خاص/ مجلة القدس
حوار/ وليد درباس – صيدا - لبنان
شكلت القضايا الإنسانية والمطلبية التي يرفعها المضربون بمشافي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني فرع لبنان، والداعية لإنصافهم من حيث الضمان والتأمين والتعويض وزيادة الرواتب وغيرها، قاسمـا مشتركا لكافة مكونات الجسم الطبي فيه.
فالمطالب العادلة هذه، دفعت كافة العاملين بالجمعية والبالغ عددهم زهاء 400 موظف وموظفة، ودونما أي إستثناء لطبيب أو ممرض أو موظف إداري وفني للإلتفاف حولها. حتى أن رئيس فرع الجمعية بلبنان الدكتور محمد عثمان وأعضاء لجنة الفرع القيمين على شؤون الجمعية بلبنان، اعترفوا ذات مرة بعدالة قضايا المضربين. فهذه القضايا ليست بجديدة وسبق للموظفين أن رفعوها خلال إضرابات سابقة، وباتت تتصدر أجندة الإتحاد العام للأطباء والصيادلة الفلسطينيين في لبنان، ويحملها الأطباء فرادى وجماعات حيثما رحلوا وحلوا، وتمايزهم بذلك تحكمه مسؤولياتهم ومواقعهم وإدراكهم لمقومات ومكونات العملية الإستشفائية المهنية والمجتمعية. خاصة وأن جمعية الهلال الأحمر واحدة من المؤسسات الوطنية المهمة، ووجدت لتوفير الخدمات الإستشفائية وبمستوى عال للاجئين الفلسطينيين الذين يعانون الأمرَّين في مخيمات لبنان.
ما تمّ تلمّسه وسماعه من الكادر التمريضي والاداري والفني في مشفى الهمشري بصيدا (المشفى المركزي للجمعية بلبنان)، لا يختلف بجوهره عن ما سمعناه من بعض أطباء الهمشري. وما لقاؤنا مع اختصاصي انف وأُذن وحنجرة الدكتور رياض أبو العينين إلا للاضاءة على ماهية الإضراب وأهدافه المستقبلية.
يشير الدكتور رياض أبو العينين خلال حديثه مع "القدس"، الى أن الإضراب عام ويشارك فيه كافة موظفي مشافي ومستوصفات الهلال الأحمر بلبنان، ويرعى الإضراب ويدعمه الإتحاد العام للأطباء والصيادلة الفلسطينيين في مخيمات لبنان. كما ينسق بين فروعه على قاعـدة ضمان مشاركة جميع الفروع بما يتلاءم وتمايز خصوصيات بعض الفروع وخاصة في الشمال والبقاع- لخصوصية مناطقهم ولحاجة الأهالي للخدمات وللظروف المعيشية للأطباء المتعاقد إستنادا للحالة.
ويضيف أبو العينين: "راعى الإضراب الإلتزام باستقبال مرضى غسيل الكلى وعموم الحالات الطارئة، بما فيها حالات الولادة الحرجة، وإجراء عمليات العظام الجراحية للأطفال بسبب كلفتها الباهظة بالمشافي الأخرى، ولخصوصية تغطية الأخوة القطريين لتكاليفه". الأمر الذي يعني بحسب أبو العينين، إغلاق العيادات ووقف العمليات الباردة، مؤكدا على أن مطالب الموظفين محقة وشرعية وقانونية، متسائلا "أيعقل أن يقوم الجسم الطبي بمهامه المختلفة بما فيها قيام الطبيب بمداواة المرضى، ولايستطيعون مداواة أنفسهم؟". ويستطرد "وإن حصل فما هي النتائج المتوخاة على مستوى المريض والطبيب والجمعية، بوقت لا يُفعّل فيه دستور الجمعية ويتماهى خلالها العقاب مع الثواب"، مؤكـدا بهذا السياق "نحن لا نشكك بالقيادة الموجودة ولكن الإنتخابات استحقاق دستوري وقانوني، ومدخل مهم لضخ دم جديد وإجراء إصلاحات جدية وشاملة"، معربا عن الحاجة لإصلاحات جذرية بكيفية إدارة جمعية الهلال الأحمر، وليس لإصلاحات تجميلية، كون القاصي والداني يعلم بأن هناك سوء إدارة بالهلال أقله على مستوى لبنان.
وتطرق أبو العينين الى التداعيات السلبية التي طالت الهمشري، وأيضا جراء تفضيل المرضى الفلسطينيين لمشافي أخرى رغم ما طاله من تحسينات ورغم الإمكانيات الملحوظة للأطباء، فبالكاد يتراوح رواده بين 700 و 800 مريض. بوقت لم تساو الأونروا بين عقدها مع المشافي الحكومية وعقدها مع مشافي الجمعية كالهمشري مثلا، رغم أن التحسينات النوعية تمّت بطلب منها، وإن رفعت عدد الليالي الإستشفائية لتصل حتى 1050، فتسعيرتها لليالي السريرية الجراحية أو للصحة العامة تتراوح ما بين ال 150000 100000 ليرة لبنانية، ولا ترقى لمستوى التحسينات. علما بأن الأونروا بحاجة للتعاقد مع الهمشري وسواه بالجمعية.
