خاص/ مجلة القدس، في السادس من حزيران2012 أنهت لجنة الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني الفلسطيني اجتماعها في عمان، وقررتالسير نحو إعادة تأليف المجلس الوطني على قاعدة الانتخابات. وفي الوقت نفسه كانت لجنةالانتخابات المركزية الخاصة بالمجلس التشريعي برئاسة حنا ناصر تنهي اجتماعها في القاهرة،وتقرر المضي في تحديث سجِّل الناخبين في قطاع غزة استعداداً للانتخابات التشريعية.ومن الواضح ان أي انتخابات، أكانت تشريعية أم خاصة بالمجلس الوطني، لا يمكن أن تجريمن دون إتمام خطة المصالحة الفلسطينية على أكمل وجه. وهذه الخطة تتضمن ثلاث نقاط أساسيةهي: تأليف حكومة جديدة، وتفعيل لجنة الانتخابات المركزية، وإجراء الانتخابات التشريعية.وبالفعل، فقد جرى الاتفاق في اجتماعات القاهرة التي حضرها عن حركة "فتح"كل من الأخ عزام الأحمد والاخ صخر بسيسو، وعن حركة "حماس" كل من موسى أبومرزوق وصالح العاروري وعزت الرشق ونزار عوض الله، على شكل الحكومة وعدد أعضائها مندون التطرق الى الاسماء  التي سيكون من حق الرئيستسميتهم. وفي هذا الميدان اتفق الطرفان على ان تكون الحكومة الجديدة مؤلفة من تكنوقراطيينومستقلين، أي أنها لن تضم قادة الفصائل، ولن يتم توزير أي وزير شارك في حكومة اسماعيلهنية أو حكومة سلام فياض.

يبدو، أن هناكتقدماً واضحاً في مسار المصالحة الفلسطينية، وإن يكن هذا التقدم بطيئاً. وحتى الآنمازالت حركة "حماس" تخطو بحذر، إذ قبلت أخيراً بحكومة تكنوقراط، ورضيت بأنيكون الرئيس محمود عباس رئيساً للحكومة (عارض هاتين النقطتين محمود الزهار علناً)،وبقيت مسألة دمج الأجهزة الأمنية عالقة؟ ولاسيما أن "حماس" تطالب ببقاء جميعمَن وظفتهم في أجهزة الأمن في وظائفهم.

مهما يكن الأمر،فإن إعادة تكوين المجلس الوطني الفلسطيني  تصبحمهمة سهلة في ما لو تحققت المصالحة الفلسطينية، وسار الجميع الى خيمة الوحدة الوطنية.لكنها ستصبح مهمة شاقة في ما لو ظل الانشقاق السياسي مهيمناً والانقسام الجغرافي قائماً.ذلك لأن المجلس الوطني الفلسطيني يمثل إرادة الفلسطينيين أينما وجدوا، ومنه تنبثق اللجنةالتنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الفلسطينيين جميعهم بلا استثناء.

لقد نص النظامالداخلي للمجلس الوطني الفلسطيني على أولوية اختيار الأعضاء بالانتخاب المباشر، وإنتعذر على ذلك فبالتوافق. وقد برهنت تجربة ثمانية واربعين عاماً من عمر المجلس أن منالمحال إجراء انتخابات حرة تعبر عن إرادة الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، ولا بدمن التوافق على اختيار أعضاء المجلس في الدول التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها. ومايجري اليوم من بناء عوامل المصالحة، والتقدم نحو تأليف حكومة وطنية، وإشاعة روح الوحدةالوطنية ما هي إلا علامات ضرورية جداً، وحيوية جداً، على طريق إعادة تكوين المجلس الوطنيالفلسطيني.

لنتأمل قليلاًفي لوحة توزع الفلسطينيين على أماكن شتاتهم. إنهم موجودون، بشكل أساسي، في أراضي1948، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأردن وسورية ولبنان، وبدرجة أقل في مصر،ثم في الدول العربية وفي دول العالم على اختلافها. والسؤال الآن: أين يمكن إجراء انتخاباتحرة لاختيار أعضاء المجلس الوطني؟ والجواب البديهي هو التالي: لا يمكن اجراء انتخاباتفي أراضي 1948 بسبب الرفض الاسرائيلي القاطع. ومن غير الممكن أجراء الانتخابات في الأردنجراء مشكلة الهوية المزدوجة وما تثيره هذه المشكلة من حساسيات خطرة. ومن المحال إجراءالانتخابات في سورية خصوصاً أن الأحوال غير ملائمة، على الاطلاق، لمثل هذا الأمر. يبقىلبنان والضفة وغزة فقط من بين أماكن اللجوء الفلسطيني التي يمكن اجراء الانتخابات.لكن، بحسب النظام الداخلي للمجلس الوطني، فإن أعضاء المجلس التشريعي في الضفة والقطاعيكونون حكماً أعضاء في المجلس الوطني. إذاً، فإن الانتخابات التشريعية المقبلة في الأراضيالفلسطينية ستتكفل باختيار ممثلي الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة الى المجلس الوطني.فلا يبقى، والحال هذه، إلا لبنان، وربما بعض الدول العربية والأوروبية.

لا ريب في أن التوافقالوطني سيكون سيد القرار في اختيار المجلس الوطني الفلسطيني المقبل، وليس الانتخابالحر والشامل مع الأسف، لأن الشتات وشروطه الجغرافية والسياسية والأمنية يفرض قيوداًهائلة على إمكانية تطبيق الانتخاب المباشر كوسيلة لقياس إرادة الشعب. ومن غير أن تلتحق"حماس" بمسيرة الوحدة الوطنية، ومن دون انضمامها الى منظمة التحرير الفلسطينيةوهيئاتها ومؤسساتها التي بناها الفلسطينيون طوال تاريخهم الثوري، فإن الوحدة الوطنيةالحقيقية تبقى ناقصة، وحركة "حماس" كما تبدو اليوم يتنازعها تياران: تياريريد أن يجعلها جزءاً من النظام الرسمي العربي بعد أن اقترب الاسلاميون من السلطة فيتونس ومصر وليبيا، وتيار يرغب في أن تصبح " حماس" جزءاً من النظام الوطني الفلسطيني. وعلى الأرجح فإن الحذرالذي تبديه حماس في خطواتها وفي خياراتها السياسية عائد الى هذا التجاذب المتعاكس لكن،لا بد، أخيراً، من حسم الموقف بصراحة كي يبنى على الشيء مقتضاه.