خاص/ مجلة القدس، بعد أن حسم شاوولموفاز معركة زعامة حزب كديما وانضم إلى الثلاثي نتنياهو- ليبرمان- باراك تعززت نظريةالفوائض المخيفة التي تتمتع بها الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الإسرائيلي.

الفوائض الثلاثةهي: فائض القوة وفائض الثقة بالنفس وفائض العنصرية، والقيم الثلاث تدفع بقوة إلى حسممنطق التطرف على حساب منطق التسوية، ومنطق ابتكار أساليب عدوانية جديدة على حساب الشعبالفلسطيني وشعوب المنطقة كلها، مما يعني أن مخاطر جر حكومة نتنياهو إشعال المنطقة كلهابحرب تدميرية هدفها تنصيب إسرائيل كمركز ثقل وتقرير مصير المنطقة أمر جدي ويجب وضعهفي الحسبان.

وعندما جرى الحديثعن عداوة الكيان الإسرائيلي لثورة الربيع العربي وعن قلقها من التغيير المتداعي لأنظمةالحكم في العديد من البلدان العربية، راحت حكومة الاحتلال تعيد النظر بالاستراتيجياتالمتبعة تغييراً وتعديلاً، وصولاً إلى إنشاء فرق عسكرية جديدة على محور سيناء مع مصر.

للأسف، يقابل أسبابالقوة والعدوان الإسرائيلي حلقة تتسع لأسباب الخوف والحذر من التداعيات الخطيرة لانفلاتالعصبيات الدينية والمذهبية لدينا إلى دركها المنذر بالخطر الثقافي- السياسي- البنيوي،بحيث بتنا نلحظ إيقاعاً عالياً للتجييش والنبذ والدعوات إلى الفرقة والتطرف والثأروالتكفير.

طغيان منطق التوترونفخ الأبواق المؤججة للغرائز والنزوات التي تتلطى وراءها ألف غاية وغاية، لا تنذربخطر المواجهات الدامية وتشريع كياناتنا ومجتمعاتنا على الفوضى والكارثة فقط، بل تريحالكيان الصهيوني من مخاوفه وهواجسه المستقبلية، وتخفف عنه عناء البحث عن وسائل تجميلصورته في العالم بعد أن افتضح أمره على العنصرية والاحتلال.

إننا الآن وسطتقاطع مشاريع دولية- إقليمية- محلية، أسباب احتقانها وانفجارها تتوقف عند مغامرة الأصابعالتي تستسهل الضغط على زناد الفتنة والغريزة.

بالمقابل نشهدتبريراً إيرانيا مسؤولاً في الملف النووي من خلال إمساك التيار المعتدل في القيادةالإيرانية بإدارة الأزمة مع المجتمع الدولي، خاصة بعد بروز مؤشرات قوية تفيد بفعاليةالحصار الدولي وبداية أزمة اقتصادية عميقة تضرب الجمهورية الإسلامية.

فالتخلي الإيرانيعن النبرة التصعيدية مع الغرب وإعلان المسؤولين الإيرانيين عن سلمية الملف النووي وعدمحاجتهم لاستعماله كسلاح داعم لنفوذ إيران الإقليمي يفتح باب التفاؤل نحو إمكانية تفكيكالألغام التي تمنع توقيع تسوية محتملة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والحكومةالإيرانية، بالطبع إن حصل ذلك، سوف تباركه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

سوف يمهد ذلك أيضاًإلى تهيئة مناخات إيجابية لتسوية أخرى تخص الملف السوري، الذي يحتاج إلى  اجتراح معجزة تقطع الطريق على الانزلاق المميت إلىالحرب الأهلية التي بدأت كرة نارها بالتدحرج نحو الانفجار الكبير.

فالتسوية الداخليةالتي كان الراحل حافظ الأسد أرسى معالمها منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي بدأت بالتفككلأن العلاقة التي يمثل رأس المال السوري أحد أعمدتها الأساسية بدأت بالانحياز لصالحقوى التغيير. الحصار الدولي وانعدام الموارد والأسواق وتدني قيمة العملة الوطنية وفرضجزء من ضريبة كلفة الحرب على أصحاب هذه الطبقة، كلها مؤشرات عينية تضيق مساحة الخياراتلدى هذه الفئة التي لا ترضى بأقل من الربح ثمناً لاستمرار العقد مع النظام السياسي.

هناك بالطبع أسبابأخرى أخرت مسار الواقع الجديد، منها الخوف من الفوضى العارمة وتغريمها من القوى الناشئةبسبب تعايشها مع النظام واستفادتها من الشراكة معه، إلا أن كفة التحول نحو المعارضةبدأت، بخاصة عند حصولها على تطمينات فعالة من مصادر القرار الداخلي- الإقليمي والدولي.

ما سبق يؤشر إلىالأمر الأكثر خطورة في الواقع السوري الحالي، حيث انحسر ملف إدارة الدولة بيد شخصياتتنتمي إلى الأقليات الدينية والمذهبية، مما يعني انكشاف النظام في سوريا بشكل فاضحعلى صراع طائفي- مذهبي تدميري قد يلحق الضرر الفادح بالهرم الكياني للجغرافيا السياسيةللبلد ويطيح بامكانية ترميمه وفق نموذج التعايش المفترض أن تكفله الهوية الوطنية الجامعة.