ويرد ذلك، لوجود خلل إداري وخلل بالتعامل الطبي، شارحا أن الخلل الاداري يكمن باستئثار ثلاثة أو أربعة اشخاص بفرض رؤاهم وأنه يجب أن يكون هناك مشاورات مع الأطباء والموظفين لصناعة القرار، مفضلا أخـذ القرار من قبل المجالس الإدارية. أما عن الخلل بالتعامل الطبي، فاستشهد بالفارق في معاملة الممرض الفلسطيني نفسه للمرضى بالمشافي الخاصة ولمرضى الهمشري، مطالبا بالعمل على تطبيق "قانون الثواب والعقاب" بالجمعية لأهميته في إعادة الهيبة للجمعية والهمشري، وكونه الناظم لضبط الآداء وتصرفات الموظفين. ورأى "أن تدني مخصصات الموظفين وافتقادهم لخدمات الضمان الصحي يحولان دون المبادرة والتفاني بالعمل، مشيرا إلى أن إجمالي مخصص طبيب الصحة العامة يتراوح ما بين 500 و 550 دولاراً أمريكياً، فيما يتراوح للاختصاصي ما بين 550 و 750 دولاراً. أما طبيب العقد الخاص فيبلغ مخصصه 200 دولار وإن بلغ عددهم بلبنان زهاء ال 12 طبيبا، فيما يتراوح اجمالي مخصص الممرض 300 و 500 دولار لمن قضى عقدين من الزمن أو أكثر بالوظيفة. الأمر الذي يؤدي الى ضعف استقطاب آخرين، موضحا "لدينا نقص بالكثير من الأقسام، ونظام الجمعية يمنع تفريغ أطباء جدد ويسمح فقط بملء الشاغر في تأمين أحد من أطبائها المتعاقدين".
ويقول إن انتهاء زمن الولاية المالية الاوروبية على الهلال وانتقالها للفلسطينيين يتطلب إعادة النظر بالتفريغ، مضيفا أن "أطباء التعاقد يقبلون بالعمل جراء ضغط الحاجة فالتعاقـد ضمن دائرة العيادات يقتضي توزيع الحصص مناصفة بين طبيب الصحة العامة والمشفى، فالعمليات الجراحية مثلا يحصل فيها الطبيب على 40 % و60 % للمشفى، وطبيب الإختصاص يحصل 30 % مقابل 70 % للمشفى". وعرَّج أبو العينين على مخصص الطبيب اللبناني بالمشافي الحكومية، والذي يبلغ ال 2000 وال 2500 دولار كحد أدنى، ناهيك طبعا عن الامتيازات الإضافية التي توفرها الدولة وامتيازات أخرى خاصة. وعن الحوافـز قال "تصل نسبة الطبيب اللبناني جراء عملية جراحية باللوز250 و 300 دولار، فيما تبلغ حوافز الطبيب الفلسطيني لذات العملية بالجمعية 10 دولارات"، راداً السبب لتدني مستوى التعاقـد مع الاونروا.
من جهة أخرى، يؤكد أبو العينين على أن "إقفال المستشفيات يضرنا ويؤذينا بشكل أكبر من أذاه على الإخوان بالإدارة، فالجسم الطبي في مواجهة يومية مع المرضى ويؤلمهم ما ترونه من معاناة، وبينهم الأخ وإبن العم والجار".
وبخصوص المستجدات الأخيرة حيال الإضراب، يوضح ان "زيادة 40 % على الأساسي لطبيب الصحة العامة والاختصاصي، و30% أطباء الأسنان والصيادلة، و20 % الممرضين والإداريين"، مشيرا إلى أنه "ولحين 10/3/2011 لم نبلغْ بشكل رسمي، ونعتبرها إستجابة لمطلب واحـد ودون المستوى المطلوب (200000 ليرة لبنانية للطبيب الأخصائي تحديداً، و50000 و 60000 ليرة لبنانية للممرض)، غيركاف"، شارحا أن المضربين تقدموا بطلباتهم كسلة واحدة وينتظرون الرد عليها أيضاَ كسلة واحدة، معقبا "طلباتنا لا تتوقف بحدود القضايا المالية، فهناك قضايا دستورية أخرى. وسننتظر لنعرف ما يقرره الموظفون على ضوئها وماهية الخطوات التالية".
ويناشد الدكتور رياض أبوالعينين أخصائيُّ الانف والأُذن والحنجرة الرئيس أبومازن "الذي تعودنا عليه كأب حنون على فلسطينيي الشتات أن ينظر لهذا الموضوع بجدية"، آملا تحسين وضع الكادر الطبي في لبنان، لأن الوضع المعيشي وصل حـد الإنفجار بسبب الغلاء.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها