خاص/ مجلة القدس، هناك مسيرة طويلةيجب ان تقطعها وصولا للإعلام المطلوب ، وهذا الإعلام المطلوب سواء أسميناه حرا أو جاداأو ملتزما أو مسؤولا يحتاج لبلوغه طريقا وسبيلا أو سبلا نرتادها ونحن واعين مؤمنينمؤهلين للسير في هذا الطريق مع حسن إدراك مواضع أقدامنا.

فالإعلام اليومبكافة أشكاله ومنها الاعلام الاتصالي المباشر والإعلام الفضائي والإعلام الاجتماعيأصبح من أهم وسائل التحكم أو التأثير بالعقول من حيث الرغبات والآراء والتفضيلات والاتجاهاتسواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الاستهلاكية أو السياسية أو غيرها.

من خلال وسائلالاعلام الاتصالي المباشر والمرتبط بالندوات الجماهيرية والمهرجانات واللقاءات والمؤتمراتيستطيع الضليع لسانا وتعبيرا والذي يحتفظ بهالة ما (كاريزما) دينية أو فكرية أو نضاليةأو شعبية صنعت أو اكتسبها بعرقه ودأبه، أو جاءته من حيث قدّمه تنظيمه وفتح أمامهالأبواب على مساحات اللعب يستطيع أن يرشق الجماهير بسليم الكلم أو العفن منه دون وجلمن رفض أو معارضة.

ويستطيع عبر التربععلى عرش الغرفة (الاستديو) في الرائي الفضائي (التلفزة) بشكل متكرر أن يتحول من ضيفثقيل الى أحد أفراد الأسرة أو ساحرها أو منجمها أو نبيها المعصوم.

وإذا تحركنا قليلاباتجاه الاعلام الاجتماعي المرتبط بمواقع التواصل الاجتماعي من مثل (فيسبوك وتويترولينكدان وغوغل وباث ..... وغيرها) فإن حسن استخدام أو صياغة الرسالة القصيرة المحكمةالسبك والتوجيه تستطيع أن تصنع نجوما عجائبيين، وهم ليسوا بالضرورة ما يقولون أو يقالعنهم، ولكنهم يُصنعون، أوهم يَصنعون عقولا– لأنها تحسب نفسها تشارك – مقولبة كما يريدونمستغلين الفراغ الاجتماعي والرغبات في التميز أو بناء العلاقات والصلات يدفعهم شعورخفي بأن لهم دوراً توطئةً لموقع، وأن عبر جملة قصيرة تافهة، أو انهم ينتمون لهذا أوذاك المجموع، ولكنهم في حقيقة الأمر يساقون سوق الابل والبهائم بأمر عاطفة متجددة اورغبة دفينة أو استغلال بشع للدين أو الضوء.

ان الاتصالات فيالعلم الحديث هي ما يقوم به الناس لأكثر من 90% من وقتهم، فهم يتكلمون ويثرثرون ويحركونأيديهم وعيونهم وأرجلهم، بل ويحلمون صاحين كانوا أو نياماً ... وهم في ذلك يتواصلون... ان الاتصالات فعل جمع والتقاء وتقارب ورغبة في نسج العلاقات والصلات بلوغاً للمرادوتحقيقاً للنتيجة المرجوة

ووسائل الإعلامالثلاثة التي ذكرتها (أي الاتصالي المباشر، والفضائي، والاجتماعي الالكتروني) كلهاسبل أو طرق قد يحسن المرسل / المؤثر / المشارك استخدامها وقد يسيء ذلك عفوا أو قصدا،وما أكثر القاصدين السالكين لطريق الغواية والتفضّل على الناس على افتراض امتلاكهملوحدهم للحقيقة لسبب علمهم أو تديّنهم أو نضالهم أو قدرة ما من قدراتهم يطلّون بهامن فتحة بالجدار (جدار العقل ، عقلي وعقلك) مدعين أنهم الأقدر والأوسم والألمع والأكثرتدينا أو الأكثر فهما ، وبالتالي هم الأولى بالإتباع.

وما يبدأ تشككافي عقل العالم قد يتحول ليقين، ولكن ما يبدأ انبهارا أو ولعا في عقل الجاهل يصبح تعصبالسياق أو فكرة (صحيحة أو كاذبة) أو جملة يغلق فيها الشخص أثمن ما منحه الله سبحانهوتعالى إياه أي العقل لينساق سوق الشاة مقيد العقل واليدين فلا يتورع عن ارتكاب أفظعالمنكرات تحت بند الدفاع عن الحق المطلق أو الصواب الأوحد أو المقدس فلا ينال رضى والديه...ويسبهالناس والملائكة.

