خاص مجلة القدس
حوار/ امل خليفة- رام الله - فلسطين
الانقسام مؤسسة تهدم النسيج الوطني والثقافي والتاريخي للشعب الفلسطيني ، والوطنية الفلسطينية مرهونة بانهاء هذا الانقسام ، فالشعب ليس مساوما او مقاوما بل مقاوما وصامدا بأجمعه وأينما وجد ، والمقاومة هي في محاصرة المشروع الاسرائيلي وتمكين البرنامج الوطني ، وعزل الشعب الفلسطيني عن محيطه الاقليمي والدولي ليس مقاومة ، وسوف توضع علامات الاستفهام حول الضرر الذي سيلحقه الانقسام بالقضية الفلسطينية والهوية الوطنية ، بهذه الكلمات بدأ الدكتور عبد المجيد سويلم استاذ الدراسات الاقليمية في جامعة القدس والكاتب والمحلل السياسي لقاءه معنا....
س: د. سويلم هناك مجموعة من المبادرات المطروحة لإنهاء الانقسام الفلسطيني واتمام المصالحة، كيف تقيّم هذه المبادرات وأين تكمن مصلحة الشعب الفلسطيني؟
حقيقة هذه المبادرات ليست جديدة فنحن نحاول بطريقة او باخرى انهاء مأساة الواقع الفلسطيني منذ عدة سنوات ، وللأسف الشديد نكرر المحاولة تلو الاخرى دون جدوى او حصول اي تقدم حقيقي، الامر الذي يعني ان مسألة الانقسام ليست بالبساطة التي يتم الحديث عنها، وان القرار بها يحتاج الى شجاعة سياسية غير متوافرة حتى الان ، ويحتاج الى التنازل عن المصالح التي كرستها حالة الانقسام ، بحيث اصبحت هناك مؤسسة اسميها مؤسسة الانقسام، وهي مؤسسة تتجذر وتتجسد في رؤى ومصالح شخصية، ان هذه المحاولات وان كانت تحمل بعض الجديد الا انها تواجه صعوبات حقيقية فعلا.
س: نعم هناك صعوبات ولكن لا بد من مبادرة فاعلة لحل الازمة الفلسطينية ممثلة بالانقسام، برأيك ما هي المعايير التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار عند طرح اي مبادرة؟
اولا بدون مرتكزات وطنية نستند لها لانهاء الانقسام وليس عن طريق المناشدة فقط وانما عن طريق الضغوطات الشعبية الحقيقية التي تمارس من خلال الجمهور الفلسطيني على القيادات الفلسطينية ، هذه المرتكزات الوطنية هي اننا لا نستطيع بأي شكل من الاشكال التنازل عن م.ت.ف ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني بغض النظر عن اية اشكالات تعاني منها المنظمة، هذه مسلمة وطنية اذا جرى القفز عنها فاننا سنكون قد قايضنا انهاء الانقسام بخسارة اكبر بكثير من الخسارة المترتبة على الانقسام نفسه، وبعد التأكيد على م.ت.ف ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني وفق المطامح الوطنية لا يجوز لاحد ان يفرط بهذا التمثيل، لماذا؟ لانها الهوية ولانها تجسيد للاهداف الوطنية بغض النظر عن اية خلافات يمكن ان تكون او تعدديات، ثانيا ان الشعب الفلسطيني والنظام الفلسطيني نظام تعددي وهذا امر طبيعي في المجتمع الفلسطيني ، بالتالي لا مجال لحل الخلافات على قاعدة الاقصاء او المنع او الاستئثار او التحكم، الحل المنشود يجب ان يستند الى الطبيعة التنوعية لشعبنا، والتي تمثله مجموعة من التيارات والاطياف السياسية، ونحن جزء لا يتجزأ كفصائل من الشعب الفلسطيني، بالتالي الاحتكام الى هذه التعددية والوسائل الديمقراطية والتي تكرس التعددية، دون ان نتفق على هذا المرتكز لن نتمكن من انهاء اية مشكلة تواجه النظام الفلسطيني والشعب الفلسطيني، فاذا كانت حركة فتح اليوم فربما تكون حماس غدا او اليسار بعد غد، هذه مسألة تخضع لتداول السلطة في اطار خصوصيتنا كمنظمة تحرير وكشعب يناضل من اجل الاستقلال الوطني، باختصار شديد اقول اذا كانت المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ونقول ان الحد الادنى للبرنامج الذي اتفق عليه الفلسطينيون هو برنامج المنظمة والمتمثل بدولة على كامل الأراضي المحتلة عام 67 والقدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة حل متفق عليه كما جاء في مبادرة الجامعة العربية وعلى قاعدة القرار 194 بالنسبة للاجئين، هذه الحقوق ارتأتها م.