برأيكم ما الذي ميّز الرئيس الشهيد ياسر عرفات في مسيرته الوطنية وجعل منه رمزًا؟
لقد قاد الرئيس الشهيد ياسر عرفات الثورة الفلسطينية المعاصرة واكتسَب ثقة اخوانه وكان له الموقع الاول بين الرعيل المؤسّس، واكتسب الثقة ميدانيًا وفي الحركة بالعقل والإقدام، ثم جاءت الاطر والمؤتمرات لتكرّس قيادته ورمزيته.
لقد كان الرئيس الشهيد دومًا بين مقاتليه في الميدان وملتصقًا بشعبه مضطلعًا على همومه، وكثيرًا ما كان يُؤخَذ عليه ان ابوابه مفتوحة للجميع، لكنه كان يعتبر نفسه الاب الذي عليه الاستماع لمشكلات أبنائه وحلها مهما كانت نوعيتها وتعقيداتها.
وللرئيس رمزية استثنائية سببها الكاريزما الخاصة به، وهو في خطابه يقدّم خطابًا من القلب إلى القلب، ولهذا فإن كل فرد من أفراد الشعب الفلسطيني يحفظ كلمات للرئيس ومنها على سبيل المثال: "يا جبل ما يهزك ريح"، و"سيرفع شبل من اشبالنا.."، و"على القدس رايحين شهداء بالملايين"، وغيرها.
ولم تقف رمزية الشهيد عند فلسطين، ففي الوقت الذي كانت فيه الأمة العربية مهزومة، جاء الرئيس الشهيد ليصنع الانتصار في معركة الكرامة، وبدأ اسمه يتردّد على كل لسان، وبدأ آلاف المتطوعين العرب الالتحاق بالثورة الفلسطينية باعتبارها جزءًا من حركات التحرر. وبعد انتصار الثورة الفيتنامية انتقلَت الراية للرئيس عرفات وأصبح لها بُعدُها العالمي. ثمّ كانت محطة بذات الأهمية وهي المحطة الدبلوماسية، أي حين ذهب الرئيس عرفات للأمم المتحدة ووقف مُلقيًا كلمته الشهيرة "جئتكم حاملاً غصن الزيتون بيدي وبندقية الثائر باليد الأخرى فلا تُسقِطوا غصن الزيتون من يدي". وهذا الحضور على كافة المستويات أعطى ابو عمار تلك المكانة التي هي بشكل او بآخر مكانة لفتح وللثورة والشعب الفلسطيني، وبات حضور كوفيته يوازي اسم فلسطين.
ولا ننسى أن الرئيس الشهيد وإخوانه ارسوا ديمقراطية البنادق حيث اتّسعت الساحة الفلسطينية للجميع عملاً بمقولة الشهيد: "دع الف زهرة تتفتح في بستان فلسطين"، ولا شكّ أن هذه الديمقراطية لم تكن لتنتج لو لم تكن موجودة ومتأصّلة في بُنية وفكر "فتح" وبالعلاقات التنظيمية داخلها التي يحكمها شعار الوحدة الوطنية بديلاً للحزبية، لذلك سمحت العلاقات الديمقراطية لفتح بممارسة الديمقراطية مع بقية الفصائل.
من خلال المعركة السياسية التي يخوضها الآن الرئيس أبو مازن هل يُثبِت لكم ذلك أن الرئيس ابو عمار والرئيس أبو مازن من مدرسة واحدة؟
عندما استشهد الرئيس عرفات قال ابو مازن: "حظي عاثر فقد جئت بعد زعيم كبير اسمه ياسر عرفات.. لا اعدكم اني سأكون مثله، ولا استطيع، ولكني اعدكم ان الثوابت التي استشهد من أجلها ستبقى ثوابتي وثوابت الشعب بالفلسطيني". وبالتالي محاسبة الاداء السياسي للرئيس أبو مازن تتوقّف على مدى تمسُّكه بالثوابت رغم كل الضغوطات من القريب والبعيد. واليوم بالتحديد من خلال تصريحات قادة الاحتلال يظهر ان اسرائيل تهيّئ المسرح لقتل الرئيس ابو مازن لأنها تحمِّله مسؤولية كل ما يحصل من فشل المفاوضات وصولاً لاتهامه بالإرهاب وتحميله مسؤولية قتل اي مستوطن صهيوني اضافة للحملة السياسية التي تشنّها ضده، والتي تعيد ما كان يُقال عن ابو عمار سابقًا عن كونه يمارس الارهاب الدبلوماسي ويهدد في السر والعلن. ورغم ذلك فالرئيس أبو مازن ومعه حركة "فتح" ثابت على الثوابت.
لقد تميّز الاخ الرئيس أبو مازن بصراحته الكاملة وهو دائمًا يقول ليس عندي شيء فوق الطاولة وتحت الطاولة، وهو امر يرى فيه البعض اسلوبا لا يحقق الاهداف، ويميزون بينه وبين اسلوب الشهيد عرفات الذي كان يفاوض من جهة ويقاتل من جهة اخرى، ولكن لقد بات اليوم واضحًا ان اسرائيل تريد المفاوضات من أجل المفاوضات مما يوجِب علينا اتباع اسلوب جديد لإنهاء الاحتلال.
يبقى القول أننا هنا في الساحة اللبنانية نفتقد هذا القائد الفذ الذي يعلم الجميع انه حتى في لحظات صراعه مع الموت كان يسأل عن احوال أهل المخيمات وأوضاعهم وظروفهم الحياتية والمعيشية. لقد اكتسبت مخيماتنا في لبنان حبًا استثنائيًا من الرئيس عرفات فبادلته الحب والوفاء بالدماء، وها هي صورته تزيّن بيوتنا وكلّما استذكرناه تذكّرنا قائدًا مخلصًا محبًا حين وُضِع أمام خيار ان يكون قتيلاً او طريدًا او شهيدًا اختار ان يكون شهيدًا شهيدًا شهيدًا وظل حُلُمه دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها