في اليوم السابع عشر من الحملة العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي تستمر اجتياجاً ومداهمات في الضفة وقصفاً في قطاع غزة، في اليوم السابع لا جديد في الخطاب السياسي الإسرائيلي، لأن هذا الخطاب وضعه نتنياهو عن سابق إصرار وتعمد في يد المستوطنين، وهؤلاء المستوطنين لم يعودوا مجرد لصوص أرض، وقطاع طرق، بل أصبحوا قوة ضغط كبيرة في إسرائيل، فهم موضوعياً أسياد حكومة نتنياهو الحالية، وهم أصحاب القرار المؤثر، وعندما نستمع إلى أقوال ليبرمان أو بينت أو دانون ونقرأ بعد ذلك تصريحات نتنياهو نكتشف أن الأخير أصبح هو التابع، في البداية كان هو اللاعب الرئيسي في لعبة التطرف والاستيطان والعداء لعملية السلام وبطل إفشالها الذي يشار إليه بالبنان، ولكن في الشهور الأخيرة، أصبح نتنياهو يلبي احتياجات زعماء المستوطنين ومتطرفيهم، فماذا لو نفذ بينت أو ليبرمان أو دانون ومن على شاكلتهم وانسحبوا من هذه الحكومة؟ لو حدث ذلك فهم سيجدون لهم مكاناً في حكومة جديدة ولكن نتنياهو هناك احتمال كبير أن يجد نفسه في الشارع، وخاصة أنه في السنوات الأخيرة ضيق على نفسه الخناق، حبس نفسه بين جدران كتابين، واحد ألفه والده عن فشل تجربة الاندماج اليهودي، وجاءت الوقائع لتثبت خطأ هذه النظرية أو المقولة، فما زالت الأغلبية الساحقة من اليهود متشبثين بفكرة التعايش في أوروبا وأميركا، والغالبية العظمى من اليهود الذين جاءوا إلى إسرائيل مشكوك في يهوديتهم، سواء يهود أوروبا الشرقية الذين وصفهم المؤرخون بأنهم ينتمون إلى قبيلة رقمها "13" ليس لها علاقة بأبناء يعقوب "إسرائيل" الإثني عشر، أما الآخرون من يهود الفلاشا ويهود الاتحاد السوفييتي فحدث ولا حرج، أكثر من خمسين بالمئة منهم مسيحيون ومسلمون.
أما الكتاب الثاني الذي حبس نتنياهو نفسه تحت جدرانه فهو الكتاب الذي ألفه بنفسه بعنوان "مكان تحت الشمس" وفي هذا الكتاب يرى نتنياهو أن كل الحقوق الفلسطينية هي حقوق مستحيلة، وبما أن السلام يقوم على الحقوق فإن نتنياهو أكبر عدو للسلام.
وعودة إلى الحملة العسكرية الأمنية الإسرائيلية في يومها السابع عشر التي تتواصل مداهمات على الأرض في الضفة وقصف بالطائرات في غزة، فكل يوم تحدث فيه مداهمات وقصف يحدث فيه موت للفلسطينيين، أطفال وشباب، رجال ونساء، وتحدث فيه خسائر، وقد أضيف إلى بند الخسائر في هذه الحملة خسائر جديدة وهي عمليات السرقة المكشوفة الواضحة التي يقوم بها جنود وضباط الجيش الإسرائيلي لما يعثرون عليه من نقود داخل البيوت التي يداهمونها ويتلفون محتوياتها ويخيفون أطفالها، تصوروا بالله عليكم، إسرائيل في منتصف العشرية الثانية من الألفية الثالثة لا تكتفي فقط بأن تكون دولة احتلال، بل تنحدر لتصبح أبشع نماذج الاحتلال، ولكن العالم لا يتحرك، وإن تحرك حتى في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن فإن الولايات المتحدة الدولة الأقوى تضغط لكي لا يصدر عن مجلس الأمن مجرد إدانة أخلاقية ليس إلا.
في السبعة عشر يوماً الماضية، أثبت الفلسطينيون أنهم أكثر نضجاً ووعياً وأثبت الرئيس محمود عباس أنه يملك كل مواصفات الزعيم ولكن على الجانب الآخر لم تتقدم الحكومة الإسرائيلية ولا رئيسها نتنياهو ولا أي من وزرائها لملاقاة الفلسطينيين من منتصف الطريق، فعملية الاختفاء للشبان الإسرائيلية الثلاثة من المستوطنين ظلت على غموضها، حتى أن قيام إسرائيل بإعلان اثنين من الأسرى السابقين كمسؤولين عن عملية الاختفاء أو الخطف ظلت دون أي إثبات مهما كان صغيراً، وظلت المطالب الإسرائيلية على حالها، تحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية، والمطالبة بفكفكة حكومة الوفاق الوطني التي لم تقم بالعمل في قطاع غزة حتى الآن، ووجدت إسرائيل في هذا التعنت أكبر الدعم من حماس، فقد عادت حماس بقوة إلى لغة الانقسام وتحريضات الانقسام سواء بالحديث عن التنسيق الأمني غير الموجود الذي ترفضه إسرائيل أصلاً، كما عادت حماس إلى افتعال الأزمات وأهمها أزمة رواتب موظفي حكومة حماس، وهي مسألة معقدة على أكثر من صعيد، ولكن المعنى من وراء ذلك، أن حماس تسير على خطى التصعيد الإسرائيلي، فإسرائيل تهدد السلطة وحماس تحرض ضد السلطة، ولذلك تستمر الحملة الإسرائيلية على هذا النحو بلا نهاية، بل إسرائيل تعود لتعزف على نفس الوتر حيث كشفت مصادر صحفية إسرائيلية أن حكومة نتنياهو تدرس في اجتماعاتها غداً الأحد تبرير الوسائل التي تجعلها تجمد المستحقات المالية الفلسطينية.
نحتاج من المستوى الدولي إلى مواقف واضحة وخطوات جدية، فاستمرار الحملة العسكرية الأمنية الإسرائيلية لا يمكن احتماله لفترة طويلة، ولا يمكن قبول تداعياته لفترة طويلة، ويمكن لنتنياهو أن يهرب من استحقاقات الشراكة مع الجانب الفلسطيني ولكن ليس بهذه الطريقة التفجيرية.