ت.ف واجمع عليها الشعب الفلسطيني بكل تياراته واطره وصادق عليها المجتمع الدولي، اذا هذا هو الممكن في ظل التوازنات العصرية والاقليمية والدولية، ونحن قبلنا بهذا الحل ليس لانه حل منصف او لانه ليست لدينا حقوق تاريخية في كامل ارض فلسطين ، بل قبلنا به لانه الحل الممكن التحقيق، وعليه الاتفاق وطنيا على هذا البرنامج وعلى وسائل تحقيقه يجب ان تكون مشروعة ويقرها القانون الدولي، وبعد الاتفاق على ذلك نأتي ونقول ان الساحة الفلسطينية تتسع لجميع الاطياف والتيارات والقوى والمؤسسات والشخصيات، واذا اراد البعض تحرير كامل التراب الفلسطيني فأني اعاهدك بأننا لن نعيدهم الى الوراء.
س: من الواضح ان الموضوع الامني هو محور الخلاف لحل الانقسام الفلسطيني، برأيك هل يمكن من خلال الحملات المطروحة على الصفحات الالكترونية الضغط على الاطراف لحل معضلة الانقسام؟
اريد ان اكون صادقا وجريئا معك في هذا الموضوع ، هنا يجب ان نعترف ان حماس لن تتنازل بسهولة عن قطاع غزة في سبيل الركائز التي ذكرتها سابقا، وحركة حماس تعتبر هذا الانقسام مكسبا لها، الشرعية الفلسطينية في المقابل لن تتخلى عن القطاع وهذا امر طبيعي، نعم نحن امام مشكلة، المسألة التي نطلق عليها امنية هي في الواقع ليست كذلك، بل هي مشكلة سياسية، وحماس تعتقد ان ما لها فهو لها وان ما للاخرين يجب ان تتقاسمه، وهذه حقيقة، د.سلام فياض طرح مبادرة من وجهة نظري هي مبادرة شجاعة، قال فيها ان ما نتفق عليه نتفق عليه وان ما لا نتفق عليه نتفق ان نتفق عليه لاحقا، وانا لا اقول ان هذا ينهي المشكلة ولكن اذا كانت المشكلة الامنية عائقاً فلماذا لا نتفق على الوسائل السياسية ثم ننتقل الى المشكلة الامنية ننهي الانقسام من خلال ما نتفق عليه ونبحث عن آليات تعطي قوة دفع لحوار جدي حول موضوع المشكلة، لكن حماس رفضت المبادرة، اما بالنسبة للمبادرات الاخرى المطروحة ومن ضمنها مبادرات الضغوط الشعبية، هي ايضا مبادرات شجاعة لكنني لا ارى ان بامكاننا حل مسألة الانقسام من خلال مبادرة من هنا واخرى من هناك، وانما ارى الموضوع بطريقة متكاملة ومتواصلة اكثر، تتواصل فيها الضغوطات الشعبية والمجتمع المدني والمستقلون الذين لم يتعد دورهم الوساطة حتى الان، وباعتقادي ان عدم وجود ضغوط عملية تجاه انهاء الانقسام هو ان الاخرين باستثناء حركتي فتح وحماس لا يلعبون دورا حقيقيا لانهاء الانقسام ، بل انهم منقسمون على انفسهم وموزعون بين المنقسمين، اذا القوى السياسية لا تعمل بشكل جدي لحسم الامر، فاذا كانت المبادرات المطروحة لاستقطاب الشعب لانهاء الانقسام وليس التوزع بين المنقسمين يترافق ذلك مع مبادرات سياسية بغض النظر عمن تصدر وتكتيل الجهود باتجاه ضغوطات حقيقية عندها ستشعر حركة حماس ان الشعب الفلسطيني فعلا اصبح رافضا لحالة الانقسام هذه وواعيا بمدى ضررها على مستقبله وقضيته.