ما نشهده في لبنانمن هزات موضعية ومتفرقة ليس بعيداً عن حقيقة ما يجري في سوريا الآن، ولولا حكمة وتشددالمراجع السياسية والدينية وفعالية دور الإطفائي للجيش اللبناني لكانت الأمور ذهبتأبعد كثيراً نحو الهاوية، بالطبع ما سبق يشير أيضاً إلى عدم وجود القرار الإقليمي والدوليالمشجع على التفجير منعاً لانفلات الأمور من أيدي المراجع الراعية للملف برمته، لأنانفلاته قد تقلب معادلة كل الذين يعنيهم الأمر، نحو الاتجاهات التي لا يتمنونها. فمنقضية اعتقال شادي المولوي في طرابلس، إلى مصرع الشيخين في عكار والاشتباك المسلح فيالطريق الجديدة ببيروت، وصولاً إلى خطف اللبنانيين الثلاثة عشر في حلب، وصولاً إلىتفجير الرمادي ومصرع ثلاث نسوة لبنانيات استهدف التفجير حافلتهم، ورغم أنه بمقدورناالذهاب باتجاه قراءة مختلفة لكل حادثة على حدة، إلاّ أن النفوس الغاضبة والمتأججة لاترى غير تنسيب كل ما حدث ويحدث إلى المناخ العام المتأزم والشديد الخطورة.

المفجع حتى الآنأن القوى المتصارعة في سوريا تمترست وراء خطابين متشددين في مواجهة بعضهما دون أن نشهدبريق أمل تجاه بروز قاسم مشترك يخفف حدة الاحتقان ويدفع باتجاه حوار حقيقي يؤدي إلىعقد وطني- كياني جديد يخرج البلد من مأزقه الخطير.

صحيح أن السمةالأبرز للاقتصاد السوري هي الزراعة، لكنها لا تساوي شيئاً أمام حاجات وطن عدد أبنائهتجاوز 22 مليون نسمة.

فالنظام الحالي،حتى لو بقي في السلطة، فإنه عاجز عن ترقيع الأزمات التي نشأت وتغلغلت في مسام المجتمعالسوري منذ أكثر من سنة وأربعة أشهر، من يرمم نفوس الذين خسروا أبناء أو أخوة وأقارب؟من يخفف غضب وأحقاد الذين أهينوا وسجنوا وعذبوا في مراكز التحقيق والتعذيب؟ من يرعىمستقبل الذين شردوا وذاقوا ويلات الفاقة والغربة؟ من يعيد دورة الحياة اليومية التيافتقدها الشعب السوري؟ بالمقابل، هل تستطيع قوى التغيير تعميم قيم التسامح والرحمةوتجاوز ما حصل من أحداث وما دفع من أثمان؟ ولأجل أن تسلك عجلة الاستقرار وينساب إيقاعالتكامل بين السلطة والشعب والمؤسسات، هل بالإمكان نسف القوى السابقة كلها واستبدالهابقوى جديدة قادرة على الدفع بسوريا نحو الغد المأمول؟

الذي يلزم سورياالآن يلزمنا أيضاً، أي التخفيف من حدة الخطاب الطائفي المذهبي وتخفيف ما ينجم عنه منسلوك وهيجان غرائزي غير مسبوق، ينتج ممن يقابله على الضفة الأخرى، وبالتالي يدمر الوطنعلى كل من فيه، دون أن يستطيع ادعاء إنجاز أي انتصار.

يلزم سوريا ويلزمناأيضاً التفكير بأن ولاءنا أو معارضتنا ناجم عن اصطدام مصالح الشعب مع مصلحة النظامأو التقاء مصالح فئة من الشعب مع مصلحة النظام، أي أننا نوالي أو نعارض نموذج حكم،دون أن نحكم على دين أو مذهب من خلال النظام القائم.

يلزم سوريا الآنويلزمنا ارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية المترفعة عن الرعونة والمغامرة من خلالتكريس القيم الوطنية والإنسانية التي تؤلف ما بين أبناء الشعب والوطن الواحد، وبالأخصعلى النظام التواضع بالكف عن المفاخرة بالقدرة على البقاء بواسطة القمع والقتل واستبدادالأجهزة، وبالكف عن الاستقواء بهذه الدولة وتلك ضد أبناء سوريا. على النظام أن يعترفبأن شرعيته وعدمها مصدرها الشعب وليس تماسك وقوة الأذرع الأمنية. على النظام الكف عنسياسة "ومن بعدي الطوفان" وتصوير كل معارض على أنه عميل أو غريب أو مجرم.

يلزم سوريا ويلزمناالانتباه الشديد لمصممي الخرائط ومبتدعي الكيانات من المحافظين الجدد وسواهم من ورثةسايكس بيكو. يلزم القيادة السورية الإقرار بأن ما يجري في المنطقة ليس أقله لفظ لتاريخسابق من الوصاية على الشعوب، ومن كون الخطب السياسية الثورية لن تبقى قميص عثمان لدوامالتفرد والاستبداد. من واجب النظام في سوريا الإقرار بزوال عهد حجز الإرادة الوطنيةلصالح حزب أو فئة، أياً كان منطق الخطاب الذي يعلنه.

إسرائيل منتجةالعدوان والتطرف، راعية الإرهاب المنظم بكل أشكاله وألوانه تتمترس وراء سياسة الاستيطانوالتوسع ورفض الإقرار بالحقوق الفلسطينية والعربية، بل وتمعن كل يوم بالتهديد والوعيد.متى نتعلم من مكوناتها الغريبة والعجيبة كيف نلتئم ونتوحد ونبني أوطاناً راكمت أسبابوأبعاد البقاء والاستمرار؟

الصهاينة غرباءعن تاريخ وجغرافيا فلسطين، حتى انهم غرباء عن بعضهم، ومع ذلك اخترعوا قضية وادعوا امتلاكوطن.

من ترك أمر مصيرنارهينة للصهيونية؟