من نافلة القول ان التعصب والتطرف والإرهاب أصبحت مصطلحات لازمة في تعاملنا مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وهي معطيات تتعاظم بحيث لا تجد مساحة لدى الاسرائيليين للتقبل للآخر إلا عند فئة ضيقة فيهم.
لذا من الطبيعي أن نُرجع أحد أهم عوامل نشوء التعصب والتطرف والإرهاب الحديث في المنطقة إلى فساد الحال المُعبّر عنه بافتقاد الحرية والكرامة والعدالة، والطرد والاستيطان والاعتقال والسجن والقتل والعدوان الذي تمارسه ببشاعة عز نظيرها آلة الحرب الصهيونية.
فان كانت مثل هذه الممارسات لا تنم عن نفسية مريضة أو عقلية إقصائية أو عقيدة لا تعترف بالأخر مطلقا، فماذا يمكن أن تكون؟
في الاتجاه المقابل أليس من الممكن أن تكون مثل كل هذه الممارسات البشعة مدخلا لواحد من أمور ثلاثة:إما الاستكانة والخضوع والاستسلام وهذا ما تبتغيه الفئة الحاكمة اليوم في تل أبيب.
وإما استمرار الثورة والمقاومة والكفاح والصمود والثبات بكافة أشكاله وهذا ما يفعله الشعب الفلسطيني اليوم
ولا يغيب عن البال أن الاحتمال الثالث هو احتمال قائم أي أن ينشأ جيل يحقد على الاحتلال الصهيوني كما يحقد على مجتمعه، متعللا بممارسات الاحتلال من جهة، وبتقصير المجتمع أو السلطة أو الفصائل أوالأمة عن القيام بواجباتها ضد المحتل من جهة، وفي إقامة شرع الله -كما يفهمونه- من جهة أخرى، ولنا فيما حصل في غزة من ظهور عدد من التيارات الفكرانية الاسلاموية المتطرفة خير دليل على ذلك، رغم الأسلوب القمعي الوحشي الذي اتبعته "حماس" ضدهم كان مما لانراه صحيحا ولا ينهي الظاهرة.
الوضع السياسي في المنطقة ينمو نحو التفتت والتجزئة والتفكيك والتركيب والوصاية، تحت وطأة استمرار الهيمنة الاستيطانية وسلب ثروات المنطقة الاقتصادية، وتدمير الثقافة المتميزة والمتسامحة، وسلب الثروة العقلية العربية بتسويق الاعتقاد بالعجز العربي غير القابل للشفاء.
ويستمر تأصيل القناعة بالجهالة وعدم القدرة لدى الأمة على النهوض مقابل المارد الغربي، وما يتبعه من تعميق لديها لفكر (النهم) أي الاستهلاك البشع لكل شيء قادم من الآخر(فكري ثقافي سلعي إعلامي..) بالتهام كل ما هو جديد أو قادم من الغرب بانبهار وتقدير ما يدعم قاعدة تكريس الشعوربالعجز الدائم امام الحضارة الأخرى، واليأس من النهوض وأننا في ذيل الأمم وأن "كل افرنجي برنجي"، وأننا امة كغثاء السيل، وأننا بلا مقدرة ولا حول ولاقوة، ما يؤصل الجهالة والابتعاد عن العلم والعقل والتقانة (التكنولوجيا) حلنا الوحيد للنهوض. 
إن ما يدعم هذا الفكر المريض المُقعِد أيضا وجود الكيان الاسرائيلي الأصيل الذي يعمد بتخطيط ذكي على ترسيخ فكر التفتيت والسلب و"النهم"، ومحاولة وضع صورة اسرائيلية (غربية) مغايرة للواقع في المنطقة حيث تبرز الأضداد ويظهر المقارنة الصهيونية بين "الدولة الديمقراطية"، الدولة الصغيرة ذات المظهر الحضاري الغربي التي تدافع عن نفسها مضطرة مقابل تكالب عربي من 350مليون وحش، وهي الدولة "الأخلاقية" اليوم مقابل "إرهاب" المسلمين في أبرز تجلياته من "داعش" وأخواتها.
إلا أننا من الممكن أن نعتبر مثل هذه البيئة السابق ذكرها عامة حاضنة للإرهاب كما هي حاضنة التطرف والمغالاة. 
إن التعصب والتطرف والإرهاب جزء أصيل من العقيدة اليهودية (التناخ التي تضم التوراة وملحقاتها) بتفسيراتها المغالية المتطرفة التي يتبناها اليمين في (إسرائيل)، وجزء أصيل من العقيدة الصهيونية العلمانية التي بنيت على ركنين رئيسيين هما التهجير،والاستيطان (الاستيطان: أي باقتلاع شعب آخر من جذوره الراسخة والحلول محله بالقوة) فما بالك والعقيدتين مرتبطتين؟ ألا يكون التعصب "التناخي" والصهيوني مدعاة أكيدة للتطرف والإرهاب داخل المجتمع الاسرائيلي ذاته أولا، وباشعاعاته في المحيط؟
أشار الرئيس أبومازن بوضوح في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 26/9/2014 إلى أن المنطقة تواجه خطرين هما العدوان الصهيوني وإرهاب الدولة الذي يمارسونه، وتطرف الخوارج بالمنطقة، حيث أشار إلى إرهاب الكيان الصهيوني وتطرفه وجرائمه واشار الى سبب التطرف ممثلا بالعدوان الصهيوني بوضوح.
وعندما عرج في كلمته على إرهاب التنظيمات الاسلاموية الخوارجية المتطرفة أمثال "داعش" حدد ضرورة تجفيف منابع الإرهاب (واجتثاث جذوره في جميع المجالات السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية في منطقتنا)، مضيفا ما يحقق الربط أن هذه العملية ( تتطلب في هذا السياق وبشكل رئيس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لبلادنا الذي يعد بوقوعه وباستمراره وبممارساته شكلاً بشعاً من إرهاب الدولة ودفيئة للتحريض والتوتر والكراهية.)
ما نريد أن نخلص إليه هنا هو أن التطرف والإرهاب له حاضنة وقاعدة وبيئة ثقافية فكرية ماضوية في عقولنا، وفي منطقتنا العربية تلك التي تشعر العربي الحزين اليائس القانط الماضوي التفكير المؤجر لعقله بعجزه، وتلقي عليه بظلال التشكك الدائم في ذاته وقدرته ليظل أسير الماضي الذي يراه ولا يرى غيره مجيدا، ويتجاوز الواقع ليعيش في أحلام المقبل بأشكال نهلت من نبع اليأس من الحاضر وتقديس القديم لتركب مركب الركون والإحباط أو التطرف والإرهاب، كما أن الوجود الصهيوني بذاته وممارساته العدوانية التي لا تنتهي تمثل في ذات الوقت مصدرا للتطرف والإرهاب سواء داخل الكيان ذاته أو بانعكاساته داخل المنطقة ما يحتاج لجهد فكري عربي وإسلامي ثقافي حضاري عميق لا ينفصل عن الربط بوقف العدوان الصهيوني الدائم.