دعا الرئيس ابو مازن لاجراء الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية، هل يمكن تحت هذه الظروف ان تتم الانتخابات وما تأثيرها على حالة الانقسام؟
عندما تختلف الاطراف تذهب الى انتخابات، وهذا ليس اختراعا فلسطينيا او وصفة خاصة بالفلسطينيين، نحن ومنذ اربع سنوات نحاول ان نتفق ولم نتفق، واصبح من الطبيعي الذهاب الى الانتخابات ، لكن ايضا اود ان اقول ان الانتخابات تحولت الى رهينة سياسية، بالنسبة للانتخابات البلدية لا مانع من اجرائها هنا واجرائها هناك، اما بالنسبة للانتخابات التشريعية والرئاسية فلا بد ان تتم في كافة اراي الوطن اي الضفة وغزة معا، واكد الرئيس ابو مازن ان لا ذهاب الى الانتخابات بدون غزة، اما اذا اوجدت طريقة لتصويت اهلنا في القطاع بحرية وبدون مضايقات فلا بأس لان المسألة ليست موافقة حماس من عدمها، بل المسألة القدرة على انجاح هذه الانتخابات لتمثل كافة شرائح الشعب الفلسطيني، واذا تعذر ايجاد طريقة للتصويت لا يبقى امامنا سوى الاتفاق مع حماس واذا كانت حماس لا تريد الاتفاق ولن تذهب الى الانتخابات بالمنظور القريب هذا يعني ان لا انتخابات، ليس لان حماس لا تريد فقط وانما ايضا لا تستطيع فأمر حماس بخصوص الاتفاق والانتخابات ليس بيدها، بل بيد جهات اقليمية وخارجية وهذا هو احد اسباب اللاتوازن في الساحة الفلسطينية، قالوا ان السلطة ممثلة بحركة فتح قرارها امريكي وكان الرد الامريكي بالفيتو واضحا على العلاقة الفلسطينية الامريكية، وهنا اود ان اقول ان من مصلحة حماس الان في ظل التغيير العربي نحو الديمقراطية ان توافق على انهاء الانقسام وعلى الانتخابات، حماس ليسوا جزءاً من النسيج الفلسطيني وحسب وانما جزءٌ لا يتجزأ منه، وعليهم ان يلتقطوا الاشارة مما يحدث في الوطن العربي من تغيير، وان الديمقراطية والانفتاح والتنمية هي مطالب شعبية، اضافة الى ذلك فان الاتفاق يعني محاصرة المشروع الاسرائيلي وزج كافة الطاقات الوطنية والاقليمية من اجل انهاء الاحتلال الهدف الاساس للشعب الفلسطيني، وفعليا لا ارى اية خلافات سياسية تبرر هذا الانقسام، فلننظر ماذا تقول اسرائيل في هذا المجال ففي مقابلة صحفية اجرتها صحيفة يدعوت احرنوت الاسرائيلية مع شمعون بيريز بمناسبة "مرور 60 عاما على قيام الدولة الاسرائيلية "وبصفته سياسيا مخضرما سأله الصحفي عن اهم الاحداث التي عاصرها في حياته، فاجاب هناك ثلاثة احداث اولها قيام دولة اسرائيل وثانيها حرب العام 1967 وثالثها الانقسام الفلسطيني، اذا متى ندرك الخطر الذي يمثله هذا الانقسام على شعبنا وهويتنا ومستقبلنا كفلسطينيين؟ يجب ان ننهي هذا الانقسام باسرع وقت ممكن لانه مشروع اسرائيلي وليس مشروعا فلسطينياً وسيأتي الوقت الذي سيحاسب فيه الشعب الفلسطيني كل من سعى الى هذا الانقسام ولم يسعَ لحله.
