بقلم: الحارث الحصني

كان الطفلان رضا علي أحمد بشارات (8 سنوات)، وحمزة عمار أحمد بشارات (10 سنوات)، يلهوان بالقرب من منزليهما في بلدة طمون جنوب شرق طوباس، بينما كان ابن عمهما الشاب آدم خير الدين أحمد بشارات (23 عامًا) يجلس في المكان، عندما استهدفهم الاحتلال الإسرائيلي بصاروخ من طائرة مسيّرة.

وسارعت قوات الاحتلال إلى اقتحام مكان القصف، ومنعت مركبات الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول لتقديم الإسعافات للطفلين والشاب، ليرتقوا شهداء، قبل أن تحتجز جثامينهم.

وزعم جيش الاحتلال أنه استهدف بالقصف "خلية مسلحة"، خلال عدوانه على بلدة طمون، قبل أن يدّعي أنه "فتح تحقيقًا" في ظروف الغارة الجوية.

تقول شهادات متطابقة من أبناء الحي الذي نفذ فيه الاحتلال القصف: إن الشهداء الثلاثة كانوا يجلسون قرب منازلهم، في الوقت الذي كانت فيه قوات الاحتلال تحاصر منزلين في البلدة. واستهدف القصف مكانًا ضيقًا بين منازل المواطنين يبعد عن أقرب الشوارع أكثر من عشرة أمتار.

وألقى هول ما حدث أثرًا كبيرًا في داخل والدي الطفلين، جعلهما عاجزين عن الحديث. لكن المواطن جلال بشارات، قريب الشهداء قال: إنهم "كانوا جالسين سوية بجوار منازلهم".

وأضاف: "استهدفهم الاحتلال داخل منازلهم، إنها رسالة من الاحتلال أن الكل الفلسطيني مستهدف".

وكل الروايات التي أمكن الحصول عليها من مواطنين يسكنون بجوار منازل ذوي الشهداء، أجمعت أن الطفلين معتادان على اللهو في المكان.

يؤكد المواطن يوسف بشارات أحد أقرباء الشهداء الكلام ذاته. فاتحًا ذراعيه بشكل دائري واصفًا المكان الذي استشهد فيه الشهداء، قال يوسف: "في هذه الساحة اعتاد الأطفال على اللهو".

وحسب الرواية التي نقلها يوسف عن حاضرين في المكان، فإن الاحتلال منع وصول الأهالي من داخل المنازل إلى مكان القصف.

وأضاف: "كان الأطفال في ساحة البيت بعيدين عن الشارع لكن الاحتلال استهدفهم بصاروخ أطلق من طائرة مسيرة. حاولنا الوصول إلى مكان القصف لكن لم نستطع الوصول".

وتابع: "تعيش العائلة حالة من الصدمة، فقدنا ثلاثة من أبنائنا، بينهم طفلان، ولدا بعد نحو عشر سنوات من زواج والديهما"، موضحًا أن "القصف حدث في حوش المنازل، بينما كان الشاب آدم يحتسي فنجان قهوته، ويلهو مع الأطفال"، لافتًا إلى أن آدم عاد من أداء العمرة قبل يومين فقط.

وبارتقاء الشهداء الثلاثة، بلغ عدد الشهداء في بلدة طمون خلال اليوم والأمس إلى خمسة شهداء، ليرتفع عدد الشهداء في الضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى 843 بينهم 175 طفلاً.

وندد محافظ طوباس والأغوار الشمالية، أحمد الأسعد، بجريمة قوات الاحتلال التي استهدفت الطفلين والشاب من عائلة بشارات في طمون.

وفند المحافظ الرواية الإسرائيلية الكاذبة، التي ادعت قصف "خلية مسلحة"، والتي راح ضحيتها أولاد عمومة، بينهم طفلان لم يتجاوز عمرهما العشر سنوات.

ودعا الأسعد المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل للجم سياسية الاحتلال في المحافظة والوطن على حد سواء، والتي تغتال براءة الأطفال بدم بارد، وتقصف المدنيين الآمنين.

وأشار الأسعد إلى أن بلدة طمون فقدت خمسة من أبنائها خلال الـ 24 ساعة الماضية في عدوان مستمر، إضافة إلى تخريب البنية التحتية والشوارع والممتلكات العامة في طمون ومخيم الفارعة، واقتحام مقر اللجنة الشعبية لخدمات مخيم الفارعة.

وتشبه الجريمة التي ارتكبها الاحتلال في طمون، مئات الجرائم التي ارتكبها الاحتلال وما زال يرتكبها بحق المدنيين العزّل في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن استشهاد 45,936 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 109,274 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

وزارة الخارجية والمغتربين، أدانت الجريمة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في بلدة طمون، مشيرة إلى أنها تأتي في إطار استمرار جرائم الاحتلال، كما حدث عند اقتحامه مخيم بلاطة باستخدام مركبة إسعاف واستهدافه المواطنين المدنيين، ما يؤكد زيف رواياته واستهدافه المباشر والمقصود للمدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

واعتبرت الوزارة، هذه الجرائم تنفيذًا عمليًا واستنساخًا واضحًا لما ترتكبه الحكومة الإسرائيلية من انتهاكات بحق المواطنين في قطاع غزة، وتطبيقًا لسياساتها العدوانية في الضفة الغربية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي واتفاقيات جنيف.

وطالبت، بتحرك دولي عاجل لوقف مخططات الاحتلال وعدوانه، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا قبل فوات الأوان.

وسلمت قوات الاحتلال جثامين الشهداء الثلاثة، عند حاجز تياسير العسكري شرق طوباس، بعد اختطاف جثامينهم من موقع القصف واحتجازهم لساعات.

وشيعت جماهير شعبنا في محافظة طوباس، جثامين الشهداء إلى مثواهم الأخير في بلدة طمون، حيث ردد المشيعون الشعارات المنددة باستمرار جرائم الاحتلال ضد أبناء شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة.