لفكفكته، وباتت السلطة دولة، يجوز لها المشاركة في مؤسسات العمل الدولي، المنبثقة والمتفرعة عن الأمم المتحدة، ومنها محكمة لاهاي الدولية!!!
تغيرت المعطيات وقواعد اللعبة، التي استمرت منذ التوقيع على الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي حتى نيل صفة الدولة المراقب.
كما وبات التقارب الفلسطيني – الفلسطيني، أمراً قائماً بالفعل، كما وبات الاتفاق على نقاط سياسية مشتركة للتحرك الفلسطيني أمراً ممكناً.
لم تعد المشاريع الاستيطانية، قابلة للتمرير، بل أنّ هنالك معارضة دولية لا يستهان بها، باتت قائمة بالفعل.
لعله من نافلة القول، بأنّ الإنجاز الفلسطيني الجديد، هو إنجاز تاريخي كبير، يحتاج إلى تعزيز الجهود وتضافرها، لتحقيق استثماره، وصولاً لهدف الدولة الفلسطينية المستقلة ميدانياً وفعلياً.
أولى تلك الخطى وأهمها، هو رأب الصدع الفلسطيني، وتوحيد الأداة السياسية الفلسطينية، وتوحيد خطى تحركها الداخلي والخارجي على حد سواء، ومن ثم إجراء دراسات معمقة ودقيقة، حول ما يمكن إختياره الآن، وما يمكن تأجيله، وفق أجندة سياسية وطنية متفق عليها. ومن ثم الحفاظ، قدر الإمكان، على الغطاء العربي اللازم للتحرك الفلسطيني، بحيث أنّ هذا الغطاء بات يشكل شبكة الإمكان، ولو بقدر ممكن ومقبول، وتفعيل لجان التضامن الفلسطينية – العالمية، في الدول الأوروبية كافة، وبقدر يسمح بتوظيف هذا التأييد الأوروبي، في خدمة التحرك الفلسطيني دولياً، خاصة في مؤسسات الأمم المتحدة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها