بتنظيم مصيري عالي المستوى يعكس حضور مصر بقوة، دورها الإقليمي، وخبرة نرويجية في التعاطي مع الدول المانحة، انعقد مؤتمر القاهرة الدولي حول فلسطين، وهذه المرة لجهد إعادة إعمار قطاع غزة الذي تعرض منذ بداية 2009 وحتى صيف 2014 إلى ثلاث حروب شنتها إسرائيل كبدت القطاع خسائر فادحة وغير مسبوقة على مستوى الشهداء والمصابين وتدمير البيوت والمساكن وتخريب البنية التحتية والمؤسسات الحكومية والخاصة، وكل الكلمات التي ألقيت في افتتاح المؤتمر، وخاصة كلمات الرئيسيين المصري والفلسطيني والأمين العام للأمم المتحدة ووزير الخارجية الأميركي وكلمة الاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية والجامعة العربية، اعادت التأكيد على جوهرية القضية الفلسطينية والإلحاح على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي المستمرمنذ قرابة نصف قرن، لأن كل ما يحدث من دمار سواء في قطاع غزة أو في كل الأرض الفلسطينية هو من إنتاج الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته السوداء الخطيرة، سواء على مستوى النشاطات العسكرية والأمنية أو على مستوى النشاط الإجرامي المعادي للقانون الدولي والإنساني وقرارات الشرعية الدولية المتثمل بالاستيطان، وما يرتبط بهذا الاستيطان من آيديولوجيا وممارسة عنصرية مجرمة، أي أن وجود الاحتلال هو مصدر الشرور، وهو كهف العدوان, وهو تهديد السلم والأمن في هذه المنطقة!!! بل إن الرئيس ابو مازن أوضح بشكل حاسم وشديد الوضوح على أن كل محاولات القضاء على الإرهاب في المنطقة لن تصل إلى النجاح الكامل دون العودة إلى جذر القضية وهو إنهاء هذا الاحتلال وقيام دولة فلسطين.
إسرائيل في ظل سيطرة وتحالف اليمين الديني والعلماني بقيادة نتنياهو ذهبت إلى الرؤية غير الصائبة، وإلى الخيار الخاطئ والخطير من خلال تصورها السطحي بأن الأحداث الجارية في المنطقة- وهي تشارك فيها بآليات مختلفة- تخرج القضية الفلسطينية من أولويتها، ومعروف أن الفكر العنصري وسيطرة عربدة القوة تدفع أصحاب هذا الفكر إلى ارتكاب الخطايا الكبرى مثلما نرى في الحالة الإسرائيلية الراهنة، وما جرى لقطاع غزة في خمس سنوات فقط هو أكبر دليل.
و هكذا فإن مؤتمر القاهرة جعل من عملية إعادة الإعمار خطوة ضرورية في الاتجاه الأصلي وهو إنهاء الاحتلال، حيث لا هدوء ولا تنمية ولا إعادة إعمار تصل إلى غايتها دون إنهاء هذا الاحتلال، الذي هو كونه احتلالاً فهو غير شرعي، والذي هو عدوان مستمر، والذي هو مرفوض بأعلى درجات الرفض من الشعب الفلسطيني، والذي هو ضد كل المحادثات والاتفاقيات والمفاوضات التي جرت في الواحد والعشرين عاماً الأخيرة وانتهت إلى الفشل، لأن بقاء الاحتلال أكبر فشل للنظام الدولي القائم، فلو أنه كان نظاماً صحيحاً متوازناً وعادلاً لما سمح لهذا الاحتلال أن يستمر كأطول وأبشع احتلال في التاريخ.
من الواضح أن الحكومة الفلسطينية، حكومة التوافق الوطني قد استعدت لهذا المؤتمر خير استعداد، وهي حريصة على تكريس المعايير للوصول إلى النجاح، وأن خطط إعادة الإعمار الفلسطينية ستكون هي الأساس لأنها خطط علمية وموضوعية وتدل على عمق الخبرة وعمق الوعي بما هو مطلوب من جميع الأطراف الفلسطينية، وأن كل طرف فلسطيني سيكون رابحاً حين ينضوي تحت لواء الشرعية الفلسطينية الواحدة، وحين يترك «الخبز لخبازه» أي لحكومة التوافق لكي تنجز عملها دون تدخلات ساذجة ودون تفلتات استفزازية، فشعبنا يراقب بكل انتباه وهو لم يعد يتحمل الأساليب الغوغائية السابقة بل إننا نطمح فلسطينياً من خلال نجاحنا في ملف إعادة الإعمار أن نرسل رسالة قوية عملية بأننا قادرون على تحمل تبعات الاستقلال، وأننا مؤهلون لاستقلالنا بكل كفاءة وثقة، فشكراً لمصر الشقيقة التي من خلال عودتها إلى دورها تعود القضية الفلسطينية إلى حضورها، وشكراً للعالم الذي لا تغيب فلسطين عن ذاكرته.