ان الاتصالات علاقةغير حسابية فهي لا تعني قطعا أن واحدا مضاف اليه واحد يساوي اثنين لأنها بهذا الجمعقد تكون فيها النتيجة أربعة أو الفا أو مليونا.

لنفرض أن شيخاأو مفكرا أو رئيسا أو زعيما خطب في الناس وألهمهم ، وبث فيهم اتجاها معينا (ان يكونواضد طائفة ما أو شريحة ما، أو ضد لباس ما او مع فئة محددة بعينها... الخ) واستخدم فيخطابه كل ما يملك من أدوات التأثير والسحر (الكاريزما)، فكيف الظن بالنتيجة؟! والناسأشتات بين مثقف ومفكر وجاهل ومنساق؟!

ان ظواهر الارتباطوالانسياق أو ظواهر إغماض العينين والإتباع أو الانقياد ظواهر قديمة طالما حذر منهاالرسول محمد صلى الله عليه وسلم بصحيح الحديث بألا يكون الشخص امّعة، وفي سياق الأمرالإلهي بالتفكر والتأمل الذي يعفي الكثيرين أنفسهم منه استسهالا لتأجير عقولهم والانقيادوالإتباع دون عقل وبلا هدى.

ان الشيخ أو الزعيمالأوحد الذي يطلب طاعة الاتباع بالانغلاق والاستماع والامتثال لما يقول دون مرجعيةفكرية أو قانونية أو ثقافية أو حتى انسانية لهو شيخ كاذب أو أمام مضلل أو رئيس يقودمريديه أو اتباعه (من يقبل فيهم ان يكون كذلك) نحو قطع من الظلام مدلهمة... وفي كلذلك هو يستخدم قدراته الفكرية والتنظيمية وأيضا الاتصالية -ما هو فن يحسن الكثيروناستخدامه ويسيء الآخرون استخدامه- بقدرته على حسن استخدامه، وهنا المقابلة بين حسناستخدام الوسيلة وسوء النية والنتيجة أو الأهداف.

ان الاتصالات علمقائم بذاته بدأ يوزع ذاته على علوم عدة، وهو وان اختص بالإنسان وعلاقته بأخيه الإنسان(هناك اتصال مع الطبيعة وكل مكوناتها) فإن فهم العلاقات والاتصالات مربوط قطعا لمنيريد حسن استخدامه بالوعي المتحرر والوعي الشوروي أو الديمقراطي الذي يرتكز على أسسثلاثة أولها الاعتراف وثانيها التقبل وثالثها المشاركة.

ان الاعتراف بالآخرمن حيث هو مساو لي في الحقوق والواجبات والفكر والتعبير والتمثيل وان خالفني كليا هوالأساس لتقبلي لما يقول ودفاعي عنه ليقول، وخاصة متى ما خالفني وفي ذلك مدعاة الايمانبتحقيق المصلحة عبر المشاركة.

إن الاتصالات هيعملية إرسال واستقبال معقدة، أو هي عملية مشاركة بين طرفين أو أطراف... حيث يتبادلونالرسائل (مضامين مرمزة عبر عبارات أو جُمل أو حركات ...) ذات المقصد أو المعنى.

ان كانت في زمنمضى تعتبر الاتصالات مركّبة من 5 أركان هي (المرسل والمستقبل والرسالة ووسيلة الاتصالوإرجاع الأثر أو الاستجابة) فإنها اليوم في ظل خروج المارد من القمقم، وفي ظل الكمالهائل من الرسائل التي تصلنا يوميا في كل مكان ومن كل زمان، وفي كل ركن  بيتنا أو مكتبنا أو مدرستنا أو جامعتنا وحتى فييدنا أو جيوبنا أصبحت بتحرر المعلومات (قيدا) علينا (وسلبا) لتفكيرنا الخاص الذي لايستطيع ان يظهر بأصالته بسهولة، حيث تكرار الدعوات ان أصالة المعلومة والفكرة والبحثوالخبر هي بين الناس وأحضان الطبيعة وليست في محرك البحث (غوغل) أو في (الفيسبوك) أوعبر برنامج محمود سعد على قناة النهار.

ان الاتصالات فنالقدرة على المشاركة، والاتصالات فن تحقيق التفاعل (الايجابي هو ما نريد) بين شركاءالاتصال ، وهي حقيقة الرغبة بالتحرر والارتباط معا والتي هي معادلة صعبة.