في لحظة أمريكية، ظنها نتنياهو مواتية، اندفعت حكومة إسرائيل، لإحداث تغيير في وضع القدس، بالتزامن مع تغييرات في القوانين، تسلب العرب الفلسطينيين في أراضي 48 ما تبقى من حقوقهم المدنية وحقوق المواطنة، وتتوخى جعل أرض الآباء والأجداد منطقة طاردة لوجودهم وبقائهم. لكن العرب الذين اندفعوا بدورهم، الى التحالف مع الولايات المتحدة، لمقاتلة «داعش» واجتثاثها؛ أحسوا بمخاطر الصمت على العربدة الإسرائيلية في فلسطين وفي القدس تحديداً، فبدت اللحظة الأمريكية غير مواتية، بل بدت عنصر إعاقة وخلطا للأوراق في ظروف عسيرة.
على هذا الأساس، وجد نتنياهو نفسه معنياً بتعديلات جزئية مؤقتة على لغته دون نواياه. أعلن أن الوضع القائم في الحرم القدسي كما هو ولا تغيير عليه، كأنما هذا الوضع الذي أراد تغييره تماماً، كان مثالياً ويتيح للفلسطينيين كافة الصلاة في الأقصى.
في الوقت نفسه، مضت حكومة نتنياهو في مسعاها لتكريس ما يُسمى «قانون القومية اليهودية للدولة» بهدف رفع الغطاء القانوني والدستوري عن نحو 20% من سكان إسرائيل. وحيال هذا التوجه، وجد الأمريكيون في موضوع الأقصى تحديداً، عنصر تفجير لمشاعر الشعوب، على النحو الذي يطيل أمد الحرب على «داعش» لأن هذه الأخيرة مهما فعلت، لن تصل أفاعيلها بمعايير الفظاظة والاستهانة بكرامات الناس، ما يغطي على استباحة أولى القبلتين وثالث الحرمين، لا سيما وأنها تمثل إعلان حرب دينية مديدة يصعب إخمادها!
اللحظة التي ظنها نتنياهو مواتية، كانت في الواقع، عكس ذلك تماماً. لذا كان الأمريكيون معنيين، بدفع نتنياهو الى القيام ببعض التنقيح للغته، دون أن يتبدل سلوك حكومته. وفي توجههم القاصر اجتزأوا من المشهد الفلسطيني العام، الجزء الذي يتعلق بالحرم القدسي، وتوافروا على معالجته، من خلال تهدئة كلامية ذات فحوى مخادع، يبلغنا بأن حكومة إسرائيل لا تنوي تغيير الوضع القائم في القدس. 
عندما أحست الإدارة الأمريكية، أن سلوك نتنياهو ورديفه من المتطرفين، يشوّش على الجهود الأمريكية لتعزيز قوة التحالف ضد «داعش» هرع وزير الخارجية كيري الى عمان، واستُدعي نتنياهو، وكانت النقطة الأساسية هي تسكين وضع الحرم في القدس. 
قبلها، كانت حكومات معظم دول المشرق العربي، قد التحقت بالتحالف دون وقفة موضوعية مع الأمريكيين. وفي الحقيقة، لم يكن في وسعها أن تتلكأ عن هذا الالتحاق، لأنها مثقلة بالأسباب الحقيقية لظهور «داعش»، وكلها تتعلق بإخفاقات في التنمية والإصلاح الإداري والديموقراطية والأمن وغير ذلك. فقد خرجت «داعش» من الشقوق، بشفاعة كل الرزايا. لكن القوى المتطرفة والمعتوهة، في إسرائيل، من شأنها أن تنتج المزيد من الدواعش، وأن تعصف باستقرار المنطقة، وهذا ما ينبغي على الحكومات العربية أن تدركه، وأن تكون وقفاتها مع الأمريكيين، تتعلق بالمشهد العام للصراع في فلسطين، وليس في مساحة الحرم القدسي وحده. 
وطالما أن سلوك حكومة نتنياهو ورديفها الاستيطاني لم يتغير، فإن الحديث عن تهدئة مؤقتة في القدس، لن يكون أكثر من ذر للرماد في العيون!