يمر الوطن العربي بحالة من التغييرللانظمة القائمة، الى اي مدى يمكن ان يؤثر هذا التغيير على الموقف من القضية الفلسطينية؟
ان الدولة القطرية التي انشئت بعد الحرب العالمية الاولى وتعززت بعد الحرب العالمية الثانية فشلت فشلا ذريعا في كافة برامجها، ان كان في برامج الديمقراطية او التنمية او العدالة الاجتماعية او حتى مشاريع التحرر والتحرير، بالتالي فان اي حركة جماهيرية عربية يجب ان نفهمها في اطار بحث الشعوب العربية عن بدائل لهذه الانظمة الاستبدادية المتسلطة، فالدولة الاستبدادية المتسلطة في الطريق الى النهاية ، ومن يفكر بغير ذلك فهو مخطئ، وستأتي دول وانظمة مبنية على اسس ديمقراطية تعددية باختلاف نسبي وتفاوت بين بلد واخر وباثمان مختلفة، الان ماذا عن علاقة هذا التغيير الكبير بالقضية الفلسطينية؟ كل تغيير ديمقراطي حقيقي في العالم العربي هو ذخيرة استراتيجية للقضية الفلسطينية ، لان هذا معناه زيادة منسوب مشاركة جماهير الشعب العربي بالقرار السياسي، نحن لا نريد ان تدار العلاقة مع اسرائيل والعالم العربي من خلال فرد او زعيم واحد، والجماهير العربية تتوق الى نصرة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، والتصدي للتوسع والعدوان الاسرائيلي ووضع حد للاستهتار الغربي بحقوقنا وثرواتنا وكرامتنا، بالنتيجة كل ذلك تغير استراتيجي للشعب الفلسطيني، على المستوى التكتيكي المباشر يمكن ان نقول ان م.ت.ف والسلطة الوطنية جزء من الوطن العربي ونعتبر ان خسارة هذا النظام او ذاك هو خسارة للشعب الفلسطيني، وانا اقول هذه ليست خسارة لنا، نحن حقيقة جزء من النظام العربي ولكن نحن ايضا حركة تحرر وطني ننادي بالتعددية، ونحن نسيج ديمقراطي وفي حالة انسجام طبيعي مع المتغير العربي، وللعلم ان مثل هذا التغيير يقلق اسرائيل لانها تدرك الابعاد الاستراتيجية له، فهي مثلا تريد شراء الغاز المصري من فلان في مصر وليس من البرلمان المصري، وعندما نفذت اتفاقية كامب ديفيد نفذت ما قررت هي تنفيذه على المستوى الامني اما فيما يخص حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وحسب الشرعية الدولية فقد تجاوزت عنه كليا، فافرغت الاتفاقية من محتواها السياسي وبحثت عن المكاسب فيها ، هنا يأتي دور الشعوب العربية كضاغطة على اسرائيل والغرب الذي يناصرها دون قيد او شرط وما هو مبرر انحياز هذا الغرب المطلق والاعمى لهذه العدوانية التوسعية في المنطقة في الوقت الذي لديه هذه المصالح ويطالب بالمشاركة بتلك الثروات، فالجماهير العربية لم تعد مستعدة لسيطرة الغرب على هذه المصالح والتمسك بتلك المواقف ، ما نخاف منه حقيقة هو ان لا تحصل هذه المتغيرات بالطريقة الصحيحة، وهي الدولة العربية ذات الحداثة والمعاصرة والديمقراطية المتنورة ذات التقدم الاجتماعي والحياة البرلمانية ضمن تداول للسلطة منطقي ويصب في المصلحة الشعبية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها