بقلم/ د. سليم نزال
عندما جاء العرب الى فلسطين و سائر بلاد الشام جاؤوا الى بلدان عامرة لها اسماؤها وثقافتها الخ . والدليل على ذلك انه من النادر ان يجد المرء اسماء عربية لقرى فى فلسطين.كلها تقريبا اسماء ارامية سريانية .و باستثناء مدن كانت بداية معسكرات للجيش العربي المسلم.
مثل الرملة التى اصبحت مدينة. ظلت مدن و قرى فلسطين تحتفظ بأسمائها ذات الجذور الكنعانية كما كانت منذ آلاف السنين .. لكن الانتشار البشري من الجزيرة العربية باتجاه فلسطين وسائر بلاد الشام خلق اشكالية تواصل بين السكان الجدد و السكان الاصليين. وقول هذا لا يعني انه لم يكن هناك عرب اقحاح مثل الغساسنة الذين كانوا يسكنون على اطراف بلاد الشام. والذين لعبوا الى حد ما دور الوسيط الحضاري بحكم معرفتهم للغة السريانية واللغة العربية .
وحتى من القرون الاولى للفتح العربي بقيت اللغة المستعملة فى فلسطين اللغة السريانية اي لغة السكان الاصليين . لكن بحكم استمرار التدفق البشري العربي، وحب العرب الزواج من الشاميات البيضاوات، وانتشار الدين الاسلامي الذي يستخدم العربية فى طقوسه، والقرابة اللغوية بين اللغة العربية واللغة السريانية. كل ذلك كان من العوامل التي ساهمت فى توسع و انتشار اللغة العربية في فلسطين .لكن هذا لم يكن يعني ان السكان الاصليين بدلوا لغة ابائهم و اجدادهم بهذه السهولة. فاللغة ليست قواعد ونحو فحسب، بقدر ما هى المخزون الحضاري للشعب. و من خلال هذا الارشيف الحضاري نستطيع الوصول الى ثقافة و فكر الاوائل الذين تحدثوا بها.
يرى الانثروبولوجي الفرنسي ستراوس الذي قام بتحليل العديد من اساطير الشعوب ان الاساطير تعكس منظومة القيم لدى الشعوب . و فى العديد من القصص الشعبية الفلسطينية المتوارثة يمكن للمرء بسهولة ان يلمس التداخل العميق بين القيم الروحية المتنوعة التي تعكس الثراء الروحي و الحضاري للبلاد. وفي فلسطين حيث المجتمع الزراعي نلاحظ مثلا الادوات والمصطلحات المتعلقة بالزراعة لم تزل سريانية حتى الان مثل المنساس على سبيل المثال الذي يستخدم في الحراثة .. وسبب صمود هذه التعابير ان السكان الاصليين ظلوا يستعملون تعابير لغة الآباء و الاجداد لانها جزء من الذاكرة الشعبية.
لقد ولدت اللهجة الفلسطينية العامية كنوع من التفاعل بين لغة الوافدين العرب و لغة سكان البلاد . و السبب ان الوافدين العرب لا يعرفون اللغة السريانية كما ان سكان البلاد لا يعرفون العربية . و من المعروف انه عندما يحصل تفاعل حضاري بين لغات عدة فانه قد ينتج عنه لغة جديدة مثل اللغة الاوردية التي ولدت فى معسكرات الجيش المنغولي فى الهند كثمرة لتفاعل عدة لغات كالسنسكريتية و الفارسية و التركية.
الغزاة الصهاينة يستخدمون فى دعايتهم هذا الامر للقول ان سكان فلسطين هم من الغزاة كالآخرين .و هذا طبعا كلام يتناقض مع حقيقة الواقع لانه لو كان سكان فلسطين من الفاتحين العرب، كانت لغة السكان عربية كلغة الجزيرة العربية، وهذا امر يدحضه الواقع .ان اللغة الفلسطينية المحكية هى ثمرة تفاعل حضاري من جهة، و صمود حضاري من جهة ثانية، والدليل على ذلك كثرة المفردات السريانية الموجودة فى المحكية الفلسطينية. و لذا فانها انتاج المجتمع الاصلي و ليست امتدادا للغة الجزيرة العربية حتى وان كانت عربية الحروف.
هناك مئات الكلمات السريانية التى نقولها يوميا و هذه عينة صغيرة :
فركش اي حرك، نتش اي سحب، قرط اي اكل، شلح اي سرق، فشخ اي أسال دمه، شكارة اي قطعة ارض صغيرة، طابون فرن للخبز، بهدل اي اهان او شتم، طم اي ردم، شرش اي جذر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها